الوجود الفلسطيني بحزب صهيوني ليس مفخرة للفلسطينيين / جَنان عبده




جَنان عبده  ( فلسطين المحتلة ) – الجمعة 19/3/2021 م …
  • محاميّة، ناشطة حقوقيّة وفنّانة فلسطينية، من حيفا …
دور العرب داخل الأحزاب الصهيونيّة هو أن يكونوا “مقاولي أصوات”: استقطاب أصوات المقترع العربي للأحزاب الصهيونية، على أساس طرح هذه الأحزاب لـ”تحسينات” و”ميزانيات” و”خدمات” للناخب العربي، بينما لا تذكر مواضيع كـ”حق العودة” و”استرداد الأملاك المصادرة والمنهوبة”..

 


تقوم الحركة الصهيونيّة في جوهرها، وفي إعلاناتها التأسيسية، وفي تصريحات قادتها على مرّ السنوات، على إلغاء الوجود الفلسطيني. وهي حاولت دائماً اختراق الفلسطينيين لتفتيت وحدتهم وإخضاعهم لسطوتها، وفي الوقت نفسه لإظهار نفسها أمام العالم كدولة ديموقراطية تعدديّة… بما يخدم مصالحها فقط. وإحدى الأدوات لأجل ذلك هي استيعاب فلسطينيين بالحزب الحاكم والحزب المنافس.

دور هؤلاء العرب داخل الأحزاب الصهيونيّة يشبه “مقاولي أصوات”: استقطاب أصوات المقترع العربي للأحزاب الصهيونية، على أساس طرح هذه الأحزاب لـ”تحسينات” و”ميزانيات” و”خدمات” للناخب العربي، بينما تعتبر مواضيع كـ”حق العودة” و”استرداد الأملاك المصادرة والمنهوبة” وما إلى ذلك، غير قائمة ولا يجري التطرق لها.

ولذا، فوجود مرشح عربي أو مرشّحة في حزب صهيوني لا يشكل إنجازاً للمجتمع الفلسطيني، بل ضربة في صميم مفهوم “الثوابت الوطنية الفلسطينية”. كما لا يمكن اعتبار وجود امرأة عربية بحزب صهيوني كإنجاز للمجتمع العربي أو للنساء العربيات.

النسويّة ضد الذكوريّة وضد… الصهيونيّة

لا يمكن للحركة النسويّة الفلسطينية أن تدعم وجود مرشحة عربية في حزب صهيوني، ولا أن تعتبره إنجازاً. فالنسويّات الفلسطينيّات جزء من شعبهنَّ ومجتمعهنَّ ويعانين بهذه الصفة من تبعات النكبة والاحتلال، ومن سياسات التهجير والتمييز والإلغاء والإقصاء التي تتبعها الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها المختلفة وعلى رأسها برلمانها، الذي يسن القوانين العنصريّة الواحد تلو الآخر، وكلها تستهدف الوجود الفلسطيني وتجرّمه.

وقد شهدنا على مدى عملنا النسوي صراعاً مع الدولة ومؤسساتها وقوانينها. الشرطة التي تعاملت في الكثير من الأحيان مع قضايا العنف المجتمعي ضد المرأة على أنها قضايا داخلية “لا تتدخل فيها الدولة” ولا “تضرب بيد من حديد” المجرمين، ولا تكشف عن هويتهم، فلا تحمي النساء الضحايا، وتعيد المرأة المعنّفة إلى بيتها، لتعود إلى دائرة العنف التي هربت منها. ونشهد هذه الأيام إدانةً لدور الشرطة في الجريمة المنتشرة في مجتمعنا الفلسطيني، والتي يروح ضحيتها العشرات. بل تعتدي الشرطة على المتظاهرين ضد الجريمة، كما حدث مؤخراً في مدينة أم الفحم.

كفلسطينيّات نسويّات حاربنا استمرار العنف ضد النساء في مجتمعنا، وكنّا شاهدات على الدور المتواطئ للشرطة التي قامت قبل ثلاثة عقود، في مظاهرة ضد قتل النساء، باعتقال المتظاهرات المندّدات بالعنف وقتل المرأة تحت مسمى “شرف العائلة”، بدلاً من اعتقال مؤيدي القاتل الذين حضروا لمهاجمة المتظاهرات.

ويمكنني أن أشهد، من خلال نشاطي السابق في الحركة الطلابيّة، واللاحق في الحركة النسويّة، وعملي كمحاميّة وناشطة حقوقيّة، على أن العديد من الفتيات الفلسطينيات الجامعيات من الداخل الفلسطيني اعتقلن بعد تظاهرات أو أنشطة سياسية، ثم قامت المخابرات باستدعاء الأب أيضاً لـ”المحادثة” وللتحقيق، حتى في الحالات التي تسكن الفتاة لوحدها وبعيداً عن أهلها. في ذلك استخدام مباشر لمفهوم السلطة الأبويّة وتغذية للنظام الذكوري.

وكثيراً ما استدعت المخابرات الإسرائيلية الطالبات الناشطات إلى ما تطلق عليه “محادثة وديّة”. وكثيراً ما تكشّر المحادثات الـ”وديّة” عن أنيابها وتتحول إلى تهديدات للناشطات، بمعنى دعوتهنَّ للابتعاد عن السياسة والعمل السياسي، مستخدمين في ذلك لهجة الترهيب والترغيب. ولا تكتفي المنظومة القمعية بالناشطات في الحركة الطلابيّة، بل هي تطال الناشطات في مؤسسات المجتمع المدني والجمعيّات. وتشهد الفترة الأخيرة حركةً مكثفة من التحقيقات والاستدعاءات المخابراتية لنساء وفتيات ناشطات سياسياً واجتماعياً في الداخل الفلسطيني.

كفلسطينيّات نسويّات حاربنا استمرار العنف ضد النساء في مجتمعنا، وكنّا شاهدات على الدور المتواطئ للشرطة التي قامت قبل ثلاثة عقود، في مظاهرة ضد قتل النساء، باعتقال المتظاهرات المندّدات بالعنف وقتل المرأة تحت مسمى “شرف العائلة”، بدلاً من اعتقال مؤيدي القاتل الذين حضروا لمهاجمة المتظاهرات.

بعد تظاهرات أو أنشطة سياسية، تعتقل العديد من الفتيات الفلسطينيات من الداخل (أراضي 1948)، ومنهنَّ جامعيات، فتقوم المخابرات الإسرائيلية باستدعاء الأب لـ”المحادثة” وللتحقيق، حتى في الحالات التي تسكن الفتاة لوحدها وبعيداً عن أهلها. وفي ذلك استخدام مباشر لمفهوم السلطة الأبوية وتغذية للنظام الذكوري.

كما يستخدم محققو المخابرات الإسرائيلية المفاهيم الذكورية ومفاهيم “العيب” و”الشرف” ذاتها ضد طالبات وناشطات الحركة الطلابيّة في الضفة الغربية المحتلة لدى اعتقالهنَّ، ومنهنَّ طالبات جامعة بيرزيت اللواتي اعتقلن بالعشرات خلال السنة الأخيرة. ويجري ترهيبهنَّ بنشر “سمعة سيّئة” عنهنَّ، أو التلميح بأنّهنَّ أسأن لسمعة العائلة بالاعتقال. وأثناء التحقيق مع الطلاب الذكور يتعرض الكثيرون منهم للتهديد باعتقال النساء في العائلة وإحضارهنَّ للتحقيق، بما يعني تعريضهنَّ للإهانة.

الأحزاب الصهيونيّة ليست الدفيئة للفلسطيني

حاولت الأحزاب الصهيونية جذب بعض المعنيين من العرب للانخراط في صفوفها، وضمنهنَّ بعض النساء اللاتي وصلن للكنيست من خلال تلك الأحزاب. منهنَّ من كانت ناشطةً في مجتمعها ولها دور مؤثر في العمل الاجتماعي، ومنهنَّ من ظهر اسمها على السطح دون أن يكون لها رصيد في العمل المجتمعي، وحضورها داخل الحزب الصهيوني كان موسمياً انتهى مع انتهاء الانتخابات.

وقد أرادت إسرائيل هذا الانخراط فردياً فردانياً تتحكم هي فيه وفي عدده. ولا ننسى صرخة نتنياهو الشهيرة حين أطل على شاشات التلفزيون، ينُبّه الناخب اليهودي من “تدفّق العرب للتصويت”. واستعمل هذا التخويف ليُشجّع مؤيّديه ممن لم يخرجوا للتصويت بأن يفعلوا ذلك.

يستخدم محققو المخابرات الإسرائيلية مفاهيم “العيب” و”الشرف” ضد ناشطات الحركة الطلابية في الضفة الغربية المحتلة لدى اعتقالهنَّ، ومنهنَّ طالبات جامعة بيرزيت اللواتي اعتقلن بالعشرات خلال السنة الأخيرة. ويقومون بترهيبهنَّ بنشر “سمعة سيّئة” عنهنَّ، وبأنّهنَّ “أسأن لسمعة العائلة” بالاعتقال. وأثناء التحقيق مع الطلاب الذكور، يهدد الكثيرون منهم باعتقال النساء في العائلة وإحضارهنَّ للتحقيق، بما يعني تعريضهنَّ للإهانة.

هذا ما يمكن أن يفسر تغيير نتنياهو لاستراتيجيتّه في الانتخابات الحالية (التي ستجري في23 آذار/مارس 2021) من نزع شرعية العرب الفلسطينيين، إلى كسبهم في صفّه ومهاجمة قياداتهم. صار نتنياهو يتودّد للناخب العربي لكسب صوته مباشرة لحزب الليكود، بالوقت الذي يُهاجم “القائمة المشتركة”، ويدعو الناخب العربي للتصويت له مباشرة، بل وبات يستعمل مفاهيم من صميم مجتمعنا، كأن يصرح بأن العرب يدعونه “أبو يائير”، لخلق انطباع التقرب والتحبب، أو يهتم بأن ينشر في وسائل الإعلام استقباله في خيمة بدوية، وشربه القهوة على الطريقة العربية، وهو يجلس القرفصاء على سجادة المضيف.

… والأحزاب الصهيونيّة باتت تُحب النساء العربيات!

تستعمل بعض الأحزاب الصهيونيّة، في محاولتها استقطاب نساء عربيات داخلها، خدعة إظهار الحزب الصهيوني بحلّة تقدميّة تدعم النساء العربيات، وتحميهن من ذكورية وقمعية المجتمع الأبوي.

ولكن هذه الأحزاب بطبيعتها الصهيونية لا تقدر أن تكون دفيئةً للعربي الفلسطيني لأنها مبنيّة على أساس إلغاء وجوده ككيان جمعي وإلغاء حقوقه.

يتودد نتنياهو للناخب العربي، فيستعمل تعابير من قاموس مجتمعنا، كأن يصرح بأن العرب يدعونه “أبو يائير”، لخلق انطباع التقرب والتحبب، أو يهتم بأن تنشر وسائل الإعلام استقباله في خيمة بدوية، وشربه القهوة على الطريقة العربية، وهو يجلس القرفصاء على سجادة المضيف.

وجود امرأة في حزب صهيوني ليس مفخرةً، لا للمجتمع الفلسطيني ولا للحركة النسوية، بل هي نقطة سوداء بمفهوم النسويّة أيضاً، التي تحارب كل أشكال القمع، وضمنها الاستعمار والذكورية اللذان يتحدان ويتفقان في كثير من الأحيان.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.