كتب الأستاذ محمد دلبج: إعفاء بن سلمان من أي عقوبات مقابل مواصلة إخضاع السعودية للإرستراتيجية الأميركية العالمية
الأردن العربي – الأربعاء 3/3/2021 م …
كتب محمد دلبح …
تقرير مكتب الاستخبارات القومي التابع للبيت الأبيض حول عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في استنبول التركية في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2018 وتقطيع جثمانه بمنشار كهربائي بطريقة وحشية، لم يتضمن معلومات جديدة، سوى أنه أوضح مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان المباشرة عن عملية القتل. ولكن حكومة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن التي أدرجة 76 سعوديا على قائمة عقوباتها بمنعهم من الحصول على تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة أعفت بن سلمان بدعوى الحفاظ على العلاقات مع السعودية وملياراتها، الأمر الذي يشير بوضوح إلى سياسة النفاق التي تمارسها الولايات المتحدة في هذا المجال. فالمعلومات التي تضمنها سبق أن كشفت تركيا تفاصيل عملية القتل والتقطيع بالصوت والصورة.
لقد سبق لبايدن أثناء حملته لانتخابات الرئاسة الأميركية القول بأنه سيحول السعودية إلى دولة “منبوذة” وسيوقف جميع مبيعات الأسلحة إليها، فيما حكومته الآن تدافع الآن بسخرية عن رفضها معاقبة بن سلمان ، مدعية أن هدفها هو “إعادة تقويم وليس تمزيق” العلاقات الأميركية- السعودية. وقد علقت صحيفة واشنطن بوست التي كان خاشقجي أحد كتابها، منتقدة موقف حكومة بايدن وفشلها في أول اختبار لسياستها الخارجية بالقول إن ما تفعله مع بن سلمان، بمثابة “تصريح بالمرور الحر للقتل”
وفيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، قال الناطق باسم وزارة الخارجية يوم الاثنين الماضي إن كل صفقة سيتم تقييمها “على أساس كل حالة على حدة” وفقًا “لمصالحنا وقيمنا”. وأضاف أن الولايات المتحدة لا تزال “ملتزمة بشراكتها الطويلة مع السعودية في الدفاع عن أراضيها وهي تواجه هجمات من الجماعات المتحالفة مع إيران“. وهو بذلك يعني الحكومة اليمنية في صنعاء التي تسيطر عليها حركة أنصار الله (الحوثيون) التي نفذت هجمات متفرقة بالصواريخ والطائرات المسيرة على المنشآت السعودية ردًا على العدوان الذي تواصل السعودية شنه منذ ست سنوات على اليمن وأودى بحياة أكثر من 100 ألف يمني ومئات الآلاف من الجرحى إضافة إلى الدمار الهائل في البنية التحتية لليمن، ونحو 13 مليون شخص، أي نحو نصف سكان البلاد، على شفا المجاعة. بينما أعلنت حكومة بايدن أنها ستوقف المساعدة التي قدمتها واشنطن لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها السعودية، والتي بدأت في ظل إحكومة أوباما – بايدن، فيما ستواصل حكومة بايدن توفير الأسلحة “الدفاعية” التي سوف تستخدمها السعودية في عدوانها على اليمن.
وقد برر وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين إفلات بن سلمان من العقاب بادعاء أن “العلاقة مع السعودية أكبر من أي فرد” ، على الرغم من أن هذا “الفرد الواحد” يمارس سلطة مطلقة في بلاده. لقد أشرف ليس فقط على اغتيال خاشقجي، ولكن قطع الرؤوس الجماعية وسجن أي شخص يتجرأ على انتقاد النظام الملكي والتعذيب الممنهج والسحق العنيف لأي تلميح للمعارضة من المواطنين السعوديين والعمال الوافدين الذين يعيشون في حالة خوف من إبداء الآراء التي تخالف نظام الحكم السعودي.
ومن بين الأكاذيب الصريحة التي تم تداولها في واشنطن لتبرير إعفاء بن سلمان، ما ذكرته الناطقة باسم البيت الأبيض جين بساكي في مقابلة يوم الأحد الماضي على شبكة “سي إن إن” “تاريخيًا وحتى في التاريخ الحديث لم يتم في عهود الإدارات الديمقراطية والجمهورية، فرض عقوبات على قادة الحكومات الأجنبية التي لدينها معها علاقات دبلوماسية وحتى التي لا توجد لدينا معها علاقات دبلوماسية “.ومثل هذا التصريح يتسم بالهراء، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادة ورؤساء دول وحكومات في إيران وفنزويلا ونيكاراغوا والسودان وميانمار ودول أخرى.
أما أسباب الاستثناء السعودي فهي واضحة. فالسعودية كانت ولا تزال بمثابة العمود الفقري للرجعية والهيمنة الإمبريالية الأميركية في الوطن العربي، في ظل كل من الإدارات الديمقراطية والجمهورية على حد سواء، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما أن السعودية حليف لكل من واشنطن وتل أبيب في محور مناهض لإيران هدد بدفع المنطقة إلى حرب كارثية جديدة. بالإضافة إلى ذلك ، تشكل السعودية السوق رقم واحد لصادرات الأسلحة الأميركية ، بمتوسط مبيعات يبلغ 10 مليارات دولار سنويًا. وقد هب الكيان الصهيوني واللوبي المرتبط به في واشنطن إلى جانب سفارة الإمارات العربية المتحدة في بذل الجهود لدفع البيت الأبيض عن اتهاماته لبن سلمان وقبول الوضع القائم حفاظا على المصالح الاستراتيجية، ولا مانع من التعامل مستقبلا مع بن سلمان في أي موقع سيكون فيه وزيرا للدفاع أو وليا للعهد أو ملكا.
هناك أيضًا مخاوف في واشنطن من أن توجيه الاتهام المباشر إلى بن سلمان يمكن أن يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام الملكي السعودي ، ويفتح الباب أمام ثورة ضد نظام الحكم العربي الأكثر قمعية. كما أن وراء توبيخ حكومة بايدن الزائف للسعودية بشأن مقتل خاشقجي، توجد مصالح إمبريالية محددة.: تريد حكومة بايدن الديمقراطية الجديدة إحياء سياسات إمبريالية تحت مسمى “حقوق الإنسان”، وتبني فرض الديمقراطية والاهتمام المفترض بحقوق الإنسان لتبرير الاستعداد للحرب، لا سيما ضد الخصمين الاستراتيجيين الصين وروسيا. ويرى محللون أن ما يسمى “حظر خاشقجي” الذي يُفترض أنه بدأ ردًا على جريمة القتل في اسطنبول بأنه سلاح سينقلب ضد الصين.
إن حكومة بايدن تسعى من الانتقال من السياسة الخارجية الفظيعة والفوضوية والشخصية الزبائنية التي انتهجها البيت الأبيض في عهد دونالد ترامب، إلى مقاربة أكثر منهجية للمصالح الإمبريالية الأميركية استعدادًا لصراع “القوة العظمى”، لا سيما مع الصين. ولهذه الغاية، تسعى إلى إخضاع النظام السعودي، وكذلك الكيان الصهيوني وحلفاء إقليميين آخرين ، بشكل مباشر أكثر لاستراتيجية واشنطن العالمية.
التعليقات مغلقة.