وادي الحسا….حديقة جيولوجية بيئية عالمية بإمتياز / أ.د.أحمد ملاعبة .. والإعلامي د. أسعد العزّوني
أ. د. احمد ملاعبة والإعلامي د. اسعد العزوني ( الأردن ) – الأربعاء 24/2/2021 م …
من بين أحضان الطبيعة بين محافظتي الطفيلة والكرك، ينساب واد من أطول الأودية في الأردن بطول يمتد لأربعين كيلو مترا، وهذا الوادي لم يكتفي بعشقه لمياه الينابيع التي تتجاوز المئة ينبوع وعين، والتي تضخ ملايين الأمتار المكعبة في مجراه، بل يأخذ معظم المياه التي تتجمع في القيعان والأودية في الجزء الشمالي من محافظة معان وخاصة قاع الجفر.
وهنا لا بد من التوضيح أن الحسا وردت بعدة معاني منها: الحسو وهي تصغير الحسا ومعناها عين الماء، ووردت أيضا بأنها الرمال المشبعة بالماء التي تعلو الصخور الصلبة، مما يوفر لها الإحتفاظ بالماء الذي يتسلل من بين حبات لمياه نحو الوادي.
كان الوادي هدفا للإستيطان منذ بدء العصور البشرية، ولكن فترة الذروة تاريخيا كانت إبان مملكة الآدوميين الذين إتخذوا من “بصيرا” في محافظة الطفيلة عاصمة لهم قبل أربعة آلاف عام تقريبا، وكانت مملكتهم تجاور مملكة مؤاب التي بلغت أوجها في القرن التاسع ق.م، ومثّل وادي الحسا الحد الفاصل بين مملكتي آدوم ومؤاب، ويذكر أن العرب الأنباط خلفوا الآدوميين في مملكتهم.
هذا الوادي يعد من أهم واكبر الأودية العملاقة في الأردن، خاصة بسبب مقوماته وإتساع حوضه لما يزيد عن 2000 كم^٢، وهو جيوبارك أو متنزه جيولوجي ينافس أجمل المتنزهات الجيولوجية العالمية مثل جراند كانيون وويفز كانيون في أمريكا، ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء هي:
1 – وادي الحسا العلوي
2 – وادي الحسا الأوسط
3 – وادي الحسا السفلي
لقد تحدثنا عن الوادي العلوي الذي يبدأ من لواء الحسا بإتجاه جبل التنور بمسيرة تزيد عن خمس كم، ومن اللازم توضيحه أن جبل التنور هو جبل بركاني يقع على كتف وادي الحسا بإتجاه الطفيلة، وشاع في الموروث الشعبي أن هذا الجبل سمي بالتنور نسبة إلى طوفان سيدنا نوح عليه السلام،إذ قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز”وفار التنور”، لكن التحقيق العلمي أفاد أنه بركان إنفجر وثار في هذه المنطقة قبل طوفان سيدنا نوح عليه السلام الذي ورد ذكره في القرآن الكريم قبل ملايين السنين، وبجانب هذا البركان هناك سد يقال له سد التنور الذي أنشيء لتخزين 9 ملايين متر مكعب عام 2003 ميلادي، وهو قائم وما يزال يعمل بكفاءة منذ إنشائه.
يمتاز الوادي بأن ينابيع عفرا وبربيطة في الطفيلة، تنساب من هذه البلدات نحو الوادي،الذي يسير في مضيقات جميلة مليئة بالمياه والشلالات والينابيع مثل عين الليون وعين الظاهر، بينما يمتاز الجزء الأوسط منه بمضيقات ذات جدران عامودية ملساء، ويظهر الوادي شكلا متعرجا فيه إنحناءات كثيرة.
وإذا كان الوادي في جزئه العلوي عند الحسا يرتفع 825 مترا فوق سطح البحر، فإن الجزء الوسط منه يبدأ من مستوى 600 مترا فوق سطح البحر، وتطل من المرتفعات بلدات ذات راس والنعيمة وشقيرا الغربية وشقيرا الشرقية، والتي إتخذ المزارعون من هذه البلدات الحوض العلوي للزراعة، وزرعوا فيها مزروعات كثيرة مثل الجوافة والخضروات كالبندورة والخيار والبصل. إضافة إلى الأشجار النادرة مثل البطم والنخيل والآراك”السواك” والحيوانات التي تكاد تفترض مثل النمر والوشق والغزال.
ينساب الوادي بخيلاء في جزئه السفلي، وقد أصبح الغطاء الأخضر على جانبي الوادي بكميات هائلة جدا وبشكل شبه كامل تمشي بمسيرات الوادي، الذي يبقى مستمرا في جريانه إلى أن يخترق بلدة غور الصافي حيث شكل في نهايته دلتا زراعية خصبة تنتشر عليها المزارع التي تستفيد من مياه الحسا، وتنتج هذه المزروعات البطيخ والشمام وأصنافا كثيرة أخرى، وبعدها ينساب الفائض من المياه في البحر الميت.
إن وادي يعد ظاهرة فريدة فيه كل المكونات البيئية والجيولوجية والآثارية، وقد إرتبط بسجل آثاري كبير مثل قلعة الحسا وسيرة الفروة بن عمرو الجذامي، وهو أول شهيد في الإسلام ،وضعه البيزنطيون في مياه عفرا الساخنة وذاب جلده فيها ،في سبيل الدعوة إلى الله، بعد أن حمل رسالة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيصر الروم آنذاك، ورفض الإرتداد عن الإسلام.
وحتى لاننسى فإن وادي الحسا يبدأ من تكوين صخري غني بصخور الفوسفات التي كانت أساس الإقتصاد في الأردن، وتم تأسيس مناجم الحسا عام 1962، وينتهي بصخور السرموج وهو تكوين يحتوي على مجموعة من الصخور التي تكسرت من أقدم الصخور في الأردن وهي صخور الجرانيت والبازلت والجابرو،وصخورمتحولة مثل النايس والشست ،وتسمى صخور الدرع أو القاعدة، وعمرها في الأردن يقارب المليار عام، وهي أحجار يمكن إستخدامها في البناء وأحجار ديكور.
تتضمن حمامات عفرا 15 ينبوعا وتصل درجة حرارتها إلى 49 درجة مئوية، وتستخدم لعلاج أمراض المفاصل والروماتيزم والتصلب اللويحي والأمراض الجلدية مثل التحسس والصدفية.
إن مثل هذه المقومات الطبيعية والجيولوجية والبيئية بشقيها الحيوية وغير الحيوية وجماليات تضاريسي عز نظيرها بتكوينها وروعتها على المستويين المحلي والعالمي، يتطلب منا إعادة تأهيل هذه الطبيعة العملاقة الجميلة في وادي الحسا،وتحويل هذا الوادي إلى حديقة غناء، يمكن أن يشكل رافدا سياحيا مهما لأكبر منتجع لوادي عملاق في الأردن، وليس مبالغة أن مثل هذا الوادي إذا ما تم تأهيله حسب النمط العالمي فإنه سيكون رمزا ومسارا سياحيا، ولا نغالي إن قلنا أنه سيساعد في تصدير الأردن ضمن مفهوم الأردن جنّة.
التعليقات مغلقة.