في سورية أيهما يسبق الأخر: الحسم العسكري أم الحل السياسي؟ / خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي * ( سورية ) الجمعة 4/12/2015 م …

* صحفي وكاتب سياسي

تكثف القوى الدولية والإقليمية المهتمة بالشأن السوري مساعيها الدبلوماسية لإيجاد حل ينهي الصراع الدائر في سورية، وسط تكهنات بأن تسبق نذر الحرب والتدخل العسكري الخطى الدبلوماسية والسياسية، خاصة بعد إسقاط تركيا طائرة السوخوي الروسية التي جاءت لتعقّد الحل السياسي السوري وتخلط الأوراق من جديد في المنطقة.

يبدو أن قيادات القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة لم تستوعب بعد حجم الهزائم المتلاحقة، التي مُنيت بها خلال الأيام الأخيرة في جبهات القتال، ومع الإنهيارات المتسارعة لهذه المجموعات في أكثر من جبهة، تتجه الأنظار إلى الجبهة الملتهبة في محافظة حلب، التي ما زالت الميليشيات تفرض عليها ومناطق ريفية أخرى محاذية لها حصاراً خانقاً، في حين تثار تساؤلات عدة حول تأخير الحسم فيها، وهو الأمر الذي يبقى رهن قرار عسكري للقيادة السياسية في البلاد، وفي الإتجاه الأخر تعزز وضع نظام الأسد في الميدان وخاصة غرب سورية، بفضل الضربات الجوية الروسية والسورية المكثفة، إضافة إلى هجمات برية تدعمها قوات إيرانية وحزب الله اللبناني، وقد حققت هذه الهجمات المدعومة من روسيا مكاسب كبيرة في محافظة اللاذقية القريبة من الحدود التركية وفي جنوب حلب ودرعا والقنيطرة، أما في حماه ما زالت المقاومة تتصدى للميليشيات في جبهات المواجهة المباشرة داخل المدينة، وباتت تحاصر مواقع مهمة تسيطر عليها المجموعات المسلحة، وقد سجلت الحكومة السورية أيضاً مكاسب جديدة أمام قوات تنظيم داعش إلى الشرق من حلب، حيث إستعادت السيطرة على القاعدة الجوية بعد معارك شرسة، وأبعدت مقاتلي التنظيم عن قرى كانوا قد سيطروا عليها في الآونة الأخيرة، كل هذه الوقائع تؤكد أن داعش وأخواتها فقدت توازنها، وهي الأن تواجه ضربات جوية روسية وأخرى سورية مشتركة، ويتزامن ذلك مع خسارتها أراضي ومناطق انتزعتها قوات كردية مدعومة من قوات الجيش العربي السوري .

في سياق متصل إن زيادة تدخل وتورط الأطراف الدولية والإقليمية فى الأزمة السورية، وتعارض مصالحها، وهو ما يزيد من حدة الأزمة وتصاعدها، فإسقاط المقاتلة الروسية من قبل قوات تركية وما تفرضه من نتائج خطيرة على صعيد العلاقات الروسية، مع تركيا أو حلف الناتو أو أمريكا وحلفاؤها، وسعى الرئيس بوتين للإنتقام من هذه الدول، الأمر الذى يدفع  بوتين لإتخاذ إجراءات قوية تعيد للقيادة الروسية هيبتها أمام شعبها والدول الأخرى، وتردع قوى الإرهاب، كما أن تورط تركيا في الشمال السوري ودعمها لداعش بالأسلحة والمعدات ومساعدتها على التسلل عبر حدودها إلى سورية، وشراءها للنفط السوري من داعش بأبخس الأسعار، فضلاً عن سعيها لإنشاء منطقة عازلة، كل هذه الوقائع دلالات تبعد الحديث عن الحل السياسي السوري في هذه المرحلة على الأقل.

وعلى الصعيد الآخر تلقت القوى المتطرفة دعما عسكريا من الدول الغربية وحلفاؤها العرب إذ زودتهم بصواريخ تاو الأميركية الصنع المضادة للدبابات والتي ساعدتهم على صد الهجمات في بعض المناطق، وهناك بعض الدول خاصة واشنطن التي تلعب لعبة مزدوجة في تعاطيها مع ملف الأزمة السورية إذ أنها في العلن تؤيد الحل السياسي، بينما تحت الطاولة تساعد وتدعم المسلحين، والإختلاف الأساسي المتعلق برحيل الرئيس الأسد بين أمريكا والسعودية من جانب وبين إيران وروسيا من جانب آخر، فمجمل هذه العوامل والمعطيات قد تؤخر الحل السياسي السوري وتزيد من تعقد التوصل الى حل للأزمة السورية في القريب العاجل.

مجملاً… إن سبيل حل الأزمة السورية عند الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أن تبقى أزمة ليتم إستخدامها في التهديدات والتحذيرات من الإرهاب وبناء تحالفات سياسية جديدة وإعطاء إسرائيل الوقت الكافي لكي تختبر الحقائق على الأرض، وهنا يمكنني القول، إن سياسة اللاحسم التي تمارسها واشنطن، تعكس سياسة مقصودة منها لإغراق الجميع في المستنقع التي صنعته داخل سورية، ولكن يبدو أن التطورات الراهنة في المنطقة، والتقدم الذي يحققه الجيش السوري على الأرض، يجعل من الضروري تأجيل مؤتمر التشاور المفترض عقده في الايام القادمة، بهدف إنضاج أكبر ورؤية أشمل وأوسع من قبل الحكومة السورية للخيار النهائي بين حسم عسكري أو حل سياسي يجنب البلاد المزيد من الدمار،  وإن كنت أرى أن الحل معقد وشائك ما لم يتم الضغط على كل الدول الشريكة في سفك الدم السوري وحلفاؤها في المنطقة كي يتوقفوا عن دعم الإرهاب والتدخل في الشأن السوري وأن يتركوا  سورية  للسوريين للخروج من الأزمة ونزع فتيل الإضطرابات وحقن الدماء.

[email protected]

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.