المراوغة الأمريكية وخديعة البحث عن “الحل السياسي” في سوريا / المهندس ميشيل كلاغاصي

المهندس ميشيل كلاغاصي ( سورية ) – الإثنين 22/2/2021 م …

كل ما عليك هو أن تصدق أن ترمب نسف ما جاءت به إدارة أوباما , وبايدن سينسف ما جاءت به إدارة ترمب .. وأن الرئيس الجديد دائماً هو من صنف الملائكة , فيما سلفه كان من صنف الشياطين .! , يا لها من إستراتيجية للمزاح والمزاج والإستخفاف.  




ماذا عن جوزف بايدن , كسياسي معمر واكب عدداً كبيراً من الإدارت الأمريكية السابقة , وشارك بصنع قراراتها , ويأتي اليوم لينسف ما سبق له واّمن به وسعى لتحقيقه … ماذا عن مواقفه ودعمه للحرب على سوريا , وتأييده للمشروع الإنفصالي وبتقسيم سوريا , ماذا عن مواقفه السابقة لدعم الوجود الأمريكي في سوريا ورفضه لإنسحاب قواته منها , وعن دعمه لصديقته هيلاري كلينتون وللرئيس أوباما في استثمار “داعش” في سوريا والعراق … هل يعقل أن يكون بايدن “ملاك” السلام الجديد الذي يبحث عن وقف الحرب في سوريا وبإيجاد “الحل السياسي” , ويرفض مشاركة بلاده في الجولة الخامسة عشر للقاءات أستانا ! .. وماذا عن رفض قادة الكيان الإسرائيلي الغاصب لإنهاء الحرب وبالإنسحاب الأمريكي , والمال الخليجي والسعودي المتدفق دائماً دعماً للوجود والمشروع الأمريكي في سوريا ..!  

لا يبدو الرئيس بايدن جاداً بوضع سوريا على قائمة أولوياته , ولا تبدو إدارته بأنها تملك رؤية ً واضحة وكافية للمزاوجة بين استراتيجيتها ومصالحها وأقله على المدى القريب … ومن غير المتوقع بأن تخلي قواتها العسكرية مواقعها ووجودها اللاشرعي في الشمال الشرقي ومعبر التنف ، وأن تتخلى عن أدواتها وبإستمرار تغذيتها للمواجهات والإنقسامات والمزيد من محاولات تفتيت بنية النسيج الإجتماعي والديموغرافي في مناطق إحتلالها, وأن تحافظ على حالة الحصار والعقوبات التي نسجتها إدارة ترمب .  

إذ لا تستطيع الولايات المتحدة إتخاذ خطوات معاكسة تماماً لسياستها في سوريا والتي اتبعتهاعلى مدى السنوات العشر الماضية , ولا يمكنها تجاوز المصالح الإسرائيلية وأمنها الحيوي في فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان والأردن والعراق , ولن تستطيع تحمّل مشهد ما بعد إنسحاب قواتها , وتداعياته الإيجابية بالنسبة لسوريا , إن كان لصالح إنتهاء الحرب في غضون أيام وربما ساعات , أو لصالح مشهد التشبيك العسكري والتجاري من بيروت إلى دمشق وبغداد وطهران .   

إن خروج القوات الأمريكية من سوريا , سيحرم قادة الكيان الغاصب من الدعم الأمريكي المباشر , والذي أمنّ له دعماً استخبارياً منحه القدرة والفرصة لشن الإعتداءات المتكررة على سوريا وربطها بالوجود الإيراني حتى لو كان استشارياً عسكرياً فقط , وللمضي قدماً في سياسة العدوان ومحاولة ترهيب القيادة والدولة والشعب السوري .. فحالة الخوف الوجودي الذي تعانيه القيادات وبيئة المستوطنين الإسرائيليين , لن تسمح للرئيس بايدن بسحب قواته من المنطقة الحدودية ما بين سوريا والعراق , وبإجراء تغييرات جوهرية في ملف الحرب على سوريا , هذا من جهة , ومن جهةٍ أخرى لن يكون بمقدور إدارة بايدن الإنسحاب أمام أعين روسيا – بوتين العدو اللدود , كي يهنئ في مياه المتوسط الدافئة , وسط مخاوفها من تطوير قاعدة حميميم , ووضعها كندٍ قوي أمام قاعدة انجرليك في تركيا.  

تدرك واشنطن بأنها لن تستطيع البقاء والعربدة في سوريا إلى ما لا نهاية, وبالتوازي مع تقدم الجيش العربي السوري وتحريره لغالبية الجغرافيا السورية , وسط هزيمة تنظيم “داعش” , وإنكشاف حقيقة الأدوات الأمريكية المحلية , وتصاعد الغضب الشعبي في وجه الإحتلال الأمريكي وعصابات “قسد” ومخططاتها الإنفصالية وممارساتها تجاه الثروات النفطية الوطنية والمحاصيل الزراعية والأهالي , ولن يكون بمقدور الرئيس بايدن الإحتفاظ  بدعمه لهذه الميليشيات وحمايتها وحماية حياة جنوده , وبالسيطرة الكاملة على غالبية المحافظات الشمالية الشرقية في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة , مع استعداد القوات الروسية للإنتشار على طول الحدود السورية – التركية … فلن تكون الولايات المتحدة قادرة إلى الأبد على منع الهيئات السياسية لـ”قسد” من الحوار والتفاوض مع الحكومة السورية لإنهاء “المغامرة” وإستعادة الدولة لسيطرتها على أراضيها .  

ويبقى للإدارة الأمريكية البحث عن سبل إقناع أو تعويض تركيا للقبول بإستمرار دورها عبر سيطرة قواتها ومجاميعها الإرهابية على عفرين وإدلب للمضي قدماً في مشروع تقسيم سوريا , مع صعوبة إختراق العلاقات التركية – الروسية , والتركية – الإيرانية , وعدم قدرة تركيا على حماية الإدارة الذاتية المزعومة , وحماية كل الإجراءات اللاشرعية التي قامت وتقوم بها تركيا من ربطٍ لإقتصاد مناطق إحتلالها بالإقتصاد التركي وبإقامة الجامعات وغير ذلك… ويبدو من السخيف بمكان الإعلان الخارجية الأمريكية عن مضمون الإتصال الهاتفي للوزير بلينكن مع الوزير جاويش أوغلو بالحديث عن دعم الحل السياسي في سوريا .  

أما بالنسبة للوجود الإيراني ، فالولايات المتحدة و”إسرائيل” وبعض الأنظمة الخليجية , لا يرغبون ببقاء الإيرانيين في سوريا ، لكنهم لا يملكون أدوات إجبار قوية وكافية , ولن تكون عملية ربط التفاوض بالعودة إلى الإتفاق النووي وخروج إيران من سوريا في صالح المفاوض الأمريكي والأوروبي , وعليهم استيعاب وفهم طبيعة العلاقات الإستراتيجية السورية – الإيرانية , والثقة المتبادلة , والأهداف البعيدة التي تتخطى ملف الحرب على سوريا , وترتبط مباشرة بالقضية الفلسطينية المركزية لكليهما , وتحرير الجولان السوري , ووقف المد الصهيوني في المنطقة.     

في الوقت الذي لا يبدو الرئيس بايدن قادراً على تحمّل إعلان هزيمته وحلفائه الأوروبيين والأتراك والإسرائيليين والعرب , واللجوء إلى الحوار السوري – الأمريكي المباشر – وأقله في هذه المرحلة .  

مما تقدم نخلص إلى القول , بأن إدارة بايدن غير جاهزة للسلام , ولن يكون بمقدورها تغيير مواقف إداراتها السابقة , ونسف ما جاءت به إدارة ترمب , وتراجعها عن إعلان إنسحابها من سوريا , وأنه لم يكن يعدو أكثر من موقف استعراضي , وإعادةً لخلط الأوراق , وبحثاً عن المزيد من الوقت , على أمل بلورة موقفاً أمريكياً تبني عليه مزاوجة استراتيجيتها ومصالحها في سوريا … في حين تقترب رهاناتها على كسب الوقت من الضياع الكلي مع إقتراب الإنتخابات الرئاسية في سوريا , والتي لن تخرج نتائجها عن التوقعات الأمريكية بفوزه وجيشه وشعبه , وبقائه لما بعد رحيل الرئيس بايدن.  

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.