تونس في ظل حكم الإخوان المجرمين، إخوان الإمبريالية … أسباب الإنتفاضة لا تزال قائمة / الطاهر المعز
الطاهر المعزّ ( تونس ) – الأربعاء 3/3/2021 م …
توسّعت الرُّقْعة الجغرافية للإحتجاجات ضد حكم الإخوان المسلمين، بمناسبة الذكرى العاشرة لانتفاضة 2010/2011، كما شملت الإحتجاجات شرائح عديدة من المواطنين، وضَمّت مؤخّرًا صغار المُزارعين ومُربِّي المواشي والدّواجن، بسبب ارتفاع سعر الأعلاف، وإغراق السوق المحلية بإنتاج أجنبي مشبوه ورخيص الثمن، وَصَف المُحتجُّون، وهم من فئات الفُقراء، زعيمَ “النهضة”، راشد الغنوشي، بالسّفّاح، وهتفوا بإسقاط حُكم “النهضة” وبمحاسبة راشد الغنوشي، باعتباره مسؤولاً عن ارتكاب جرائم إرهابية بتونس وبالخارج، من ليبيا إلى سوريا، وتُمثّل مختلف الدّعوات التي أطلقها زعماء الإخوان المجرمين (رئيس الحزب ورئيس مجلس الشورى) إعلانًا لبداية حرب أهلية، تهيأ لها الإخوان عبر تشكيل مليشيات، ارتكب عناصرها (بعضهم تَحَمّلَ أو يتحمل مسؤوليات في الدّولة، حاليا) مجازر في المؤسسات الجامعية، قبل حوالي أربعة عقود، تحت إشراف قوات شرطة نظام بورقيبة، وهو نفس المسار الذي اتبعوه في الجزائر (مجزرة الحي الجامعي “بن عكنون”، سنة 1975) وكذلك مليشيات السودان، خلال فترة حكم تحالف الجيش والإخوان، من 1989 إلى 2020، وسَبَقَ أن حَمّلت هيئة الدفاع التي تُحاول كشف المسؤولين عن اغتيال شكري بلعيد (06 شباط/فبراير 2013) ومحمد البراهمي (25 تموز/يوليو 2013) حزب “النهضة” مسؤولية إدخال أسلحة لتونس منذ العام 2012، بالتعاون مع إخوان مصر، ومع حركة “حماس”، عبر صفقات سرية مع شركات أجنبية، وأعلنت المتحدثة باسم الهيئة، التي تضم حوالي مائة مُحامي، أن رئيس برلمان تونس (راشد الغنوشي) كان على علم بمشروع اغتيال شكري بلعيد، وأن بعض أطراق جهاز القضاء التي تدين بالولاء للإخوان، تحتجز الوثائق التي تُؤكّد هذا الأمر، كما طالبت جمعية المحامين الشّبّان بتونس بضرورة الإسراع في محاسبة المسؤولين عن الإغتيالات السياسية بتونس.
مَثّل تحريض “عبد الكريم الهاروني” (رئيس مجلس الشورى لحزب الإخوان المسلمين بتونس)، في بداية شهر شباط/فبراير 2021، عناصر مليشيات حزبه على قَمْع المُحتجِّين ضد البطالة والفقر والفساد الذي تميز به حُكم الإخوان المسلمين طيلة عشر سنوات، إطلاق شرارة الحرب الأهلية المُقنّعة والمُتَخَفِّية تحت قِناع “الدفاع عن الدّولة ومؤسساتها”، وكان الحزب الدّستوري الحاكم من 1956 إلى 2010، يستخدم نفس الأسلوب ويقمع المُضربين والمتظاهرين، بواسطة الشرطة، وكذلك بواسطة مليشيات مُسلّحة، ودعت قيادة نفس الحزب الإخواني الحاكم ( ضمن ائتلاف يضم رجال الأعمال الفاسدين وجزءًا من الدّساترة)، يوم 11 شباط/فبراير 2021 إلى التظاهر في الشوارع، قبل أن يتحدد تاريخ التظاهر ليوم السبت 27 شباط/فبراير، بذريعة الدّفاع عن الدّولة ومؤسساتها، مع الإشارة أن القانون التونسي لا يُجيز إنشاء مليشيات مسلحة، خارج قوات الأمن الحكومية.
تزامن هذا التّصعيد الإخواني مع ارتفاع حدّة الأزمات، ومنها ارتفاع حجم الدّيون الخارجية، واقتراب موعد تسديد دُيُون سِيادِيّة، وارتفاع حِدّة الأزمة الإجتماعية والإحتجاجات التي توسّعت لتشمل العديد من مناطق البلاد، وتوسّعت معها حركة التّضامن مع المُحتجِّين من المُعطّلين عن العمل والمُزارعين والمُصابين أثناء انتفاضة 2010/2011، وغيرها من الفئات التي قاومت نظام حزب الدّستور (من 1956 إلى 2010) وجنى الإخوان المسلمون ثمار نضلات غيرهم، ما يجعل من مظاهرة يوم السبت 27 شباط/فبراير 2021، محاولة لفك الحصار السياسي عن “الإخوان المجرمين”، حيث أصبحت شعارات المتظاهرين في المناطق الفقيرة تتضمّن دعوات لمحاسبة رأس الحزب (راشد الغنوشي ) على جرائم إرهابية، إلى جانب المطالب الأخرى كالحرية والعدالة والحق في التشغيل والمساواة والكرامة، وجابهت أجهزة الدّولة هذه الإحتجاجات باعتقال حوالي 1600 مواطن، وأصدرت عشر منظمات تونسية وأجنبية بيانا مُساندًا لمطالب المحتجين، ويتضمن مطلب إطلاق سراح المُعتَقَلين، بحسب موقع “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، كما اعتبرت العديد من المنظمات المحلّية والأجنبية تحشيد الإخوان المسلمين وإنفاق مبالغ طائلة لتنظيم مظاهرة يوم السبت 27 شباط/فبراير 2021، دعوة للحرب الأهلية من قِبَل الإخوان المسلمين الذين يتشبّثُون بالسّلطة، ولا يختلف أسلوب حكمهم ولا سياساتهم الداخلية أو الخارجية عن حكم حزب الدّستور (بورقيبة، ثم بن علي)، أما عن السياسات الإقتصادية والتَّبَعِيّة للإمبريالية وللشركات الإحتكارية العابرة للقارات، عبر صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي ومنظمة التجارة العالمية، فالإخوان المسلمون أسوأ بكثير من الدّساترة، وهزموهم في مباريات الفساد وتبديد المال العام، وللتّذكير فإن الإخوان المسلمين بتونس كما بمصر (قبل منتصف 2013) أبرموا اتفاق مُصالحة مع كبار اللصُوص والفاسدين، ما ألغى القضايا التي كان يَدْرُسُها جهاز القَضاء لمُحاسَبتهم، ويُبيِّنُ تزامن “المُصالحة” بين حكم الإخوان بتونس وبمصر، أن مسألة التحالف مع الفاسدين ليسة تكتيكًا أو حَدَثًا عارضًا، وإنما هي مبدأ راسخ في برنامج الإخوان المسلمين، من تركيا إلى المغرب، لتوسيع رقعة تحالفاتهم، بهدف البقاء في السلطة…
احشتد بعاصمة تونس، يوم السبت 27 شباط/فبراير 2021، عشرات الآلاف من أنصار حزب النهضة الإخواني، القادمين من كافة ولايات (محافظات) البلاد، على متن قطارات وحافلات وسيارات نقل، أَجَّرَها الحزب الحاكم، مع التّكفُّل بمصاريف النقل والغذاء (هدية من منظمة خيرية قَطَرِيّة)، ورشوة صغيرة، بذريعة “الدّفاع عن مؤسّسات الدّولة” (دولة العمالة والتّبَعِيّة والفساد) لتحويل الأنظار عن الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة وعن الفساد الذي فاق حجمه ما كان سائدًا خلال فترة حُكم زين العابدين بن علي (بين 07/11/1987 و 14/01/2011) ولإلهاء الإعلام والرأي العام عن احتجاجات المُعَطّلين عن العمل، وصغار الفَلاّحين، ومختلف الإحتجاجات التي تكثّفت بمناسبة الذكرى العاشرة للإنتفاضة ( 17 كانون الأول/ديسمبر 2010- 2020 ) ولرص صفوف حزب النهضة الذي لم يعْتَدْ ظهور خلافاته الداخلية للعَلَن، فكانت هذه التظاهرة استثمارًا (ماليا وسياسيا وإعلاميا) من جناح راشد الغنوشي، في عملية استعراض للقوة ضد مُعارِضِيه داخل حزبه وخارجه، سواء معارضة المنظمات السياسية أو احتجاجات المواطنين…
اعتبَر الإخوان المسلمون أن الشعارات التي رفعها المُحتجّون منذ 2010، والتي مكّنتهم من الإستيلاء على السّلطة وعلى أجهزة الدّولة، وقع تجاوزها، فغابت من مظاهرة النهضة شعارات الحُرّية والشُّغل والكرامة، والعدالة والمُساواة، ورَدّد المُشاركون في مُظاهرة الإخوان المجرمين شعارات مفادها أن الشعب يريد حماية المؤسسات والوحدة الوطنية” والدستور”، بديلاً لشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، ولشعارات التنديد بالفوارق الطبقية المجحفة، وعدم المُساواة في الواقع وأمام القانون، والتنديد بعنف الشرطة والمليشيات، وهي شعارات تستهدف الإئتلاف الحاكم الذي تقوده “النهضة”، وهو ائتلاف طَبَقِي يُمثل مصالح الشرائح العميلة للإمبريالية وللشركات الإحتكارية العابرة للقارات، وخاصة الشركات الأوروبية التي تستنزف موارد البلاد، وتفرض اتفاقيات مُناهضة لمصالح الكادحين والعاملين والمُنتجين التونسيين، وتمثل اتفاقية “الشراكة الشاملة” مع أوروبا المعروفة باسم “أليكا” (وهي بصدد التفاوض والمناقشة) نموذجًا للتبعية وللهيمنة الإمبريالية التي زادت مع ارتفاع قيمة الدّيون الخارجية، واحتمال التّخلّف عن السّداد، وانخفاض قيمة الدّينار (دولار أمريكي = 2,8 دينارًا تونسيًّا)…
أصبح حزب الإخوان المسلمين (النهضة) صورةً طبق الأصل من الحزب الدّستوري الذي حكم البلاد بمفرده من 1956 إلى 2010، فيما شكّلت الخلافات الدّاخلية لحزب النهضة، بالإضافة إلى الإنتقادات الموجّهة للغنوشي بشأن إدارته للنقاشات والخلافات، بصفته رئيسًا للبرلمان التونسي، خلفية لمسيرة يوم 27 شباط/فبراير 2021، إذْ وقّع مائة عضو من قيادات وأعْيان ونواب حزب الإخوان المسلمين بتونس، منتصف شهر أيلول/سبتمبر 2020، وثيقة تطالب رئيس الحركة راشد الغنوشي (منذ 35 سنة) بالتنحي احترامًا للنصوص الداخلية لحزبهم التي تنص على عدم تولي رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، وبدأت هذه الخلافات تظهر للعَلن بعد تراجع الشعبية الانتخابية (من مليون ونصف ناخب سنة 2011 إلى 900 ألف سنة 2014 وإلى 500 ألف سنة 2019 )، بالإضافة إلى إقصاء المُنافسين والمُعارضين، ما أدّى إلى انشقاق البعض الذين صرّح أحدهم (عبد الحميد الجلاصي)، بشأن مظاهرة يوم 27/02/2021 أن الغنوشي أشرف بنفسه على تنظيم المظاهرة، ووَظَّفَ اعتمادات مالية ضخمة لحشد متظاهرين من مختلف المحافظات عبر الإغراءات المالية، لإيهام التونسيين بأنه لم ينتهِ سياسيًا، وأنه غير مسؤول على المأزق الحالي لحزبه (النهضة)، وسانده في ذلك “عبد الفتاح مورو”، أحد مُؤسّسي تيار حركة الإخوان المسلمين بتونس، الذي ضايقه الغنوشي إلى أن ابتعد عن قيادة الحزب…
يُشير الوضع الحالي أن تونس على حافة الإنفجار، حيث تراكمت الأزمات السياسية والدستورية (القانونية) التي قد تؤدّي إلى انفراط عقد التحالف بين فروع الإخوان المسلمين (الكرامة والنهضة) وحزب “قلب تونس” الذي يرأسه رجل أعمال متهم بالفساد، بالإضافة إلى الأزمات الإقتصادية والصّحّية، والخلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، وهو خلاف بين شِقَّيْن من الفئات الكُمْبرادورية، يدعم الإتحاد الأوروبي أحدهما، فيما تدعم الولايات المتحدة الشق الثاني.
أظهر وباء “كوفيد 19” ضُعْف المنظومة الصّحّية، ومساوئ خصخصة قطاع الصحة، وهجرة الأطباء والكادر الصّحّي، وأظهر أيضًا استهتار السلطة الحاكمة بصحة الفُقراء والكادحين والمُنتجين والأُجراء، وأزهر ارتفاع نسبة الفقر والبطالة ازدراء الدّولة (التي استطاع الإخوان المسلمون التّحكّم بمفاصلها) بالمشاكل الحقيقية للفُقراء الذين أشعلوا انتفاضة 2010/2011، وأعاد الإخوان المسلمون (الذين ادّعَوْا أنهم “يخافون الله”) إنتاج سلبيات نظام الحكم خلال فترة رئاسة بورقيبة وبن علي، ونشرت نقابة الصحافيين قائمة أولية تضمنت أسماء عشرات الصحافيين الذين اعتدى عليهم عناصر لجنة تنظيم المظاهرة بالعنف مع إتلاف واحتجاز معدّات التصوير، وهي ممارسة شبيهة بما يحصل في ظل الدكتاتوريات العسكرية، لكن يحصل ذلك في تونس، باسم الدّين، وباسم الدّفاع عن الدّولة ومؤسّساتها…
عمومًا تميزت مسيرة الإخوان المسلمين، يوم السبت 27 شباط/فبراير 2021، بمخالفة إجراءات الوقاية الصّحّيّة، في دولة القانون، بل دولة المافيات ( الإخوان المجرمون والدّساترة) التي يتزعّمها راشد الغنوشي أو عبير موسى، تمتلك من المال ما يسمح لها بتأجير الحافلات والسيارات لجلب آلاف المُغفّلين والإنتهازيين الذين يُؤَلِّهُون الزعيم، ويصيحون “بالروح بالدّم نفديك ياغنوشي” (أو ياعبير)، مع إخراج إعلامي كبير…
خاتمة:
كانت انتفاضة 2010/2011 تنديدًا جماهيريًّا بالوضع المُتّسم بانتشار مظاهر الفقر والفساد والتبعية، ولم يُشارك الإخوان المسلمون في الإحتجاجات الجماهيرية، ولا يوجد مثال واحد عن دعم الحركات “الإسلامية” لأي شخص أو حركة، ضد الدكتاتورية أو ضد الإستغلال والإضطهاد، فيما استفادت كل الحركات “الإسلامية” من دعم منظمات حقوق الإنسان ومن منظمات أخرى، ومن بينها منظمات اليسار في تونس (ائتلاف 18 اكتوبر، منذ سنة 2005) ومصر وسوريا، وبينما كانت بعض منظمات اليسار في تونس تشارك في إخلاء ساحة القصبة من المُحتجّين القادمين من سيدي بوزيد وقفصة والقصرين وسليانة والقيروان وغيرها، كانت حركات الدّين السياسي تُؤسّس الجمعيات ومدارس تعليم القُرآن والمساجد غير المُرخّصة، وغير ذلك من وسائل الهيمنة على المُجتمع من الدّاخل، بفضل مال النّفط والغاز النّتن، وتم غسْل جرائم الإخوان المسلمين بفضل دعم الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، حيث منحتهم الإمبريالية الأمريكية صفة الإسلام السياسي “المُعتدل”، ومكّنتهم من خلافة النظام الذي كان يرمز له زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، لكي لا تتحول الإنتفاضة إلى ثورة تعصف بمصالح الدول الإمبريالية وشركاتها العابرة للقارات.
بعد عشر سنوات، تغيّر إسم الحزب الحاكم، وتَغَيّرت التّركيبة الطبقية للنظام بشكل طفيف، مع استمرار سياسة الفساد والنّهب الإمبريالي والإستدانة من الخارج، وتغيير طفيف في شكل احتكار السلطة والثروة من قِبَل فئة قليلة، تمتع بعضها بعفو تشريعي عام، وبتعويضات خيالية، والبعض الآخر بمصالحة اقتصادية جحعلته يحافظ على ما اكتسبه بالسرقة والإحتيال، بل ارتفعت ثروات الأثرياء بشكل قياسي، ما عمّق الفجوة بين الأغنياء والفُقراء، بفعل السياسات الإقتصادية الليبرالية وخصخصة المؤسسات والمرافق العامة، وبذلك بقي جوهر النظام “كمبرادوريا” تابعًا، مُستغلاًّ ومُضطَهِدًا للعاملين وللفُقراء والكادحين والمُنتِجين، ولن يتغير الوضع ولن ينهار النظام (وسلطة الإخوان المسلمين) تلقائيّا، مهما تعدّدت الإحتجاجات، ما لم تتحول الحركة العفوية للجماهير إلى لبنات لفعل ثوري، وإلى عمل جماعي ومُنظّم، يُمكنه تلافي مخططات الإمبريالية التي تمكنت سنة 2011 من امتصاص الغضب الشعبي، عبر التضحية ببعض الأفراد، لإنقاذ النظام، ويمكنه تجميع فئات المُحتجّين من أجل إسقاط النظام، واستبداله بنظام يُنصِف فلاحي واحة “جمنة” ومُربي أرياف المهدية وبنزرت وباجة وسيدي وبزيد، وعُمال الفوسفات وورشات البناء والكمياء والإسمنت وكافة الأُجَراء والكادحين والمُنتجين والفُقراء.
التعليقات مغلقة.