” أنا أرييل شارون ” .. للروائية الفلسطينية يارا الغضبان / عبدالرزاق دحنون
عبدالرزاق دحنون – الجمعة 26/2/2021 م …
يارا الغضبان روائية فلسطينية تحاول أن تقرأ ما في رأس أرييل شارون
يارا الغضبان باحثة أنثروبولوجية وروائية فلسطينيّة الأصل مقيمة في كندا. نشأت بين دبي وبيروت ودمشق وصنعاء. وصلت إلى مونتريال في سن الثالثة عشر مع أسرتها في عام 1989. في رصيد الكاتبة ثلاث روايات كتبت بالفرنسيّة: في ظلّ الزيتونة 2011، عطر نور 2015، وأنا أرييل شارون2018 التي صدرت مؤخراً عن دار المتوسط ميلانو-إيطالية باللغة العربية. ترجمها عن الفرنسيّة السوري عصام الشحادات بعد الحصول على دعم الترجمة من المعهد الكندي للفنون. فازت الرواية بجائزة في مهرجان بلو متروبوليس2019 وتُرجمت إلى الإنكليزية 2020.
تأسست رواية: أنا أرييل شارون على سؤال راود الكاتبة أثناء إحدى زياراتها إلى فلسطين: ما الذي يحدث في رأس أرييل شارون؟
سؤال يارا الغضبان يخص مباشرة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الذي ظل فاقداً الوعي ثماني سنوات قبل وفاته عام 2014، وبينما كان غارقاً في غيبوبته الطويلة تلك، استطاعت الكاتبة أن تمنح لخيالها أجساد وأصوات أربع نساء يضعن هذه الشخصيّة الإسرائيليّة المعقدة في مواجهة صريحة وقاسية مع أهوالها وإنسانيتها في أضعف اللحظات.
تقول يارا الغضبان في أحد حواراتها عن الرواية: لا حدود للأدب، يمكنني أن أقرر الدخول في رأس أرييل شارون دون أن يمنعني أحد لأنّنا في الرواية نحن متساوون، إنه شكل من أشكال المقاومة. وطريقة لإعادة اختراع التاريخ، وجعله أقل عنّفاً وأكثر مساواة، للأدب مهمة أخرى غير إطّلاق الأحكام.
تمزج يارا الغضبان في روايتها بين الواقع والخيال، وبين البعدين السياسي والإنساني لشخصيّة شارون، وتصوّر للقارئ على طريقتها ما يدور في خاطر هذا الرجل الذي دخل في غيبوبة استمرّت من عام 2006 إلى 2014.
وحول اختيار هذا العنوان لروايتها الذي يوحي بالتعاطف مع الزعيم الإسرائيلي الراحل، تجيب الكاتبة بأنّ شارون يوحي للفلسطينيّين بكلّ ما هو سيء وبالعذاب والشخصيّة في الرواية كانت صعبة بالنسبة إليها كما قالت.
وعندما دخل شارون في غيبوبة كانت الغضبان موجودة في فلسطين، وسمعت من الفلسطينيّين أنّه سيتعذّب طويلا في هذه المرحلة كما عذّب الفلسطينيّين، لكنها لم تقتنع بتلك الأحكام المسبقة وأرادت أن تدخل في تفاصيله وتقيم ما يشبه الكشف لتفاصيله، كشف لا حكماً نهائياً فيه.
واختارت الروائيّة أن تحكي روايتها عن شارون على لسان أربع نساء هنّ والدته وزوجته الأولى وزوجته الثانية والممرّضة التي كانت تقرأ له القصص وترعاه صحيّا عندما كان في حالة الغيبوبة.
وبما أنه يستحيل عليها كفلسطينيّة أن تتحدّث إليه، وضعت الكاتبة مسافة بينها وبين شخصيته ولم تكن وجها لوجه معه في روايتها كما تقول.
وتضيف في حديثها مع راديو كندا الدولي: إنّ والدة أرييل شارون التي هاجرت من جورجيا في القوقاز كانت قاسية الطباع، ولم يكن يهمّها دولة إسرائيل أو فلسطين، وقد ضحّت بأحلامها عندما هاجرت، وقد تكون هذه القساوة في طباعها قد انتقلت إلى شخصيّة ابنها أرييل شارون.
ولا تريد يارا الغضبان أن تبرّر سياسات أرييل شارون، الذي تسبّب بالعذاب للملايين كما تقول، ولكنّها فهمت الكثير من خلال مطالعتها عن والدته عندما كانت تحضّر لروايتها.
وسألت يارا الغضبان إن كانت كتابة الرواية بهذه الطريقة على لسان نساء أثّرن في حياة أرييل شارون قد أعطتها الحريّة للغوص في أبعاد شخصيّته كسياسي وكمجرّد إنسان، فأجابت بأنّ الرواية أعطتها القدرة على التحكّم بالحوار الذي يدور بينها وبين رجل طالما كانت له السيطرة على الفلسطينيّين، وقد أمسكت بخيوط الرواية كما تشاء، وقرّرت كيف سيموت ومع من سيتكلّم قبل موته.
وتقول يارا الغضبان في نهاية الرواية نقلاً عن نجل ارييل شارون قوله إنّ العربيّة ليست آخر لغة يريد والده سماعها قبل موته، وتجيب الممرّضة التي كانت تقرأ له القصص: إنّ العربيّة موجودة بداخله كما هي بداخلك.
وتقول الروائيّة يارا الغضبان إنّها لم تقصد بذلك ليس اللغة العربيّة فحسب وإنّما ايضا الهويّة العربيّة، وقصدت أنّه لن يمكن للإسرائيليّين أن يمحوا من تاريخهم الوجود الفلسطيني كما يحاولون أن يفعلوا منذ أكثر من سبعين عاماً، وقد وضعت الروائيّة نجل أرييل شارون أمام واقع لا يريد أن يتقبّله كما قالت.
وتقول: إنّ الممرّضة ريتا التي هي شخصيّة من وحي الخيال، استوحتها من شخصيّة سيّدة يهوديّة أحبّت فلسطينيّا، وأحبّها فلسطيني هو الشاعر محمود درويش الذي كتب لها قصيدة، وهي تمثّل الصوت الفلسطيني في الرواية:
بين ريتا وعيوني
بندقيَّة
والذي يعرف ريتا، ينحني
ويصلي
لإلهٍ في العيون العسليَّة!
وأنا قبَّلت ريتا
عندما كانت صغيره
وأنا أذكر كيف التصقتْ
بي، وغَطَّتْ ساعدي أحلي ضفيرة
وأنا أذكر ريتا
مثلما يذكر عصفورٌ غديرَهْ
آه
ريتا
بيننا مليون عصفور وصوره
ومواعيدُ كثيرة
أطلقتْ ناراً عليها
بندقيَّة
اسم ريتا كان عيداً في فمي
جسم ريتا كان عرساً في دمي
وأنا ضعت بريتا
سنتَينِ
وتعاهدنا على أجمل كأس، واحترقنا
في نبيذ الشفتين
وولدنا مرتين!
آه
ريتا
أي شيء ردَّ عن عينيك عينيَّ
سوى إغفاءتين
وغيوم عسليّة
قبل هذي البندقيَّة!
كان يا ما كان
يا صمت العشيّة
قمري هاجَر في الصبح بعيداً
في العيون العسلَيّة
والمدينة
كنست كل المغنين، وريتا
بين ريتا وعيوني
بندقيّة
وأكّدت الروائيّة والأخصائيّة في الأنثروبولوجيا يارا الغضبان في ختام حديثها للقسم العربي في راديو كندا الدولي: إنّ ردود الفعل العربيّة والفلسطينيّة على روايتها كانت إيجابيّة، وكان فيها كرم، ولكنّها تنقل عن البعض قولهم إنّهم وجدوا صعوبة في قراءتها.
وتخاطب الكاتبة في الرواية الشخصية الحقيقية قائلة: اهْدأْ، اهْدأْ. إنها الحقيقة، والحقيقة لا تزعج أحداً. والحقيقة حيادية. أنت تفقد حواسك وملكاتك، حتى القدرة على تسمية الأشياء، هويتك وعمرك ووجهك. لا تقلقْ. أنا كل ما لم تعده. أنا ما تحبه وما تكرهه، أنا أحلامك وهواجسك وندمك. أنا أسمع الكلمات والشكوك والمخاوف. أنا أشاهد، الطفل، ثم الرجل، اندفاعتك في الحياة، ثم سقوطك.
التعليقات مغلقة.