الدولار الامريكي والعملات الرقمية: البتكوين / د.مروان الزعبي
د.مروان الزعبي ( الأردن ) – الأربعاء 24/2/2021 م …
برزت العملات الرقمية وفي مقدمتها البتكوين منذ عام 2009 خلال الازمة المالية العالمية بعد انهيار اسواق الاوراق المالية والعملات وفقدان المتعاملين الثقة بكافة هذه الادوات لتصبح العملات الرقمية ملاذا للمتعاملين حكمها في ذلك حكم الذهب. ان استحواذ الدولار الامريكي على 90% من التسويات الدولية و60% من الاحتياطيات الدولية واستخدامه كاداة لتسعير العديد من الاصول مثل الذهب والنفط اوجد حالة من الاحباط لدى المتعاملين بحثا عن بديل لا يخضع لسيطرة اي بنك مركزي او دولة وهو السبب الثاني لهذا الانتشار. العملات الرقمية ليست عملات حقيقية بالمفهموم المعروف لكنها مجرد اداة يأمل المتعاملون فيها الحصول على الربح دون اي عناء ولكنها ليست اداة مرتبطة بأي اصول اما قيمتها فتنبع من القيمة السوقية التي تتحدد بالعرض والطلب فليس لها قيمة ذاتية. وبمعنى اخر، لو اشترى شخص بيتكوين بمبلغ 10 مليون دولار حسب القيمة السوقية السائدة اليوم، يسجل بأسمه هذا المبلغ لكنه لن يمتلك اي شيء مادي. وكانه يضع وديعة في مكان مجهول، لو انهار هذا المكان تذهب العملات معه!
ان البتكوين هي عبارة عن عملة رقمية، لامركزية لانها تعتمد على نظام سلاسل الكتل Block Chains وليس لها اي وجود مادي حكمها في ذلك حكم بقية العملات الرقمية والكمية المعروضة منها ثابتة وتبلغ 21 مليون وحدة والتعامل بها يتم بدون وسيط وتتم تسوية العمليات بشكل فوري، ولذلك لا يوجد كلفة لعمليات البيع والشراء وبامكان اي شخص التعامل بها دون ان يكون له حساب مصرفي ولا تخضع لاي تشريعات وليس للبنوك المركزية اي علاقة بها ولا يوجد لها اي ضامن ولا تعتبر ورقة مالية مثل الاسهم والسندات ولذلك هي ليست مرتبطة باي اصل حقيقي ولا تخضع لرقابة هيئات الاوراق المالية. ومع ذلك، شهدت اقبالا كبيرا خصوصا خلال عام 2020 وارتفع سعرها اكثر 6 اضعاف من 4600 دولار في نيسان 2020 الى 28000 دولار في كانون اول 2020 للوحدة على الرغم من ارتفاع مخاطرها وخاصة غياب الجهات المشرفة والمراقبة والضامنة ولذلك لو حصل اي خطأ في عمليات البيع والشراء او اختراق لمحافظ المتعاملين فلا يمكن معالجة هذه المشاكل، وباختصار لا يوجد حماية للمستهلك.
من جهة ثانية، وبسبب ان هذه العملات تعتمد على التكنولوجيا تبقى عرضة لعمليات الاختراق وغسيل الاموال وتجارة المخدرات وتمويل الارهاب خاصة في ظل غياب التشريعات. اما بالنسبة للسعر فلا يوجد اي محددات عليه كما هو الحال في اسعار الاسهم التي لا يسمح بانخفاصها باكثر من نسبة محددة في اليوم الواحد. اما الخطر الاكبر فيتمثل في ان ليس لها اي قيمة حقيقية ولا ترتبط باي اصل ولذلك فهي عملة وهمية معرضة للانهيار في اي لحظة في غياب اي ضوابط تحكمها. ولكن يبقى السؤال المهم وهو: ما الذي حدث في عام 2020، ولماذا التهافت على شراء هذه العملات وخاصة من قبل المستثمرين الكبار مثل العديد من صناديق الاستثمار ولماذا اعتمدتها PayPal ولماذا فكرت شركة فيس بوك باصدار عملتها الرقمية؟ ولماذا فكرت البنوك المركزية في اصدار عملات رقمية؟ ولماذا بادرت الصين بتجربة اصدار عملتها الرقمية منذ نيسان 2020؟
من الواضح ان ان هذه العملات تمثل احدى صرعات القرن الواحد والعشرين حيث اخترقت الاسواق العالمية واقبل على شراؤها المستثمرين بكافة فئاتهم حيث لاقت قبولا ليس له مثيل وذلك على الرغم من انها لا تمثل ملكية لاي اصل. فالسهم يمثل ملكية في شركة والسند يمثل قرض لشركة (او للحكومة) ولذلك معزز باصول الشركة والعملة الحقيقية مثل الدولار او اليورو او الدينارالاردني تمثل التزام على الحكومة ولذلك هي معززة بسمعة الحكومة واصولها. لكن البتكوين وكل العملات الافتراضية ليست معززة بأي شيء. ومن هذا المنطلق لا يمكن ان نسمي عملية شراؤها استثمار ولا حتى مضاربة، وانما هي عمليات مقامرة لان الاستثمار والمضاربة تتضمن امتلاك اصول اما المقامرة فلا تتضمن اصول وانما هي عملية انشاء مخاطرة بانتظار الربح او الخسارة.
ان اقبال المتعاملين على العملات الرقمية في ظل هذه الظروف والهروب من الادوات التقليدية في عام 2020 اكثر ما يعكس حالة الاحباط التي اوجدتها طباعة النقد في العديد من الدول، يأتي في مقدمتها الولايات المتحدة في برامج التحفيز الاقتصادي والتي قد يكون لها مبرراتها في ظل جائحة كورونا، لكن اساس الاحباط يكمن في هيمنة الدولار الامريكي على على الاقتصاد العالمي. اصبح العالم اليوم مكون من الدولار الامريكي والذهب والعملات الرقمية، فعندما يتعامل المستثمر بالدولار فأنه يصبح تحت رحمة السياسة الاقتصادية الامريكية. وفي موضوع التسعير بالدولار، فلو انخفضت قيمة الدولار ترتفع قيمة الذهب والنفط والعكس صحيح ولذلك تصبح قيمة هذين الاصلين مرهونة بالاوضاع في امريكا. وفي اوقات الازمات، يهرب المتعاملون الى الذهب حتى يحافظوا على قيمة اصولهم. لكن الذهب لا يعطي مردود يذكر، الا في بعض الاستثناءات، ولذلك جاءت العملات الرقمية لتحل هذه المشكلة، كما يؤمن المتعاملون، فهم يهربون من الدولار والاصول المحررة به الى ادوات تدر لهم دخلا مرتفعا، لكنها في الواقع قد تأخذهم الى الهاوية!
والغريب في الموضوع انه لا يوجد اي محاولة لمنع مثل هذه التعاملات او على الاقل ان تضع لها ضوابط وتشريعات، وعلى العكس فهناك العديد من البنوك المركزية التي بدات باصدار عملاتها الرقمية ياتي في مقدمتها الصين. وفي اللحظة التي يتم فيها اصدار تشريعات ووضع ضوابط، سوف تنهار قيمتها لانها تستمد هذه القيمة من الفوضى. وفي الخلاصة، فان الاستثمار في العملات الرقمية ما هو الا مقامرة وفقاعة ستنفجر في يوم من الايام وسيندم المتعاملون بها حين لا ينفع الندم، وعلى البنوك المركزية ان تمنع مثل هذه الممارسات قبل فوات الاوان.
د.مروان الزعبي
خبير مالي واقتصادي
جامعة الزيتونة الاردنية
التعليقات مغلقة.