بين شنودة وتواضروس وعباس / د. فايز رشيد

 

د. فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 6/12/2015 م …

” لم نكن نحبذ زيارة البابا تواضروس لفلسطين المحتلة بتأشيرة صهيونية، كما رفضنا من قبل زيارة الدكتور علي جمعة وآخرين، لمخالفة ذلك للقرار الوطنى السابق للكنيسة المصرية وللبابا شنودة، بحظر السفر إليها الا بعد تحررها، ودخولها كتفا إلى كتف مع الإخوة المسلمين المصريين. ولمخالفته للإجماع الوطني المصري منذ عام 1979، بمقاطعة “اسرائيل”،”

ــــــــــــــــــــــــ

قبيل زيارة البابا تواضروس الثاني إلى القدس لتقديم واجب العزاء مثلما قال! عبر الكيان، زاره الرئيس عباس ودعاه إلى زيارة المناطق الفلسطينية المحتلة. كذلك زار شيخ الأزهر ووجه له نفس الدعوة، باعتبار هذه الزيارة لا تشكل تطبيعا مع الكيان. أيضا رفض البابا تواضروس الثاني تلبية دعوة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس لزيارة رام الله، وقال إنه لن يدخل الأراضي الفلسطينية أو القدس زائرًا إلا بصحبة شيخ الأزهر، بينما يواجه البابا انتقادات حادة بسبب زيارته القدس عبر إسرائيل، لحضور جنازة الأنبا ابراهام. وبغض النظر عن كل ذلك نقف أمام الحقيقة، فقد توجه بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية على رأس ثمانية من كبار القساوسة، إلى القدس عبر تل أبيب للمشاركة فى جنازة مطران القدس والشرق الأدنى. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الأنبا بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة قوله إن “موقف الكنيسة لا يزال كما هو، ولم يتغير، وهو أنه لا سفر إلى القدس بدون جميع أشقائنا المصريين المسلمين”. وقال المتحدث إن زيارة البابا إلى القدس لا علاقة لها بأي أجندة سياسية وإنما تأتي لأسباب دينية وروحية.

يذّكرنا ذلك بالبابا شنودة، الذي كان يتفاعل مع قضايا أمته العربية. فقد حرم الحج الى القدس على أتباع مذهبه الأرثوذكسي، وحرمهم من زيارتها طالما بقيت تحت سلطة الاحتلال، وهو الذي قال جملته الشهيرة: “فقط نذهب إلى القدس حين يتم تحريرها جنباً إلى جنب مع إخوتنا المسلمين”. لقد رفض اتفاقية كامب ديفيد، فحقد عليه الرئيس الأسبق أنور السادات، وبخاصة بعد معارضته زيارة الأخير إلى القدس، فأمر بسجنه بعد أن أقاله من منصبه، وبعد السجن تم فرض الإقامة الجبرية عليه لسنوات طويلة. فقط تم إطلاق سراحه بعد مجيء مبارك إلى الحكم. ظل البابا طيلة حياته يؤكد على عروبة فلسطين، وطالما أطلق التصريحات المؤيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية ولاندحار العدو “الإسرائيلي” من الأرض الفلسطينية، ولطالما حذر من الانصياع للمؤامرات “الإسرائيلية” التي تستهدف الأمة العربية، وبخاصة مصر بكل إسلامييها ومسيحييها. فهو كان مصرياً حتى العظم وعربياً حتى النخاع.

مع الاحترام الكبير للبابا تواضروس الثاني، لكن خطوته تتجافى مع موقف سلفه وكنيسته! وبسفره إلى تل أبيب من أجل الوصول إلى القدس، كسر حرماً كنسياً فرضه سلفه شنودة. سفره إلى الكيان تم بأسرع ما يكون، ليدخل القدس المحتلة وسط حماية “إسرائيلية”. لقد خالف البابا القرار التاريخي الذي كانت قد اتخذته الكنيسة بمقاطعة زيارة القدس منذ احتلالها في حرب 1967. مفاجأة البابا، التي هزّت الوسط القبطي المصري، لم تكن فقط في السفر المفاجئ الذي تقول الكنيسة إنه جاء استجابة لوصية الأنبا إبراهام مطران القدس والشرق الأدنى، بأن يدفن في القدس، ولكنها كانت في طريقة وصوله. عادة ما يسافر الراغبون في كسر جدار رفض التطبيع عبر الأردن، ومنها براً بموافقة “إسرائيلية” إلى الأراضي المحتلة. لكن البابا كسر كل القواعد ووصل القدس عن طريق تل أبيب وقد صادف سفره إليها مع سفر السفير “الإسرائيلي” في مصر حاييم كورين، لقضاء إجازته الأسبوعية.

في العادة، تحظر الكنيسة المصرية سفر الأقباط إلى فلسطين منذ عهد البابا كيرلس السادس عام 1967، بعدما مكّنت قوات الاحتلال الرهبان الأرثوذكس من الأديرة وكنيسة القيامة، وهو القرار الذي تبعه قرار آخر من البابا شنودة عام 1970 على خلفية استيلاء الكيان على دير السلطان في القدس، وهو الدير الذي كان صلاح الدين الأيوبي قد أهداه للكنيسة القبطية وقام عليه الرهبان الأرثوذكس.

لم نكن نحبذ زيارة البابا ‫تواضروس لفلسطين المحتلة بتأشيرة صهيونية، كما رفضنا من قبل زيارة الدكتور علي جمعة وآخرين، لمخالفة ذلك للقرار الوطنى السابق للكنيسة المصرية وللبابا شنودة، بحظر السفر اليها الا بعد تحررها، ودخولها كتفا الى كتف مع الإخوة المسلمين المصريين. ولمخالفته للإجماع الوطني المصري منذ عام 1979، بمقاطعة “اسرائيل”، وعدم الاعتراف بها او التطبيع معها او دخول فلسطين بتأشيرتها. الكيان هو الذي صدّر آفة القطن إلى مصر، وهو الذي اقترف مجزرة بحر البقر بحق الأطفال المصريين، وهو الذي جنّد ويجنّد الجواسيس في مصر، وهو الذي يهدد بقصف السد العالي وهو الذي يتآمر على مصر لتقليل مياه النيل، وهو الذي دفن العديدين من الأسرى المصريين أحياء في سيناء عام 1967. زيارة البابا تساعد الكيان على الاستمرار في تضليل العالم.

لقد لعب إخوتنا المسيحيون دوراً رائداً في النهضة العربية الحديثة، وهم مواطنون عرب قبل أن يكونوا مسيحيين. المسيحيون العرب هم جزء أساسي من نسيج أمتنا العربية الواحدة ومكون رئيسي من مكوناتها.

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.