كوبا والطب: كيف تبني دولة فقيرة ومحاصرة نظامًا صحيًا متطورًا؟




مدارات عربية – الأربعاء 24/3/2021 م …

«إن قصة الطب في كوبا هي قصة الثورة فيها. فقد كانت الصحة أحد أهم مطالب الثورة، وعاملًا من عوامل إشعالها، كما كانت على رأس أولوياتها وأحد أهم مكتسباتها منذ انتصارها وحتى اليوم».

تقدم هذه السلسلة من المقالات البحثية نظرة معمقة على قصة بناء النظام الصحي في كوبا وتطوره، وما تقوله هذه القصة عن كوبا ككل، وعن الاقتصاد السياسي للصحة في العالم.

قصة كوبا مع الطب (1): عصر البدايات

مر النظام الصحي الكوبي منذ تأسيسه بمراحل مختلفة، وتعرض بشكل مستمر للمراجعة والتطوير. فانطلاقًا من واقع صحي صعب ورثته الثورة عام 1959، سعت كوبا لبناء نظام صحي كفء وعادل ومجاني، يعتمد على الرعاية الصحية الأولية، واستباق الأمراض والتخفيف من حدتها، عبر عدة برامج وقائية أطلقتها وزارة الصحة الكوبية، كان طب الأسرة والمجتمع في قلبها. وخلال العقود الثلاثة الأولى من عمر الثورة، ارتفع متوسط أعمار المواطنين الكوبيين، وانخفضت معدلات وفيات المواليد لما دون مثيلاتها في كندا والولايات المتحدة.

قصة كوبا مع الطب (2): الصحة في «الفترة الاستثنائية»

إلا أن هذا التقدم النوعي والسريع، سيتعرض لهزة قوية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، حليف كوبا والمصدر الأساسي للغذاء والطاقة فيها، والسوق الذي تعتمد عليه الجزيرة في الاستيراد والتصدير. تصاعد الحصار الأمريكي المفروض على الجزيرة، ووضعها ذلك في ظروف خانقة ضربت كافة القطاعات الحيوية في البلاد وأدخلتها في ما عرف بـ«الفترة الاستثنائية». إلا أن كوبا استطاعت في سنوات التسعينيات الأربع الأولى امتصاص الصدمة، وإيجاد حلول لتخفيف أثر الأزمة، والاستثمار في التعليم الطبي وتقديم الرعاية الطبية، من أجل التمسك بحق مواطنيها بصحة شاملة ومجانية، لتكون مع بداية الألفية الثانية أفضل بلد في أمريكا اللاتينية في مجال الصحة.

قصة كوبا مع الطب (3): الداء والدواء في الألفية الجديدة

مع بداية الألفية كانت كوبا قد تجاوزت الأزمة الأصعب، وبدأت تركز جهودها على توسيع قطاع البعثات الطبية، وتطوير قطاع التكنولوجيا الحيوية والصناعات الدوائية بشكل يؤمن للجزيرة ما تحتاجه من أدوية ولقاحات ويفيض من أجل التصدير. ساهمت التحولات السياسية في أمريكا اللاتينية بتوسع الدور الطبي الكوبي، حيث بدأت بمساعدة فنزويلا على تطوير نظامها الصحي، كما شاركت عبر فرقها الطبية في العديد من الحملات الإغاثية للمناطق والدول المنكوبة حول العالم، وقدمت العلاج وأجرت العمليات الجراحية للملايين من سكان العالم، خاصة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا، دون مقابل. وبالتوازي مع هذا التوسع، تطور قطاع التكنولوجيا الحيوية والصناعات الطبية، ليوفر عشرات اللقاحات للأمراض المعدية والسارية، ويطور عدة لقاحات علاجية لأنواع مختلفة من السرطان، وصولًا لتصنيع أربعة لقاحات ضد فيروس كورونا، وصل اثنان منها حتى الآن المرحلة الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية.

«لا شك أن في تاريخ كوبا ونظامها وتجربتها، على العموم وفي مجال الصحة تحديدًا، الكثير مما هو استثنائي وغير قابل للاستنساخ، خاصة في ظل أنظمة أخرى لا تقوم على المبادئ ذاتها. رغم ذلك، في قصة كوبا مع الطب الكثير مما يمكن ويجدر دراسته بعمق والاستفادة منه، خاصة بعد أن هزّت الجائحة الكثير من «المسلمات» التي سادت منذ التسعينيات، وأعادت الصحة إلى الواجهة، ليس كحقل يجب البحث فيه فحسب، بل كحاجة ملحة لمليارات البشر حول الكوكب».

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.