فلسطين المحتلة … مدينة أم الفحم تنتفض في وجه الكيان الصهيوني وترفع العلم الفلسطيني




 

شكلت المظاهرات الشعبية خلال الأيام الماضية في مدينة أم الفحم، للاحتجاج على ارتفاع معدلات الجريمة في المدينة، وسط، تواطؤ واضح من قبل شرطة الاحتلال، حدثا فارقا في تاريخ القضية الفلسطينية.

ويرى مراقبون أن الحراك الشعبي في أم الفحم، أكد فشل محاولات الاحتلال أسرلة وتدجين فلسطينيي الداخل، مستدلين بذلك على الأعداد الكبيرة وخاصة من الشباب الفلسطيني ورفع الاعلام الفلسطينية فوق مبنى البلدية.

هبة عابرة؟!

وذهب الصحفي الفلسطيني محمد خيري، إلى أن الحراك الشعبي في  أم الفحم، ليس مجرد لحظات عابرة؛ “فجرائم العنف والقتل في الداخل الفلسطيني ما تزال مستمرة، ولن تتوقف حتى يتوقف الحراك المناهض لمثل هذه الأعمال الإجرامية”.

ويعتقد خيري، أن الخطة التي وضعتها حكومة الاحتلال الإسرائيلي لمكافحة الجريمة والعنف، لم تلق قبولًا لدى “فلسطينيي الـ48”.

 وشككت أوساط عربية بجدوى خطة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل استمرار الشرطة الإسرائيلية بغض الطرف عن مرتكبي الجرائم،وانتشار السلاح في الداخل الفلسطيني.

ولفت خيري، إلى وقوع جريمة بمحاولة شاب في الرملة، في ذات اليوم الذي كان فيه مظاهرة في أم الفحم، بالإضافة إلى حادثة إطلاق نار في النقب.

ويرى خيري أن العوامل التي أشعلت هذه الاحتجاجات ما تزال مستمرة حتى هذا اليوم، وهذا ما يغذي الحراك في الداخل الفلسطيني ويدعم استمراريته، مؤكدا أن هناك دعوات أكثر للاحتجاج وتوجيه البوصلة نحو الشرطة الإسرائيلية التي هي المسؤول الأول والأخير، عن استشراء العنف في الداخل الفلسطيني.

ونوه إلى أن الاحتجاجات مستمرة في عدة مناطق بالداخل الفلسطيني بشكل أسبوعين منذ شهرين، ضد العنف وضد الشرطة الإسرائيلية.

وأضاف: “في الماضي كانت الحوادث، مجرد قضايا قتل، نتهم بعضنا بعضًا، ونمزق بعضنا بعضًا، اليوم بدأنا نفهم أن ما يجري هو مخطط لنا، يريدوننا مجتمعا ممزقاً عنيفاً مقتتلاً داخلياً؛  لينصرف انتباهنا عن قضايانا الأساسية، مثل هدم البيوت، مصادرة الأراضي مثل الفقر وسياسة التمييز العنصري التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، وكذلك قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، وأن ننشغل في قضايانا الداخلية مثل العنف والقتل، وأن يصبح هم المواطن منا هو أمنه الشخصي فحسب”.

وأكد خيري، أن البوصلة الٱن توجهت في الاتجاه الصحيح، “هناك مخطط يستهدفنا، لذلك مايجري الٱن هي مظاهرات ضد الشرطة الإسرائيلية، واحتجاجات على سياسة الحكومة الإسرائيلية، وبالتالي ما جرى أحيا الكثير منا عندما بدأنا نفهم مايجري لنا”.

ويعتقد خيري أن ماجرى نشط الذاكرة وحدثها لدى الأجيال الفلسطينية؛ فالشبان الصغار الذين يقودون هذه المظاهرات، لم يشاهدوا الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في الداخل الفلسطيني، ولم يواكبوا انتفاضة القدس والأقصى، وما حدث خلالها من جرائم، لم يواكبوا الحروب على غزة بشكلها الصحيح في الوعي الكامل، ورغم هذا حالة الركود ورغم أنهم لم يشاهدوا مثل هذه الجرائم، إلا أنهم فهموا أنهم يعيشون في بيئة غير طبيعية، وأنهم لا يعيشون في دولة ديمقراطية.

 وأضاف: “الحراك الذي لم تتوقعه حكومة الاحتلال بشكل فعلي، بدأ يمتد احتجاجا على القتل الذي أودى بحياة 16 مواطناً، منذ بداية هذا العام، وأودى بحياة أكثر من 120 مواطناً في العام الماضي فقط”.

 وتوقع خيري أن يستمر هذا الحراك، حتى يحقق العرب في الداخل الفلسطيني على الأقل، بعضاً من مطالبهم التي تتعلق بوجوب لملمة هذا السلاح المنتشر، وفي معظم الأحيان يكون هذا السلاح مصدره الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية، وغيرهم.

وحذر من استهداف النشطاء الذين ينقلون هذه التظاهرات لوسائل الإعلام المحلية والدولية، بينما تحاول الشرطة الإسرائيلية إخفاء معالم فشلها، وتحاول قمع المحتجين، بدلاً من أن تسعى لقمع الذين يمارسون العنف وأخذ السلاح وجمع السلاح من المدن والقرى العربية في الداخل الفلسطيني المحتل.

ويرى خيري، أن الاحتلال يخشى من الثقافة التي تبنى نتيجة هذه الحراكات، و”هي ثقافة واضحة أنها تبني أجيالاً تدرك جيداً بأنها تتعرض لمكائد وسياسات احتلالية إسرائيلية عنصرية ضدهم، وهذا ما كان الاحتلال يسعى طيلة السنوات الماضية إلى إخفاء معالمه وإلى إقناع هذه الأجيال بأن إسرائيل دولة ديمقراطية تحتوي الجميع من عرب ويهود”.

وأكد: “إذا استمر القمع بصورة أكبر من قبل الشرطة الإسرائيلية، وتطور لا سمح الله إلى قتل بعض الناس من المشاركين، وازدادت الاعتقالات، فإن عنوان هذه الاحتجاجات قد يتغير، وربما تشتعل الأجواء في الداخل الفلسطيني بشكل أكبر، في حال صمم الاحتلال على قمع هذه التظاهرات بهذا الشكل.

ونفى خيري، أن يكون هذا  الحراك مدعوما بغطاء رسمي، “لكنه يحظى بدعم فلسطيني شعبي في قطاع غزة، والضفة الغربية، والشتات”.

وشدد على ضرورة الحفاظ على الحراك، كونه مجتمعيا في الداخل الفلسطيني، والخيار الأفضل والأمثل من أجل أن يتسع صداه، وكي لا تتذرع الحكومة الإسرائيلية بأي شكل من الأشكال التشكيك في هذا الحراك، وفي نوايا هذا الحراك، وفي قمع مزيدٍ من المتظاهرين.

اتجاهان تاريخيان

بدوره، يرى المختص في شؤون القدس والمسجد الأقصى زياد إبحيص، أن هناك اتجاهان تاريخيان يتنازعان الحراك السياسي في الأراضي المحتلة عام 1948، الأول: يذهب إلى التعامل مع الكيان الصهيوني باعتباره محتل غير شرعي، وتبني أطروحات مواجهته على أساس جذري يرفض وجوده، وقد شكل هذا المنطق المحاولات السياسية الأولى للقوميين والإسلاميين، وكانت حركة الأرض المبادرة القومية الأولى لفلسطينيي الداخل المحتل، واستمر عملها ما بين 1959 و1964، وانتهت بتجريم الحكومة الصهيونية لها، وتقديم قادتها للمحاكمة ونفي بعضهم.

وتمثل الاتجاه الثاني، بحسب إبحيص، بانتقال الحركات القومية بعدها، ممثلة بحركة أبناء البلد وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، إلى العمل ضمن سقف الممكن، انطلاقاً من تمثيل المجتمع العربي الفلسطيني داخل الكيان الصهيوني وضمن مؤسساته، دون الذهاب إلى خيارات سياسية جذرية.

وأضاف: كان تنظيم “أسرة الجهاد” أول أشكال التنظيم الإسلامي بين فلسطينيي الداخل المحتل، وتأسس عام 1979 وقدم قادته للمحاكمة عام 1980، وبعد السجن عدل مؤسسها الشيخ الراحل عبد الله نمر درويش عن فكرة تأسيس حركة جذرية في مواجهة الاحتلال، إلى حركة تأسيس حركة دعوية تعمل تحت سقف الممكن كجزء من أقلية عربية فلسطينية داخل الكيان الصهيوني.

وأوضح إبحيص أن الحركة انقسمت، إثر قرار قيادتها المشاركة في انتخابات الكنيست عام 1996، فاختار شقها الجنوبي المضي في المشاركة بقيادة مؤسسها الشيخ عبد الله نمر درويش، ورفض الشق الشمالي ذلك بقيادة الشيخ رائد صلاح.

وأضاف: “شكلت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح محاولة للانتقال إلى منطقة وسط بين هذين الاتجاهين التاريخيين اللذين سارت فيهما كل من الحركتين القومية والإسلامية، فحاولت تبني خطاب يسمح لها بممارسة عمله تحت سقف القانون الإسرائيلي، لكنه لا يسلّم بمشروعية الكيان الصهيوني، ويؤسس على المدى البعيد لإمكانية الانتقال إلى خيارات سياسية جذرية”.

 وأشار إلى أن الحركة مارست انطلاقاً من ذلك، دوراً محورياً في الدفاع عن هوية المسجد الأقصى المبارك ودعم المقدسيين بشكلٍ عام، ورغم أنها تمكنت من العمل على أساس هذا الخط السياسي مدة 19 عاماً، إلا أن الاحتلال وصل إلى حظرها وتجريمها، ليخفض السقف بما ينهي المنطقة الرمادية، ويترك مساحة محدودة من العمل محصورة بالتيارات السياسية التي تعترف بمشروعيته صراحة، وتشارك في “لعبته التمثيلية بشروطه”.

وأضاف: “اليوم انطلق الحراك الفحماوي الموحد من قضية واضحة ومحددة، “تواطؤ الشرطة الصهيونية في نشر السلاح ورعاية العنف كوسيلة لتفتيت وضرب نسيج المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1948”.

ويرى إبحيص أن حراك “فلسطينيي الداخل”ريمثل مشهدا سياسيًا، يرفض الاستكانة للسقف المرسوم صهيونياً، ولممارسة السياسة على مقاس لعبة التمثيل في الكنيست لإضفاء مشروعية على كيان استعماري إحلالي.

وبيّن أن الحراك ضروري لاستكشاف بدائل مشدودة نحو سقف الجذرية في مواجهة المحتل، ليس بالضرورة أن تتبلور الآن، لكنها بداية حيوية تواجه قيد الحظر والتحجيم على مجتمع حر يأبى التخلي عن هويته، وعن أفق مستقبله.

وأكد إبحيص، أن ما يخشاه الاحتلال، “هو ما خَشِيه في يوم الأرض وفي الانتفاضة الأولى وفي هبات القدس المتتالية، ما يخشاه هو الإرادة الشعبية إذ تضعه في مواجهة الجماهير، فيضطر إما للعنف والقتل والدخول في دوامة دمٍ بات أكثر من يعلم أنها تضر به ضرراً وجودياً، أو الانسحاب أمامها، ببساطة يخشى إرادة تستمر وتتسع فيضطر للانحناء أمامها”.

وعن تعاطي السلطة الفلسطينية عما يجري في أم الفحم، أوضح ان هناك انشغال كبير عن أم الفحم، وأن وباء “كورونا” له قسط منه، لكن الانشغال له مصادر أخرى، منها الانشغال بالانتخابات التشريعية المقبلة، وبتشكيل محكمة الانتخابات والقوائم، “وما إلى ذلك من قضايا أراها انكفاءً في غير موقعه، واستجداءً للحل من بوابة الأزمات”.

وشدد على أنه أياً كان الانشغال، فالأصل أن الشعب الفلسطيني شعب يتطلع للتحرر، يخوض مواجهة طويلة الأمد مع مشروع استعماري، وحيثما حصل الاشتباك مع المحتل فهناك تكون الجبهة الأولى والأولوية القصوى التي تلتفت إليها القلوب والأنظار وينصب إليها الدعم، لكن الواقع بكل أسف ليس كذلك سواء تعلق الامر بحراك أم الفحم أو بهبات القدس الشعبية من قبل.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.