تركيا وروسيا.. مرّة أخرى! / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الجمعة ) 4/12/2015 م …

رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في باريس، لقاء رجب طيب اردوغان، بالرغم من الحاح الرئيس التركي الذي ستتعرض بلاده لعقوبات اقتصادية من روسيا، بعدما اسقطت تركيا قاذفة روسية على حدودها مع سوريا. كذلك ,ترفض انقرة الاعتذار, وتؤكد انها تصرفت بصورة شرعية لحماية مجالها الجوي.على جانب آخر:نُقلت جثة الطيار اللفتنانت كولونيل اوليغ بيشكوف , الذي قتله المتمردون الاصوليون المتطرفون لدى نزوله بالمظلة، الى موسكو.أيضا  ما زالت مشاعر العداء لتركيا مستمرة في روسيا، وتوجه وسائل الاعلام الروسية انتقادات حادة الى تركيا .كذلك وعلى خط مواز، تضع السلطات الروسية اللمسات الاخيرة على تطبيق مجمل العقوبات الاقتصادية التي اعلنتها ضد تركيا، اثر الحادث، أثبتت موسكو صلات تركيا مع تنظيم “داعش”, وهو ما أكده بوتين مرارا ,وآخرها خطابه الباريسي قيل يومين اثنين.

نعم إن ذيول وتداعيات حادث اسقاط السوخوي 24 الروسية، ما تزال تحتل صدارة الاحداث الدولية. القيادة التركية في غاية الارتباك , ففي تعاطيها مع حادثة الطائرة تعاطت بطريقة راوحت وما تزال بين العنجهية واللين  في محاولة امتصاص الغضب الروسي القوي , القادر على الانتقام من تركيا ,وهذا ربما لم تدركه الأخيرة عندما قام رئيسها (أو غيره لا فرق) بإسقاط الطائرة الروسية… ليتبين للسلطان العثماني الجديد بأنه وفقا للمثل العربي”لم تتطابق خسابات الحقل مع حسابات البيدر”! صحيح أن أردوغان ابتدأ أزمة لكنه لن يتحكم في موعد إنهائها بالتأكيد. الطائرة لم تخرق الأجواء التركية ! فقد سقطت في الأراضي السورية,وحتى لو خرقتها، فليس ثمة داع لاسقاط طائرة استغرق خرقها “المزعوم” مجرد “9” ثواني! وهذه المدة ليست كافية لانطلاق طائرتين تركيتين من أحد المطارات العسكرية , وإطلاقهما صواريخ على طائرة قاذفة وليست مقاتلة , الأمر الذي يؤكد النوايا السيئة لأنقرة مسبقا. إن  طموحات التوسع والهيمنة التي لم تغادر احلام ارودغان ,وبخاصة في التواجد المباشر لقواته المسلحة وازلامه ومرتزقته من “داعش” و”التركمان” ، وبعض ” الارهابيين الآخرين” في المنطقة الممتدة بين جرابلس وساحل البحر المتوسط، هي التي دفعته لإسقاط السوخوي, كما الانزعاج من الخطوة الروسية التي دفنت أطماع السلطان العثماني التوسعية في شمال سورية وحلب تحديدا, مرة وإلى الأبد.

لقد اوقع اردوغان نفسه وبلاده في ورطة سيكون من الصعب عليه الخروج منها, كل العالم يُطالبه الان باغلاق الحدود التركية – السورية واردوغان يتجاهل الطلب , ويترك الحدود مفتوحة على مصاريعها, لإرسال من قام برعايتهم من الدواعش إلى سوريا والعراق, وهؤلاء بالمقابل يرسلون النفط المسروق في صهاريج سيارات تركية عبر انقرة, لتستفيد الأخيرة ماديا من تصدير النفط المسروق بالأسعار التي تريدها! أي أنها سمسار لداعش! هذا ما أكده بوتين مؤخرا في مؤتمر المناخ في باريس.

أحد التداعيات لخطوة أردوغان الغبية : ما نشرته صحيفة “الحياة اللندنية”( الثلاثاء30 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي) عن “خلاف بين أردوغان والجيش التركي» على خلفية اسقاط الطائرة العسكرية الروسية وأن “لجيش” هو من  قام بـ “تسريب” الخبر إلى صحف مُقربة منه, وبأن “اسقاطه للطائرة جاء بناء على تعليمات مسبقة وأكيدة من أردوغان”, وهو ما يشي بانزعاج الجيش من قرارالرئيس التركي وخطأ إدراكه للأمور السياسية وللتصرف حيالها من الأصل. الرئيس التركي يحصد ما زرعه، فهو لم يحارب الارهاب, بل دعم التنظيمات المتطرفة بكل الوسائل.

لطالما اعتبر بوتين أن الغرب يتمسك بسياسة”تفتيت روسيا منذ عهد القيصر في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وصولاً إلى القرن العشرين في مواجهة الاتحاد السوفياتي”. كما أن الأوروبيين والأمريكيين”اجتازوا الخط الأحمر…حين ساعدوا على تنصيب حكومة مواتية للغرب في كييف،ضاربين عرض الحائط بالاتفاق الذي وُقّع بين يانكوفيتش والمعارضة ” . كذلك في أوسيتيا الجنوبية وفي ضم شبه جزيرة القرم روسية الأصل . الرد الروسي على كل القضايا السابقة كان قويا, لذا لن تكون حادثة إسقاط الطائرة الروسية استثناءا.ولأن روسيا بوتين لا تترك أمورها إلى الصدف، وتحسب خطواتها بدقة وبرود أعصاب,لذا قد يستغرق الرد الروسي المباشر على تركيا ,بعض الوقت ,لكنه سيكون.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.