( البطرك ) الراعي يرعى الرقص على حبال التدخّل الأجنبي / السفير منجد صالح




الراعي يرعى الرقص على حبال التدخّل الأجنبي بقلم: السفير منجد صالح
زُبدة كلام، أو ربما بتعبير أدقّ، “قطران” كلام “الأب” الراعي، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، في خطابه “العرمرمي” الذي وجهه “للحشود” التي “زحفت” وأمّت حاضنته  بكركي، تمخّضت عن:
التحريض على سلاح حزب الله، والتحريض على وجود اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات “الشتات والشتاء والبرد” في لبنان.وقد لعب البطريرك على وتر “الحياد”، حياد لبنان.سأتناول الأمور التي “لعبها” غبطته “بالمقلوب” لأن فحوى الخطاب بعلانيّته وتجاويفه المخفيّة ما هي إلا “لعب بالمقلوب”، قفز في الفراغ، قفز في المجهول، قفز في تجريب المجرّب، قفزة في رفع أدرينالين “حُشوده” وزوّاره في صرح بكركي.

لقد تغنّى الراعي بكلمة أو تعبير أو تدبير “الحياد”، لكنه لم ينظر إلى المياه السائلة المُتسّربة بين أصابع قدميه، ولم يتحقق جيدا أين يعيش ويحيا؟؟ إنه يعيش في تاريخ وجغرافيا، يتناساها هو عن سابق إصرار وترصّد و”عناد”.

فهو يتحدّث من بيروت، من قلب بلاد الأرز، وليس من على ضفاف بحيرة جنيف، من سويسرا، بلاد الجبال النقية البيضاء والساعات السويسرية العريقة، بلاد الحياد حتى في أعتى الظروف خلال الحرب العالمية الثانية.

الرئيس المكسيكي الراحل الأسبق بورفيريو ديّاس قال يوما: “مسكينة المكسيك، كم هي بعيدة عن الربّ، وقريبة من الولايات المُتحدة!!!”.

هذه هي ديكتاتوريّة الجغرافيا يا غبطة البطريرك، قُرب لبنان من إسرائيل، إلا اذا ما انضممت، مؤخّرا، إلى جوقة المطبّعين “المُطبلين” العرب، وأصبحت ترى في إحتلال مزارع شبعا وقرية الغجر اللبنانيّتين ومحاولة “بلع” الحوض البحري اللبناني، من قبل إسرائيل، ميزة حسنة “تعظ” رعيّتك بحمدها وشكرها وليس رفضها واستنكارها.

فقد كُنت قد “أفتيت” غبطتك بأنك “لن تُسمّي بعد اليوم” أعضاء جيش لحد الغابر، الذين يعتاشون في فلسطين المحتلّة على فتات أسيادهم، بالخونة والمتعاونين.

لك الحق غبطتك وأنت الضليع باللغة العربية أن تجد لهم وصوفا ومسمّيات جديدة، ربما تصل حدّ القداسة والبطولة”!!!.

ماذا سنقول للشهيدة سناء المحيدلي في جنّتها في العُلا بإذن الله، عن “هؤلاء” الذين يُبرّؤ الأب الراعي، باثر رجعي، فظاعاتهم وخيانتهم؟؟!!

“حياد لبنان”، تعبير “ظريف”، ولبنان يعجّ بكل ما هو غير مُحايد من الجعاجعة والسنيوريّات وترسّبات ومُخلّفات وخوابي ملوك الطوائف والعائلات والضاربين على وتر الطائفية والإثنية والطبقية وكأننا في الهند: المهراجات والفرسان وشهبندرات التجار والمنبوذين الذين يّشكّلون الطبقة الأعمّ.

“حياد لبنان”، تعبير “خزّيق”، ومائدة “السفيرة شيا” تعج بالمهرولين الطامحين الطالحين “ضاربي الخوازيق” لأبناء جلدتهم، أبناء الوطن الواحد، غارسي الخناجر في لُبّ شجرة الأرز الشامخة، خفافيش الليل التي تكره النور وسطوع الشمس وعزة وفخار نسمة الجنوب تهبّ على مُحيّا الثوار الأبطال.

“حياد لبنان”، وهل أنت غبطتك محايد فيما تقول وتطرح وتصرّح وتصدح؟؟!! أم أن عدم الحياد والعدوانية والإنحياز و”الفتنة” تفوح من كلّ كلمة “تفضّلت” بهندستها و”دوزنتها” وإطلاقها سهاما مسمومة، توشي بإنحيازك للأجنبي و”لحل” دولي بمؤتمر دولي حول لبنان، تعتقد أنه سيجلب “سلالا وقففا” مليئة بالشحم واللحم للبنان واللبنانيين!!!.

في العديد من دول أمريكا اللاتينية وأمريكا الوسطى إبّان السبعينيّات والثمانينيّات عندما كانت شعوبها “ترفل” تحت رحمة حراب حكّامها الدكتاتوريين المدعومين من الولايات المتحدة وإسرائيل، إختار رجال الدين فيها، ليس الحياد، “حيادك”، وإنما الإنحياز الكامل لخيار الشعب في التحرّر والنضال والسيادة، شكّلوا ما عرف حينها ب”لاهوت التحرّر”، وسقط منهم شهداء ومعتقلين لأنّهم إختاروا طريق الرب السمح المستقيم القويم.

هل لبنان بحاجة إلى مؤتمر دولي حتى تدعو “الدبّ إلى كرمه”، والدببة الداخلية والخارجية عديدة ومتربّصة للفتك بكرم لبنان وزرع لبنان وماضي وحاضر ومستقبل لبنان؟؟؟

قبل أن أخوض في موضوع سلاح حزب الله، الذي يؤرّق بعض الحاقدين الساهمين في ملكوت الله، النائمين في العسل، دعاة ومؤيّدي الإستعمار الجديد، المُتمنّين ب”ضبطه” وتدجينه، أود أن يعود غبطته بالذاكرة إلى أواخر شهر ديسمبر عام 1968 عندما قامت وحدة من قوّات الكوماندوز الإسرائيلية بإنتهاك تراب وثرى لبنان والوصول إلى مطار بيروت، وتجوّلت في أرجائة لمدة أربعين دقيقة، حيث قامت بتدمير 13 طائرة مدنيّة لبنانية تابعة لطيران الشرق الأوسط، “عينك عينك وعلى عينك يا تاجر”، وخرجوا “سالمين” دون حتى إصابة واحدة في صفوفهم.

وأن الرقيب في الجيش اللبناني الشجاع الوحيد الذي انطلقت رصاصات من رشاشه حينذاك قد حُوكم وأهين وأحيل على التقاعد؟؟!!

وقد علق وزير الدفاع اللبناني حينذاك بجملته الشهيرة الظريفة بأن “الشبيب ديفعوا لكن ما عرفوا يأوّصوا!!!”.

هل تحنّ غبطتك إلى تلك الأيام، أيام كان لبنان حديقة خلفية يسرح ويمرح فيها الإسرائيلي، وكانت بيروت مفتوحة و”حاضنة” لمعظم أجهزة المُخابرات في العالم؟؟؟

اللاجئون الفلسطينيّون الذين إقتُلع أجدادهم وآباءهم من بيوتهم وديّاراتهم ومزارعهم بالقوّة الغاشمة وبالمجازر لا يحتاجون إلى مزيد من البؤس والشقاء وإنما إلى بصيص من الأمل في ومن عظاتك “أبونا”، ومن “روح وتعاليم سيدنا عيسى بن مريم”، الفلسطيني المُعذّب الأول، يسوع التلحمي الناصري، وليس إلى صبّ مزيد من البنزين على جمرات معاناتهم وشقائهم.

في العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة المُحاصر، تقطّعت السبل في العائلات الثكلى التي فقدت بعضا من أحبّتها وفقدت تحت وابل قنابل الطائرات بيوتها، فقام الاب الجليل، إيمانويل مسلّم، ابن مدينة بيرزيت، بفتح أبواب الكنائس في غزّة للمواطنين الطالبين لملجأ ولوسيلة نجاة، وكان يُحضّر لهم في الكنائس وجبات ساخنة لأطفالهم وللبالغين على فطور رمضان.

الكنائس والمساجد والمقرّات الدينية يجب أن تكون ملاذا للمحبة والرحمة، وليس منصّة للتحريض على الشقيق في الوطن.

“لا تحرث الأرض إلا عجولها” يا غبطة البطريرك، ولبنان الذي أنار الدنيا، منذ عهد الفينيقيين رواد البحار الأوائل، إلى يومنا هذا، بجاليات مُبدعة في مشارق الأرض ومغربها، لقادر على إنارة دربه في وطن حرّ أبيّ.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.