قراءة هادئة في العلاقات التركية الروسية المتوترة.. روسيا تعّري الموقف التركي المساند للارهاب … وتركيا تنتقم باسقاط طائرة سوخوي 24

 

الأردن العربي ( الإثنين ) 7/12/2015 م …

اسقاط طائرة سوخوي 24 القاذفة بواسطة صاروخ تركي يوم الثلاثاء 24 تشرين الثاني 2015 شكل مرحلة جديدة من العلاقات المتوترة بين روسيا وتركيا، وقد طلبت موسكو اعتذار انقرة عن هذا “الطعن من الظهر”، كما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقررت روسيا اتخاذ سلسلة من الاجراءات العقابية ضد تركيا، ومن أهمها:-

1.     وقف التنسيق بين وزارتي الدفاع الروسية وتركيا.

2.     الطلب من الروس عدم التوجه لقضاء اجازاتهم في تركيا، ويبلغ عدد السياح الروسي لتركيا اكثر من 5 ملايين روسي سنوياً، مع الطلب للروس المتواجدين في تركيا بالعودة الى وطنهم.

3.     الغاء التسهيلات الحالية في دخول الاتراك الى روسيا، واجبارهم على الحصول على تأشيرة وذلك اعتباراً من بداية شهر كانون الثاني القادم.

4.     وقف استيراد العديد من المنتوجات الزراعية التركية.

5.     الغاء وزير الخارجية سيرجي لافروف زيارته المقررة الى تركيا يوم 25/11/2015.

6.     رفض الرئيس بوتين لقاء الرئيس اردوغان على هامش قمة المناخ التي عقدت في باريس يوم الاثنين 30/11/2015.

واعتبرت هذه الاجراءات مقدمة لعقوبات اكثر مستقبلاً.

واضافة الى هذه الاجراءات العقابية الاقتصادية والسياسية، فقد اتخذت روسيا العديد من الاجراءات العسكرية لحماية تواجدها العسكري في سورية، ومن أهمها:-

·        توكيل الطراد “موسكو” بتوفير حماية للاجواء السورية، وهو يحمل معه منظومة صواريخ “اس 300”.

·        نشر منظومة أو بطاريات وارادارات لصواريخ “إس 400″في اللاذقية.

·        تزويد طائرات “سوخوي 34” بصواريخ جو/ جو تستطيع ان تصيب الهدف على بعد 60 كيلومترا.

·        تكثيف الغارات الروسية على معاقل قوى “الارهاب” من داعش الى جبهة النصرة الى جيش الفتح.. الخ، وتأكيد روسيا على مواصلة محاربة ومكافحة ومواجهة “الارهاب” بكل قوة وعزيمة حتى تمنع من انتشاره وانطلاقه الى كافة انحاء العالم بشكل عام، وروسيا بشكل خاص، اذ ان عدداً كبيراً من الشيشانيين يقاتلون في صفوف الارهاب في سورية!

 أسباب الغضب الروسي

يسود روسيا غضب كبير على عمل تركيا “الجبان” بحق دولة صديقة، اذ ان طائرة “سوخوي 24” لم تشكل خطراً على أمن تركيا، ولم تدخل الحدود التركية، بل تم اسقاطها بالغدر اذ اطلق عليها الصاروخ بعد ان قصفت مناطق حدودية، وكانت داخل الاجواء السورية على بعد 4 كيلومترات عن الحدود التركية، واصاب الصاروخ خلف الطائرة مما يعني ان تركيا لم تنذر وتحذر ملاحي الطائرة، بل تم اطلاق الصاروخ بهدف اسقاطها. وعندما هبط الملاحان الطياران بمظلتيهما، قامت قوات تركمانية ارهابية بتصفية احدهما، فيما تم انقاذ الطيار الثاني عبر عملية انقاذ نوعية نفذتها قوات النخبة من الجيش العربي السوري، واعادته سالما من وراء خطوط الارهابيين. وقامت انقرة بتسليم جثة الطيار المقتول على يد ارهابيين تركمان الى روسيا، مما يؤكد ان هناك تعاوناً بين هؤلاء الارهابيين وتركيا الحكومة.

ومما يزيد الغضب الروسي ان تركيا كانت على علم بنشاطات الطيران الروسي في سورية، وان الاعتداء على طائرة روسية قاذفة، وليست مقاتلة، هو اعتداء جبان، وخاصة ان هذه الطائرة لم تدخل المجال الجوي التركي، وانها اسقطت فوق الاراضي السورية وهذا ما اكدته الاقمار الصناعية الاميركية الحليفة لتركيا أيضاً.

 من أسباب اسقاط الطائرة

لا شك أن تركيا تعيش في حالة قلق وتوتر بعد ان قررت روسيا، ومع بداية شهر تشرين الاول المنصرم، التدخل المباشر للقضاء على الارهاب في سورية، ولقيام الطيران الحربي الروسي بطلعات جوية جدية، ولم تكن طلعاتها وعملياتها شكلية.

وقد عارضت تركيا التدخل الروسي المباشر، لان ذلك حسب رأي رئيسها دعم واضح للدولة السورية، ويعني ايضا ان مطالبة تركيا بتنحي الاسد بعد هذه السنوات وبعد التدخل العسكري الروسي سيكون أمراً مستحيلاً لان اردوغان يعرف كل المعرفة ان نسبة كبيرة من الشعب السوري، اكثر من 70 بالمائة على الاقل مع الرئيس بشار الاسد، وتؤيد بقاءه في الحكم لانه هو منقذ سورية، ومنع تقسيمها، ومنع تحويلها الى دويلات، ومنع تحقيق امنيات العديد من الاعداء في القضاء على عظمة وهيبة سورية على جميع الصعد الحضارية والثقافية والسياسية والوطنية والتاريخية والعروبية.

ولم تستطع تركيا منع التدخل الروسي في سورية لعدة أسباب ومن أهمها:-

1.     جاء التدخل بناء على طلب رسمي وشرعي من الدولة السورية الشرعية والمنتخبة.

2.     جاءت للحفاظ على سيادة دولة حليفة، وعضو في الامم المتحدة.

3.     جاءت لتواجه “الارهاب” والقضاء عليه، تنفيذا وتطبيقا لقرارات مجلس الامن التي اعتبرت تنظيمات داعش وجبهة النصرة وعلى اشكالهما هي تنظيمات ارهابية لا بدّ من التصدي لها والقضاء عليها.

وبعد التدخل الروسي في سورية، بدأت تركيا باتهام الطائرات الروسية باختراق الاجواء التركية، وهذا الاتهام هو مؤشر أو تلميح الى عمل ما قد تقوم به ضد هذه الطائرات القاذفة.

ويوم 24/11/2015 تم الاعتداء على الطائرة الروسية “القاذفة سوخوي 24″، واسقاطها بناءً على اوامر عليا داخل تركيا. ويمكن ايعاز اسباب هذا العدوان على روسيا، (اذ ان الاعتداء على احدى طائراتها هو اعتداء على روسيا نفسها)، الى الامور التالية:-

1.     الطائرات الروسية لم تتردد في قصف المناطق الحدودية مع تركيا، واستهدفت التنظيمات الارهابية في كل المنطقة التي تخطط تركيا لاقامة منطقة آمنة، ومن هنا سقط هذا المخطط.

2.     الطيران الروسي وفر غطاء جويا فعالا لانجازات الجيش العربي السوري على الارض، وتم الحاق هزائم بالتنظيمات الارهابية، اذ بدأت عناصرها بالهروب الى داخل تركيا، وهذا قد يشكل خطراً على الامن التركي مستقبلا!

3.     جبهة النصرة، الاخوانية، تلقى دعماً كبيرا من تركيا التي تراهن على انها ستحقق اهدافها، تواجه وواجهت ضربات عسكرية، جواً من قبل الطيران الروسي السوري، وبراً من قوات الجيش العربي السوري.. وبالتالي فان مخططات اردوغان ورهاناته باءت بالفشل. وبدأ قادة هذه التنظيمات بمطالبة تركيا بعمل شيء ما يظهر دعمها لهم، أو اعتراضها وتصديها للتدخل الروسي في سورية.

4.     لجان المقاومة الشعبية الكردية، ومعها قوات سريانية واشورية وعشائرية، استطاعت هزيمة داعش والنصرة في شمال سورية، وحققت العديد من الانجازات، وهذه الانجازات تهدد باقامة كيان كردي مستقل أو حكم ذاتي، أو اي كيان مستقبلا، وهذا ما لا تريده تركيا، لانه يشكل خطراً كبيرا على امنها القوي، حسب حساباتها وتقييماتها واستراتيجياتها!

5.     قام الطيران الروسي بقصف حوالي الف صهريج لنقل النفط المستخرج من الاراضي السورية الى تركيا. وتم قصف هذه الصهاريخ وهي متواجدة في الاراضي السورية، وهذه ضربة لداعش التي تبيع النفط عبر صهاريج تركية، تملكها شركة تركية، احد مسؤوليها هو ابن الرئيس التركي اردوغان، والمدعو بلال. ولم يكتف الطيران الروسي بذلك، بل قصف  ايضا محطات توزيع هذا النفط على هذه الصهاريج، ومنابع النفط مما ادى الى توقف “تهريب” النفط السوري الى تركيا، وتوقف ايضا، وهذا المهم، دخل التنظيمات الارهابية من النفط المسيطر عليه، والمسروق من الدولة السورية. وهذا القصف جاء بعد حوالي اسبوعين من عقد مؤتمر العشرين في انطاليا في تركيا بمشاركة الرئيس الروسي بوتين الذي قدم شريطا في المؤتمر “يظهر دعم 40 دولة للارهاب، ومن بينها دول مشاركة في المؤتمر عبر تهريب النفط السوري الى تركيا”. وهذا الكلام كان موجها لاردوغان بصورة غير مباشرة بأنك تدعم الارهاب. وهذا أغضبه، وبالتالي لا يستبعد كثيرون ان يكون هو من اصدر الاوامر لاسقاط طائرة حربية روسية، لتوجيه رسالة غضب واعتراض على ما تقوم به روسيا من ضرب مؤلم للارهاب ومعاقلة!

6.     لا يستبعد مراقبون مطلعون بأن تكون الادارة الاميركية قد شجعت تركيا على اقتراف هذا العدوان لعدة أسباب، ومن أهمها ان التدخل الروسي في سورية لضرب الارهاب عرى التحالف بقيادة اميركا الذي لم ينجز اي شيء عبر 15 شهرا مقارنة مع ما حققه الطيران الروسي خلال شهرين، اي ان هذا التحالف هو صوري لاظهار ان اميركا هي ضد الارهاب قولا، اما بصورة جدية فهي تريد استمراره لتحقيق بعض المآرب والاهداف، كما ان التدخل الروسي اعطى الانطباع بان اميركا ضعيفة وحلت مكانها روسيا.

7.     هناك غضب اميركي تركي مشترك ضد روسيا لسبب رئيسي ومهم، وهو انه بعد الاعتداءات الارهابية على باريس، قام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بزيارة موسكو، واتفق على التنسيق مع روسيا عسكريا على ضرب التنظيمات الارهابية ومنها داعش، والنصرة التي هي مدعومة تركياً وقطرياً.

8.     هناك شعور تركي بأن أي حل سياسي في سورية لن يكون كما تريده تركيا، وخاصة بعد عقد مؤتمر “فيينا” الذي ركّز على ضرب الارهاب. وتركيا معها اميركا تطالب باسقاط الاسد، أي تدمير سورية، ومن ثم ضرب الارهاب، وهذه معادلة غير منطقية، اذ انها ستحول سورية الى أفغانٍ ثانية. أو ليبيا ثانية، وهذا الامر ترفضه روسيا وكذلك دول الجوار وخاصة العراق، لان الارهاب سينتشر وسينتقل الى كافة انحاء العالم.

هل هناك اجراءات روسية اخرى متوقعة؟

روسيا تواجه تركيا بصورة هادئة وباعصاب باردة. حاولت تركيا ان تبرر اسقاط الطائرة بالقول أنها دخلت المجال الجوي التركي، وتارة ثانية بأنه قد تم توجيه العديد من الانذارات لمغادرة المجال الجوي التركي، وتارة ثالثة بان الاتراك لم يعرفوا بانها طائرة روسية، وظنوا أنها طائرة معادية (لربما قادمة من الفضاء)، أي أن تبريرها ادانها بسبب التناقضات في التصريحات حول هذا الاعتداء على روسيا.

روسيا بدأت اجراءات عقابية دبلوماسية واقتصادية، وبعد فترة، اذا بقي اردوغان “راكب رأسه”، ويشن تصريحات ضد روسيا طالبا منها الاعتذار، وكذلك تقديم شكوى الى مجلس الامن (ضربني وبكى، سبقني واشتكى) فان امام روسيا اجراءات مؤلمة بحق تركيا، ومن هذه الاجراءات “:المتوقعة”:-

1.     اسقاط طائرة حربية تركية او اكثر اذا اقتربت من الحدود السورية تطبيقا لنظرية “العين بالعين، والسن بالسن”.

2.     قصف الدبابات التركية في حالة انتهاكها للحدود السورية والبدء بتنفيذ خطة اقامة منطقة آمنة على حساب الاراضي السورية.

3.     تقديم الدعم للاكراد الذين يحاربون داعش في شمال شرق سورية بقصف مواقع داعش واخواتها الارهابية، والتغطية الجوية لمعارك برية للاكراد.

4.     تقديم سلاح متطور لحزب العمال الكردستاني من صواريخ مضادة للدروع، او عدة صواريخ قادرة لاسقاط طائرات تركية تشن هجمات على عناصر هذا الحزب! وبالتالي ستواجه تركيا مقاومة قوية من هذا الحزب الذي تتهمه بانه “ارهابي”، في الوقت الذي توفر فيه دعما للارهاب في كل من العراق وسورية وسيناء..!

في الخلاصة، فان تركيا ادخلت نفسها في مأزق صعب جدا، فاذا ارادت تحدي روسيا، فان ثمن هذا التحدي سيكون باهظاً، اما اذا نزلت عن الشجرة، فانها قد تتفادى العديد من المشاكل التي قد تواجهها في حالة مواصلة دعم “الارهاب” والتدخل في شؤون الشعوب والدول الاخرى!

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.