هام جدا … كورونا تكشف سرا خطيرا
الأردن العربي – الإثنين 1/3/2021 م …
ماذا ستكون الإجابة إذا قتلت طائفةٌ شريرة نصفَ مليون مواطن في الولايات المتحدة وقال قادتها إنهم سيواصلون قتل الآلاف يوميًا من أجل إشباع رغبتهم الجشعة في الاستحواذ على السلطة والمال؟
قد نرى في هجمات 2001 الإرهابية آخر مثالٍ يقترب من تلك الصورة. فبعد هجمات 11 سبتمبر ومقتل 3000 شخص في يوم واحد جاء رد الفعل سريعًا وهائلًا، حيث سارعت الحكومة الأمريكية إلى شجب الحدث وإزهاق حياة مواطنين أبرياء، وأطلق البيت الأبيض “حربه على الإرهاب” منفقًا 6.4 تريليون دولار بحلول عام 2019 وفقًا لمعهد واتسون للشئون العامة والدولية. ثم أعقب ذلك إنشاء وزارة جديدة داخل الحكومة الفيدرالية، وهي وزارة الأمن الداخلي والتي تعد ثالث أكبر وزارة في الحكومة الفيدرالية.
حينها أيضًا أقرَّ الكونجرس ما يسمى بـ”القانون الوطني” الذي استُخدم لتبرير المراقبة الجماعية على المواطنين بهدف العثور على أي شخص قد يكون متعاطفًا ولو من بعيد مع القتلة. وانطلقت بعدها وسائل الإعلام تهاجم بلا هوادة العقول الشريرة المدبرة للهجمات والأيديولوجية المتطرِّفة البغيضة التي حفَّزتهم. كما أُنشئ سجنٌ خاص في خليج جوانتنامو لحبس وتعذيب كل من يُعتقد بتورطه في الحادث. حوصِرَ الكثير من المسلمين في الولايات المتحدة وحول العالم، وقُتِلَ مئات الآلاف في العراق وأفغانستان، حيث أرسلت الحكومة الأمريكية ما يربو على مليون ونصف جندي أمريكي بالتناوب إلى هذين البلدين خلال العقدين السابقين.
كان ذلك المشهد أقرب ما يكون إلى حالة التعبئة العامة، حيث شُحن الرأي العام، واتسعت حالة التعبئة تلك لتشمل وسائل الإعلام جميعها والطبقة السياسية بأكملها، ونظام التعليم بكافة مراحله من المدارس الابتدائية وحتى الجامعات، كما خُصِّص جزءٌ كبير من الموارد القومية والبشرية لذلك الهدف. زُعِمَ أن كل ذلك من أجل سلامة ونفع المواطن الأمريكي، والتأكيد على أن أرواح ضحايا مركز التجارة العالمي لن تذهب سدى، ودرء أي خسارة بشرية كتلك في المستقبل.
معظمنا يعلم الآن أن ذلك الرد الحاسم والسريع كان مليئًا بالأكاذيب والهراء، وأن تلك الهجمات الإرهابية قد استُخدمت كذريعة لحروب خططت المؤسسة السياسية لخوضها على أية حال. إذن، إذا كان ذلك قد حدث عقب وفاة ثلاثة آلاف شخص فسنعتقد أن كل موارد الولايات المتحدة ستُعبَّأ بطريقةٍ غير مسبوقة من أجل إيقاف حالات الوفاة التي تعدت النصف مليون ولا نهاية لها تلوح في الأفق، أليس كذلك؟
على الرغم من هذا فإن ما نراه على أرض الواقع هو تغاضٍ كاملٍ من حكومات الولايات والحكومة الفيدرالية -يستوي في ذلك الجمهوريون والديمقراطيون- عن حالات الوفاة التي ناهزت النصف مليون في عام واحد. فقد سمحت الطبقة الحاكمة في أمريكا لفيروس كورونا المستجد بأن يصبح جائحةً تنتشر بين المواطنين بسبب أيديولوجيتها العوجاء التي تضع أرباح الشركات فوق حياة الإنسان. ويمكننا القول إن الاستجابة للموقف تشابهت حول العالم، ففي حين خسرت بريطانيا أرواح 70 ألف من المدنيين خلال الحرب العالمية الثانية كلَّفتها الجائحة خسارة أرواح ما يقرب من 120 ألف في عام واحد. وفقدت فرنسا أكثر من 80 ألف، وإيطاليا أكثر من 90 ألف، وفي ألمانيا وإسبانيا يزيد الرقم عن 60 ألف لكلٍّ منهما. هذا في حين تقترب البرازيل من الربع مليون وفاة، والمكسيك من 170 ألف وفاة، والهند من أكثر من 150 ألف وفاة، ليصبح إجمالي حالات الوفاة عالميًا 2.4 مليون حالة تقريبًا.
لم تقترب الاستجابة للموقف ولو بقليل من حالة الجنون بعد أحداث 11 سبتمبر. حيث لم يطرأ تغييرٌ يُذكَر على طبيعة الحكومة، وظهر بوضوح أن إدارات اليمين المتطرف، ويمين الوسط، ويسار الوسط، والإدارات الليبرالية تتلاقي في تشابه ولاءاتها. فحين ينشأ الصراع بين تحقيق الربح وإنقاذ حياة الإنسان، تضحي هذه الإدارات بالخيار الثاني دائمًا.
طُبِّقَت إجراءات غير مكتملة هنا وهناك، وفُرِضَت عمليات إغلاق متأخرة، وتعميم ارتداء الأقنعة الواقية في العديد من البلدان، حين كانت معدلات الوفيات ودخول المستشفيات مرتفعة بينما كان الاقتصاد العالمي يتعرض لخسائر كبيرة على أية حال. لكنهم استغلوا كل فرصة ممكنة للتخلي عن الإجراءات الجادة لمنع تفشي المرض في سبيل استئناف توليد الأرباح.
هذا النهج يشبه الانتظار لعدة أيام في أعقاب حادث سير حتى يُنقَل المصاب إلى المستشفى، على أمل توفير بعض النقود، ثم يعودون بالمصاب إلى المنزل بجروحٍ نصف ملتئمة ما تزال تنزف، توفيرًا للنفقات مرةً أخرى.
إن البلدان التي حققت أسوأ النتائج في إدارة الأزمة هي نفسها الأكثر ثراءً وامتلاكًا للموارد بشكل عام. وتلك الموارد التي تقع تحت تصرفهم، والتي أُنفقت في غمضة عين لشن الحروب وتقديم المساعدات للأثرياء وتمويل الشركات وخفض ضرائبها، لم تُحشَد بالقدر الذي يستلزمه هذا التحدي.
لم يكن ذلك نتيجة أخطاء مؤسفة أو حسابات غير دقيقة، فهم ببساطة لا يهتمون. لقد هاجموا من يدعون إلى اتخاذ تدابير مناسبة لخفض معدل الوفيات بشكل حاسم، وكأنهم أعداءٌ للحرية، وحاولوا مرارًا التقليل من خطورة الموقف متهمين خصومهم بالمبالغة.
لماذا؟ لأنه على النقيض من 11 سبتمبر أو بعض الهجمات الإرهابية الأخرى في أوروبا التي أودت في بعض الحالات بحياة فرد أو فردين، تتطلَّب الاستجابات المطلوبة لمحاربة الوباء إنفاقًا كبيرًا ومستمرًّا على صحة وسلامة العمال والفقراء، الذين أمضت الطبقات المسيطرة والأغنياء عقودًا في خفض الإنفاق عليهم. لذلك فإذا كان عليهم المشاركة في إنفاق عام ضخم لحماية حياة ومصدر رزق غالبية السكان، فإن هذا سيطرح السؤال واضحًا أمام الجميع: لما لا يكون هذا هو “الطبيعي” الذي يتعيَّن فعله، بدلًا من إنفاق التريليونات على الحروب والتخفيضات الضريبية للشركات الكبرى؟
فليحاولوا إن استطاعوا الاستفادة من الجائحة لأجل تحقيق غايات ذميمة كشن حرب أو تخفيضات ضريبية أو الهجوم على المساعدات الاجتماعية. فليحاول السياسيون ووسائل إعلام الشركات الكبرى وداعميهم الاستفادة من الوضع، فإنهم لن يجدوا إلى ذلك سبيلًا. لا يمكنهم أن يلوموا الصين أو “الإسلام الراديكالي” على التكدس في المستشفيات. هم يعرفون حق المعرفة أنهم السبب الوحيد وراء ذلك. إن الاستجابة الوحيدة التي تقدمها الطبقات الحاكمة في جميع أنحاء العالم تقريبًا هي “اللقاح”، على أمل أن يضع ذلك حدًا لتطورات أسوأ. ذلك اللقاح الذي سيربح من ورائه أصدقاؤهم في مجال صناعة الأدوية مليارات من الدولارات، والذي أخذت الدول الغنية منه نصيبَ الأسد، مما يعني ترك الفيروس ينهش في الدول الفقيرة.
وبينما تنتشر سلالات جديدة من فيروس كورونا المستجد في جميع أنحاء الكوكب، مما يطرح علامة استفهام على فاعلية اللقاحات الجديدة، تستمر الأمور كالمعتاد: آلاف يموتون يوميًا لأنه مازال هناك أرباحا تُجنى. يخبرك هذا كل ما تريد معرفته عن الطريقة التي تفكر بها الطبقة الحاكمة، وعن الثمن الذي نمثِّله في أعينهم.
- المقال بقلم بِن هيلير – موقع العلم الأحمر الأسترالي
التعليقات مغلقة.