جنوح سفينة! / محمد شريف كامل
محمد شريف كامل ( مصر ) – الأحد 28/3/2021 م …
- الأخطر من ذلك يمكن في فقدان الثقة في الإدارة المصرية للقناة، والتي اكتسبتها بجدارة منذ اليوم الأول للتأميم عام 1956، وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي والتخوف من أن يكون الإهمال متعمد من نظام يبذل كل جهده لإفشال كل ما هو مصري، لنجد أنفسنا أمام بيع شركة قناة السويس لأحد مشغلي السيسي.
يتساءل البعض عن جنوح السفينة في قناة السويس وعن تبعاتها، ولم نستمع حتى الأن لأي تعليق حقيقي أو منطقي من حكومة ونظام لا يكترث إلا ببقائه حتى ولو على أنقاض مصر.
ففي صباح الثلاثاء 23 مارس 2021 جنحت عملاقة السفن “أيفر جيفين” قرب المدخل الجنوبي لقناة السويس، وحتى لحظت كتابة المقال فمازال العملاق البحري الذي يقترب طوله من نصف كيلومتر ويصل وزنه لـ 200 ألف طن يقف بعرض القناة حيث توقفت الملاحة بالكامل، ولا يدري أحد ماذا حدث ولا نرى أي تحرك جدي من الهيئة المشغلة ومن الدولة.
وطوال ثلاثة أيام عاش الإعلام المصري الفاشل مهنيا والمفلس معنويا، وفاقد المصداقية محليا ودوليا، عاش حالة من الإنكار والكذب، وترك الساحة للجهلة للتفلسف والمطبلين للتبرير، في دولة لا تملك أي قيمة أو عقل أو حتى “دم” وكأنها تعالج أزمة نقص الأكسجين في المستشفيات أو حادث القطار ما بين الإهمال والتبرير، وبعض التحليلات التي لا تخدم إلا مشجعي النظام.
هذه ليست الحادثة الأولى لجنوح سفينة في أي مكان في العالم، وليست الأولى في قناة السويس، ولن تكون الأخيرة، ولكن الإشكالية ليست في الحادث وإن لزم له تحقيق حقيقي شفاف، وليس مثل تلك التحقيقات التوفيقية لنظام السيسي الفاشل والمفشل، الإشكالية الحقيقية في طريقة التعامل مع الحادث.
لقد تصدت مصر لإدارة قناة السويس بنجاح أسطوري منذ تأميمها، وكانت لحظة التحول من الإدارة الاستعمارية الفرنسية الإنجليزية للمصرية مثال لحسن التخطيط والإدارة وحسن التصرف والقدرة على تحمل المسئولية العالمية الملقاة على عاتق مصر في تأمين أكثر من 12% من الملاحة الدولية التي تؤثر تأثير مباشر في أساسيات الحياة حول العالم، من إمداد الطاقة إلى الغذاء والدواء والسلاح.
إن قناة السويس توفر على الملاحة بين الشرق والغرب ما لا يقل عن 10 أيام في كل رحلة، حيث في المتوسط، فرحلة الأسبوعان قد تصل إلى أربعة أو خمسة أسابيع، وتعبر القناة كل يوم 50 سفينة، مما يجعلها توفر يوميا ما لا يعادل 500 يوما في مجال التجارة العالمية وهذا يقدر بالمليارات، ولو حولنا ذلك لأرقام حيث تبلغ التكلفة الإضافية للشحن لتغطية وقود تشغيل السفن فقط إلى أكثر من 15 مليون دولار في اليوم، غير النفقات الأخرى وتكاليف التأمين، إن إجمالي التكاليف والخسائر سترفع الأسعار عالميا بمعدل لا يقل عن %10-%25.
وتأثير الحادث لن يقف عند ارتفاع الأسعار بل سيمتد لعجز في إمدادات الاحتياجات الأساسية، والأخطر من ذلك أنه سيمتد ليشمل تكدس الموانئ وعجز في الحاويات وهو ما سيؤثر على التجارة العالمية لفترة طويلة قادمة قد تمتد لأشهر.
ولم يهتم النظام المصري عن جهل أو عمد إلا بنشر أخبار كاذبة للاستهلاك المحلى والدفاع عن نظام فاشل، بدأها بأخبار كاذبة عن حل الحادث خلال ساعات وإعادة فتح القناة للملاحة صباح اليوم التالي “الاربعاء الماضي”، بل وقد أعلن أنها فتحت بالفعل، وهذا لم يحدث حتى الأن، ثم خرافات أن مصر لها الحق في تعويض من السفينة الجانحة وهو وهم أخر فإدارة القناة وعبور السفن هي مسؤولية هيئة قناة السويس.
إن عدم التعامل مع الأمر بجدية سينتج عنه عدة أمور أقلها ارتفاع في الأسعار وركود تجاري، وكلما تأخر سحب السفينة صعب عمليا سحبها وتعقدت المشكلة وزادت مدة تعطل القناة أكثر، لأنها تهبط كل ثانية من نقاط الغرس.
الأخطر من ذلك يمكن في فقدان الثقة في الإدارة المصرية للقناة، والتي اكتسبتها بجدارة منذ اليوم الأول للتأميم عام 1956، وهذا هو مكمن الخطر الحقيقي والتخوف من أن يكون الإهمال متعمد من نظام يبذل كل جهده لإفشال كل ما هو مصري، لنجد أنفسنا أمام بيع شركة قناة السويس لأحد مشغلي السيسي.
وإن لم يكن كذلك فأين الاستعدادات لمثل هذه الحوادث وهي أمر وارد دائما، وأين وسائل تأمين الملاحة في ممر مائي يؤمن إضافة للدخل القومي 5.6 بليون دولار سنويا؟ وأين القوات المسلحة المصرية التي أمدت العبور التاريخي بمعجزات هندسية من ذلك الحادث؟ أم أنه قد تحقق الهدف من إشغالها في الزراعة والبقالة لتحطيم قدراتها على التعامل مع الأزمات! ولنا أن نعود ونتساءل لماذا بددت أربعة مليار من الدولارات، غير فوائد القرض، لتفريعة لا تمثل أي قيمة إضافية لمصر ولا للقناة ولا للتجارة العالمية؟ ولماذا لم تنفق تلك الأموال لتوفير وسائل تشغيل القناة وإنقاذها في الأزمات؟
إن حقيقة الإجابة على تلك التساؤلات لن تعرف صراحة اليوم، بل إنها تساؤلات تضاف لمثيلاتها، من أضاع مياه النيل؟ ولماذا؟ من فرط في تيران وصنافير، ولماذا؟ من أضاع حقول الغاز؟ ولماذا؟ من يقتل مستقبل مصر؟ ولماذا؟ ولصالح من؟
كلها أسئلة مشروعة وإجابتها قد تكون معلومة ضمنيا، وسيظل شعب مصر يدور في دوامة مصارعة طواحين الهواء التي يغذيها مدعى السياسية ليس إلا للانتقام من الأخرين واللهث وراء الأنانية وحب الذات، حتى تقع كارثة أخرى وتسلب مصر إرادة وثروة أخرى، ولا نجد لأبنائنا مكان على الأرض، ولا نجد وطن نتغنى به ونعيش في ظله.
التعليقات مغلقة.