كمونة باريس من 18 آذار/مارس إلى 28 أيار/مايو 1871 … نموذج للدراسة ولمقارنته بوضع تونس ومصر / الطاهر المعز
الطاهر المعز ( تونس ) – الجمعة 19/3/2021 م …
كتَبْتُ في ذكرى وفاة “كارل ماركس” ما يلي:
ما الذي يجعل رجلاً لم يدّعِ النبوءة ولا رغب في الحُكم، تُوفِّي سنة 1883، حاضِرًا بفكره سنة 2021؟
ما الذي يجعل البرجوازيين والرجعيين بمختلف جنسياتهم وأصنافهم وعقائدهم وأدْيانهم يُحاربون أفكار “كارل ماركس”، ومن سار على دربه؟
يمكن طرح هذا الصّنف من التّساؤلات، بمناسبة ذكرى “بلدية باريس”، أو “كمونة باريس” ( La Commune de Paris )، فهي اقتصرت على مدينة باريس (على مساحة أصغر بكثير من المساحة الحالية للمدينة)، ولم تُعَمِّر سوى 72 يومًا، ومع ذلك تُعْتَبَرُ حَدَثًا تاريخيا، تُخيف ذكراه الرأسماليةَ الفرنسية (وغير الفرنسية) التي بلغت مرحلة الإحتكار والإمبريالية، وأدْرجتْها المناهج الدّراسية الفرنسية في آخر برنامج دراسة المُراهقين، ونادرًا ما يتمكّن المدرّسون من إنهاء المناهج الدّراسية الطويلة، ومنذ 2005، تحاول الدّولة الفرنسية حذف فصل “كمونة باريس” من البرنامج، بعد أن أقرّت فصْلاً يمتدح “فضائل الإستعمار” على الشُّعُوب المُسْتَعْمَرَة.
ما الذي يجعل “كومة باريس” حاضرة في أذهان الثوريّين بالعالم، يحيون ذكرى هذا الحَدث التاريخي بعد 150 سنة من حُدُوثه؟ وما هي فَرادَةُ ومُميّزات هذا الحدث؟
الظّرف التاريخي:
تأسّست “كمونة باريس” في سياق تاريخي، بعد عِقْدَيْن ونَيّف من ثورة 1848 بفرنسا (وبعض مناطق أوروبا)، وبعد سنوات قليلة من تأسيس “الأُمَمِيّة الأولى” (1864) التي كانت باريس إحدى أهم مراكزها، أما السبب المُباشر فيتمثل في هزيمة فرنسا، التي كان يقودها نابليون الثالث، في الحرب ضد “بروسيا” (العمود الفقري لما أصبح يُسمى “ألمانيا”) التي بدأت في تموز/يوليو 1870، واعتقال نابليون، وحصار باريس، من قِبَل جيش “بروسيا” الذي فاق أربعة أشهر، وتسبب الحصار في مجاعات، ولكن جزءًا هامّا من سكّان باريس كان يُعارض قرار الحكومة الجديدة (حكومة أرستقراطيين وفلاحين كبار) توقيع اتفاقية استسلام يوم 26 كانون الثاني/يناير 1871، وكانت قيادات “الحرس الوطني”، وهي مليشيا شعبية مُسلّحة تأسست بعد الثورة الفرنسية (1789)، وتضم نحو مائتَيْ ألف مُسَلّح، صمدت أمام حصار جيش “بروسيا” لمدة ستة أشهر، وكان للنساء دور كبير في الصّمود، كما في “كمونة باريس”، وعارض الحرس الوطني اتفاقية الإستسلام التي وقّعها رئيس الحكومة “لويس أدولف تيِير”، أي أن دوافع انتفاضة باريس (كمونة باريس) كانت في الأساس وطنية، تداخلت مع الأسباب الأخرى، مثل تدهور وضع الفئات الشعبية التي عانت من الحصار والبطالة والمجاعة، ومحاولة الحكومة نزع سلاح الحرس الوطني، والسماح للقوات الغازية بدخول باريس، في بداية شهر آذار/مارس 1871، لتتحالف بذلك الحكومة الفرنسية مع قُوات الإحتلال، ضد المليشيات الشعبية المُسلّحة التي أشرفت، في الثالث من آذار/مارس 1871، على انتخاب لجنة تتولّى الدّفاع عن المدينة، وعن قِيَم الجمهورية، في معارضة صريحة للحكومة ومجلس النواب (الجمعية الوطنية) الرّجْعِيّيْن، ومعارضة قراراتها المُعادية للمواطنين وللشركات الصغيرة وللحرس الوطني، الذي حرمت الحكومة عناصره من رواتبهم، مع الإستيلاء على سلاحهم وعلى الرشاشات والمدافع التي بحوزتهم، وحَظْرِ صُدور العديد من الصّحف التّقدّمية…
من الحرب إلى الثورة:
بادرت فرنسا بالعدوان، إذ أعلن نابليون الثالث الحرب على بروسيا بتاريخ الرابع عشر من تموز/يوليو 1870، ولكن الجيش الفرنسي انهزم في الأراضي الفرنسية، في معركة مدينة “سيدان” ( Sedan ) في الثاني من أيلول/سبتمبر 1870، ووقَع نابليون الثالث في الأَسْر.
تمكن العمال في باريس من إسقاط الإمبراطورية وإعلان قيام الجمهورية الفرنسية الثالثة، في الرابع من أيلول/سبتمبر 1870، ولكنهم لم يكونوا مُنظّمين ولا قادرين على تسيير دواليب الدولة، وكان العديد من قادتهم في السّجن، وكان جيش “بروسيا” يتقدّم لاحتلال باريس، فعقد العمال تحالفًا مع مجموعة من ممثلي البرجوازية (محامين في معظمهم)، بقيادة “أدولف تيير”، ليسيطروا على أجهزة الدّولة، بشرط عدم الإستسلام لجيش “بروسيا”، بل بشرط تسخير السلطة للدفاع عن الوطن، لكن السلطة لم تلتزم بهذا الإتفاق، واستسلمت أمام جيش بروسيا الذي يقوده “بيسمارك”…
بدأت الأحداث باعتراض السكان، وفي مقدمتهم النّساء، على استيلاء الجيش (المُنهزم أمام بروسيا) على مدافع الحرس الوطني، وقطعوا الطرقات المُؤدّية إلى المُرتفعات (مونمارتر وبوت شومون وبلفيل ومنيلمونتان)، حيث يتم تخزين الأسلحة والمدافع، ورفض الجنود في حي “مونمارتر” إطلاق النّار على المواطنين، غير المُسلّحين، فأعلنوا العصيان، ثم انضمُّوا إلى السّكّان، وانضمت وحدات أخرى إلى السّكّان أيضًا، ما شكّل انقلابًا في موازين القوى، أدّى إلى فرار قيادات الجيش والحكومة والأثرياء من مدينة باريس، إلى “فرساي”، رمز الحُكم الملكي، وأصبحت السّلطة بيد اللجنة المركزية للحرس الوطني التي دعت لانتخاب أعضاء المجلس البلدي (كمونة) يوم 26 آذار/مارس 1871، فازت بها تيارات عديدة تتبنّى الإشتراكية، وأصبح “أوغوست بلانكي” رئيسًا للمجلس الذي أعلن الإستقلال الذاتي لباريس وتغيير العلَم ثلاثي الألوان (أزرق وأبيض وأحمر) بعلم أحمر، ودعا المدن الأخرى لتأسيس مجالس تُشكل اتحادًا (كنفدرالية) فيما بينها، ونجح في تسيير الخدمات العامة، رغم الظروف السيئة والحصار والتجاذب بين التيارات التي تُشكل المجلس، واتخذا قرارات هامة مثل الفصل بين الدّين والدّولة، وعدم إلزام المدارس العمومية بتدريس التعاليم الدينية أو ممارستها، وإلغاء عمليات الإعدام وإلغاء العمل الّليْلي بالمخابز، وإقرار عدد من القوانين ذات الصبغة الإجتماعية مثل تأجيل تسديد الإيجارات حتى انتهاء حصار باريس، وإقرار معاشات لأُسَر المتوفّين أثناء الخدمة، وتوزيع الملابس والأغذية واللوازم المدرسية مجانًا على تلاميذ المدارس، ونظرًا لفرار عدد من أصحاب الشركات، تم إقرار قانون تسييرها من قِبَل العُمّال…
حاولت مُدُن فرنسية أخرى انتخاب مجلس بلدية مُستقِلّة، على غرار مدينة باريس، لكن تجربة باريس كانت قصيرة جدّا ولم تعرف الهدوء، بل كانت قراراتها تُتّخذ في ظل الحصار والقصف…
تضامنت الحكومات الأوروبية مع الحكومة الفرنسية (المَهزومة)، خوفًا من انتشار الفكر الإشتراكي، ومن النّسْج على منوال “كمونة باريس”، وتعرّضت باريس للحصار وللقصف، بدعم أوروبي (ودعم جيش وحكومة “بروسيا” العدو)، بداية من تاريخ الثاني من نيسان/ابريل 1871، وبعد ثلاثة أسابيع من القصف والحصار، هاجم مائة ألف جندي مدينة باريس، بداية من 21 أيار/مايو 1871، وكانت بداية ما سُمِّيَ في التاريخ ب”الأسبوع الدّمَوِي” الذي أدى إلى مقتل ما بين عشرين ألف وثلاثين ألف شخص من سُكّان باريس، بالإضافة إلى حوالي عشرين ألف آخرين، بعد استيلاء الجيش الحكومي على باريس، مقابل وفاة نحو ألف جندي من القوات الحكومية، ونُفِيَ الزعماء الذين بقوا أحياء، وحوالي 15 ألف آخرين إلى المُستعمرات، كالجزائر وكَلِيدونيا وجزر بحر الكاريبي، وكان تأسيس الجمهورية الثالثة على جُثَث مواطني “كمونة باريس” ، واستغلّت الحكومة هزيمة “كمونة باريس” لتمنع نشاط الأمَمِيّة الأولى التي ساهم كارل ماركس وفريدريك إنغلس في تأسيسها، ما شكّل انتكاسة كبيرة للحركة العُمّالية، خصوصًا بعد إقرار العديد من القوانين الرجعية والمُعادية للعمال، وإعلان حالة الطوارئ والأحكام العُرْفِية في باريس، حتى العام 1876، ما مكّن القوات الحكومية من اعتقال الآلاف حوالي عشرة آلاف مواطن، وإعدام المئات بدون محاكمة، وقمعت انتفاضات بعض المدن الأخرى ( منها ليون ومرسيليا…) التي تضامنت مع كمونة باريس، وحاولت إنشاء مجلس مُماثلة.
تأثرت الحركة العمالية العالمية بتجربة كومونة باريس التي كانت مدرسة تعلمت منها الانتفاضات الثورية اللاحقة، لأنها تمكنت في فترة قصيرة جدًّا، وفي ظُروف بالغة الصّعوبة من اتخاذ وتنفيذ قرارات تاريخية، في محاولة لتحسين وضع العاملين، وإقرار المُساواة التّامة بين أفراد المجتمع، وإنشاء دور الحضانة والمدارس المجانية…
استخلاصات:
شكّلت “كمونة باريس” امتدادًا لثورة 1848، وبدأت بردّ فعل وطني (عارض العُمّال الحرب، كما عارضتها الأممية الأولى)، وعارض العُمّال والمواطنون معاهدة الإستسلام التي أدّت إلى تخلِّي حكومة فرنسا عن مقاطعتَيْن على الحدود الألمانية الفرنسية (“ألزاس” و”لورين”)، وتسديد تعويضات هامة لحكومة “بيسمارك” (بروسيا الألمانية)، ثم تحول رد الفعل إلى حركة جماهيرية، لتتحمّل الطبقة العاملة مهام وطنية وطبقية، وتمكنت من إرساء أُسُسِ أول دولة عمالية في التاريخ، بجيش الشعب المُسلّح والدّوريات العُمّالية، كبديل للشرطة، ما خفض عدد الجرائم والقتل والحوادث والسرقة، بعد فرار الرأسماليين والأثرياء، واستطاعت بين 18 آذار/مارس و 28 أيار/مايو 1871، زلزلة أوروبا، مَهد الرأسمالية، وشكلت أول محاولة لبناء دولة العُمّال، والمُساواة في الرواتب وإلغاء الإمتيازات، ومارست الديمقراطية المُباشرة، بتحالف بين العُمّال والبرجوازية الصّغيرة والحِرَفِيِّين، وكانت ديمقراطيةً شفّافةً ، تنشُر محاضر الجلسات والقرارات ليطّلع عليها من شاءَ، وأقرّت مبدأ الإنتخاب لجميع الوظائف، واستبدال أي عضو لا يقوم بمهامه، وانتخاب القُضاة ومُحاسبتهم وفَصْلِهم إن اقتضت الضّرورة…
مكنت “كمونة باريس”، في فترة قصيرة جدّا من إبراز كفاءة ومهارة العُمال في تسيير دواليب الدّولة، وإن كانت مساحة الدّولة محدودة بباريس، مع التزام النزاهة والنقاوة، لكن باريس كانت مُحاصَرَة بتحالف جيوش كانت تتقاتل قبل بضعة أسابيع، لذلك انهزمت…
لم يكن لعمّال باريس قيادة سياسية لتنظيم سياسي مُوَحّد (حزب) يُدافع عن مصالحهم، ويمتلك برنامجًا وخطط عمل، وكانت الصراع بين حاملي أفكار “بلانكي” و”برودون” واليعاقبة والإشتراكيين الراديكاليين، وغيرهم، مؤثّرًا في سَيْر وقرارات “كمونة باريس” التي لم تستول على المصرف المركزي الذي بقي أداةً تستخدمه البرجوازية لإدامة هيمنتها على الإقتصاد. عبّر كارل ماركس (نهاية سنة 1870) عن تخوفاته من الوضع العام بفرنسا، ومن وضع الفوضى الذي تعيشه الطبقة العاملة الفرنسية، وعندما قامت “كمونة باريس”، ساندها (رغم قناعته بأنها جاءت قَبْل أوانها) ودعمها بقوله: “هبّ عُمال باريس لمهاجمة السّماء”، واعتبرها حدثًا تاريخيا، وتجربة ثورية فريدة لم تتكرر، مكّنت العُمّال من اكتساب خبرة هامة، وإن كانت لم تبلغ الهدف، ولذلك اهتم بدارستها، بل أفرد لها دراسة خاصّة في كاتبه “الحرب الأهلية في فرنسا”، لتحليلها، واستخلاص العِبرة وإعادة النظر في نظريته، عندما كتب، مع إنغلس، في مقدمة الطبعة الألمانية من « البيان الشيوعي » بتاريخ 24 حزيران/يونيو 1872: “… برهنت (الكمونة ) أن الطبقة العاملة لا تستطيع أن تكتفي بالاستيلاء على آلة الدولة (كما هي) وأن تستخدمها لأهدافها الخاصة “ ، فلا يمكن نقل جهاز الدّولة، على حاله، من مجموعة أو طبقة إلى أخرى، ووجب حرمان البرجوازية من كافة أدواتها التي تُمكّنها من الهيمنة على الدّولة والمجتمع…
كتب فريدريك إنغلس: “افتقدت إجراءات الكومونة، عند الاستيلاء على الحكم، إلى الحزم والقوة، وكان من الضروري تركيز كامل السلطة في أيدي الحكومة الثورية الجديدة تركيزًا يتسم بأقصى درجات الصرامة… لم يكن الإفراج عن رجال شرطة حكومة تيير والسماح لهم بالإنسحاب بسلام، صائبًا، بل كان أكبر حماقات الكومونة، لأن هؤلاء الرجال عادوا مجددًا إلى المدينة، وأعدموا سُكّانها…”
لم تكن الطبقة العاملة (البروليتاريا)، سنة 1871، سواء في فرنسا أو في غيرها من بلدان العالم، تُشكّل أغلبية، بل كان عدد الفلاحين (أصحاب الملكيات الصغيرة أو العاملون في قطاع الفلاحة) أكثرَ عددًا من عمال الصناعة، وأصدرت الكمونة نداءً، لم يصل الفلاحين، لأسباب عديدة، وعمومًا لا يكفي النّداء، إذا لم يكن التّحالف قائمًا، قبل فترة طويلة نسبيا، ويتطلّب نجاح أي ثورة شعبية تحالف هاتيْن الفئتَيْن من المُنْتِجِين، وأُثِير موضوع التّحالف داخل كومونة باريس، ولم يتطور نحو إنجاز مثل هذا التّحالف الذي يُقوي الصّفُوف من أجل إلحاق هزيمة نهائية بطبقة المُستغِلِّين الذين لا ينتجون، أي طبقة الطُّفَيْلِيِّين الذين يعتاشون من استغلال جُهود غيرهم، وإقامة جمهورية أو حُكْم غير طبقي، وبدون جيش نظامي، حيث يعتمد الحُكم الجمهوري الجديد على الشّعب المُسَلّح الذي يُدافع عن مكاسبه، من خلال الدّفاع عن جمهوريته…
لم تتمكن “كومونة باريس” من إرساء تحالف بين العمال والفلاحين، ولكنها استطاعت، رغم قِصَر فترة حُكمها (72 يومًا)، وضْع أُسُسِ نظام شعبي ديمقراطي (وإن كان غير مكتمل)، بانتخاب نواب الشعب، بواسطة الإقتراع العام، مع شرط استبدالهم عند إخلالهم بواجباتهم، كنقيض للديمقراطية (والبرلمانية) البرجوازية، كما أصبحت أجهزة تسيير الحياة اليومية (الشرطة والقضاء وغيرها من الوظائف) هيئات منتخبة، لا يتمتع أعضاؤها (القابلون للإستبدال في أية لحظة) بامتيازات مادّية، فأصبحت الدّولة الجديدة سُلطة شعبية، تجمع السلطات التنفيذية والتشريعية، تتساوى فيها الحقوق والواجبات والرواتب، لتتمكّن أغلبية المواطنين من العمل بهذه الوظائف، بالتناوب، ليتعلم الجميع ممارسة التشريع والتنفيذ والمتابعة والمراقبة والمحاسبة، مع العودة إلى مواقع الإنتاج، حال انتهاء الدّورة، ما يُقلِّلُ بل يُلْغِي البيروقراطية وإمكانية الإرتقاء الطّبقي عبر الوظيفة العمومية، غير أن كمونة باريس لم تُعمّر طويلاً لتتمكّن من إعادة تنظيم الدولة والمجتمع، وإعادة تنظيم عمل السّلطات، وتحويل الملكية الخاصة للأرض ولوسائل الإنتاج إلى ملكية إجتماعية، ولتُصمّمَ خططًا لتأسيس سلطة شعبية وطنية، ولتطوير الإنتاج والنقل والخدمات، على مستوى وطني، يتجاوز باريس…
قد يكون الوضع ثوريًّا، أو ما نُسمّيه “الظروف الموضوعية” المُواتية، لكن تتطلب الثورة، بمفهوم التغيير الجذري والشّامل، توفُّر الظرف الذّاتي، أو الأدوات الضرورية للسيطرة على السلطة وتسييرها، ومن أهم هذه الأدوات، التنظيم السياسي (الحزب) والبرنامج والخطط، الناتجة عن معرفة دقيقة بوضع طبقات وفئات المجتمع وعوائق تطور قوى الإنتاج، على أن تطرح هذه البرامج والخطط حلولاً قابلة للتنفيذ وللإستدامة…
كان عدم نُضْج “الوضع الذّاتي” من أهم الأسباب التي أجهضت انتفاضات تونس ومصر، ما سبّب إحباطًا للجماهير التي خرجت بعفوية، بدون هدف واضح، فيما افتقدت القوى السياسية المُنَظّمة إلى البوصَلة، بل إلى الإيمان بقوة وبقدرة الجماهير على الثورة وعلى الإنتصار، ولنا في “كومونة باريس” نموذج للدراسة ولاستخلاص العِبَر.
التعليقات مغلقة.