المعارضة السورية.. وأسئلة الواقع! / د.فايز رشيد
د.فايز رشيد ( الأردن ) الأحد 13/12/2015 م …
”.. لقد أجبرت عاصفة السوخوي, كل فصائل المعارضة على الانسحاب الى الشمال, بحثا عن ملجأ على الحدود مع تركيا، بعد وصول هذه الفصائل إلى استحالة تأثيرها الفعلى في مواجهة العاصفة. واكب هذا الاندحار, هبوط شديد في معنويات المسلحين، فنشطت عمليات الاستسلام وتسليم الأسلحة، بشكل جماعي تحت عنوان أهمية الجنوح إلى التسوية”
أنهى مؤتمر المعارضة السورية، الذي انعقد في الرياض أعماله، وسط حصار وتكتم إعلامي شديدين على يومي انعقاده (مثلما وصفه أحد الحاضرين!). اتفقت أطرافه على تشكيل”الهيئة العليا للمفاوضات”، وعلى أن “يترك الرئيس الأسد ونظامه، سدة الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية، وحل الكيانات السياسية المعارضة حال تكوين مؤسسات الحكم الجديد”. جاء ذلك في البيان الختامي لاجتماعات الرياض، حيث أكد المجتمعون “أن الهيئة العليا للمفاوضات سيكون مقرها الرياض، وهي من ستحدد الوفد التفاوضي مع النظام، من أجل البدء بالمرحلة الانتقالية”. بدورها ذكرت وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء أن إيران قالت الخميس الماضي: إن بعض الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش الارهابي, شاركت في محادثات الرياض.
الى ذلك أعلنت حركة “أحرار الشام الإسلامية”، إحدى ابرز الفصائل المعارضة المسلحة في سوريا، انسحابها من مؤتمر الرياض, وقدمت الحركة ثلاثة أسباب للانسحاب هي “اعطاء دور اساسي لهيئة التنسيق الوطنية (ابرز مكونات معارضة الداخل المقبولة من النظام) وغيرها من الشخصيات المحسوبة على النظام، بما يعتبر اختراقا واضحا وصريحا للعمل الثوري”، و”عدم اخذ الاعتبار بعدد من الملاحظات والاضافات ,التي قدمتها الفصائل لتعديل الثوابت المتفق عليها في المؤتمر, وعدم التأكيد على هوية شعبنا المسلم”. اما السبب الثالث فهو، بحسب البيان “عدم إعطاء الثقل الحقيقي للفصائل الثورية سواء في نسبة التمثيل او حجم المشاركة في المخرجات” ولكن هذا الفصيل وقع لاحقا على البيان الختامي للاجتماع.
بغض النظر عن تقييمنا لقرارات هذه المعارضة, لكنها تقف أمام مفترق طرق! فإما أخذ العبرة من تجربة الخمس سنوات من الصراع الدموي, الذي يخسر فيه السوريون جميعهم, والوصول إلى قواسم مشتركة مع الدولة السورية, للحفاظ على سوريا, وإما المضي قدما في المخططات المرسومة لها, من الجهات الطامعة في تفتيت الدولة وتقسيمها, وصولا إلى احتلال الشمال السوري بعد لواء الإسكندرون, تحقيقا لطموحات قديمة لدولة إقليمية, من الواضح أنها ودولةعربية سيطرتا على المؤتمر وأعماله وقراراته … هذه الطموحات آيلة حتما إلى الفشل الذريع. من المهم لفت النظر أيضا إلى التالي: عدم دعوة أطراف المعارضة السورية الداخلية إلى المؤتمر المعني, وهو ما حدى بها إلى تشكيل ائتلاف من 18 حزبا وجهة, هذه أيضا تمتلك الحق في تقرير مصير بلدها, أكثر من كل الذين في الخارج, ممن يعتبرونهم معارضين!. نعم, لم تُوّجه الدعوة الى “حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي”, الذي يملك قوة عسكرية ميدانية, هي الاقوى في سوريا بعد الجيش العربي السوري, ويحوز على أوراق عديدة سياسية وميدانية وتحالفية، فيما الذين تمت دعوتهم من الأكراد، لا وزن لهم! ما سيجعل قرارات المؤتمر حبرا على ورق! وسيساهم في إفشال تنفيذ قرارات المؤتمر العتيد!.
كذلك، إلى متى سيظل رجالات هذه المعارضة, من ذوي الإقامة في فنادق العشرة نجوم (وقد جرى تلميع جزء كبير منهم, ممن لم يدخلوا سوريا, حتى لزيارة قبورهم وأجدادهم!)..إلى متى سيظلون مكابرين؟ إلى متى ستظل هذه المعارضات أداة ، لتنفيذ أجندات بعض عربية ,إقليمية ودولية؟. نعم, لقد اعترف نتنياهو علنا, بمشاركة الكيان المباشرة إلى جانب المعارضة السورية! وثبت بالوجه القاطع أن الأخيرة تعالج جرحاها في المستشفيات الصهيونية! نحن بحاجة من هذه المعارضة, إلى موقف من هذه القضية! وللأسف لم يتطرق إليها المؤتمر!.
إننا نحترم المعارضة السورية الداخلية, وهي التي انطلقت من خلفية وطنية بحتة, وحرصت على سلمية تحركها وظلت في بلدها, ووقفت ولا تزال ضد التدخل الأجنبي فيه. فلماذا لم يحدد مؤتمرالمعارضة في الرياض, الموقف مما كان كمال اللبواني قد صرح به قبل بضعة أشهر؟ فمعروف أنه ساوم على هضبة الجولان, مقابل اتفاق سلام مع الكيان, وتدخله لصالح المعارضة!هذا هو جوهر العرض للبواني، المعارض السوري وعضو “الهيئة السياسية للائتلاف الوطني السوري”؟. كان ذلك في حديث مطول له مع صحيفة “العرب” الصادرة في لندن(الجمعة 14 مارس الماضي). لقد تساءل اللبواني يومها ”لماذا لا نبيع قضية الجولان في التفاوض, فذلك أفضل من أن نخسرها ونخسر معها سوريا إلى الأبد، وقال: عندما أطرح موضوع الجولان, فأنا أبيع ما هو ذاهب سلفاً. ما قاله اللبواني لم يكن باسمه وحده بالطبع، بل باسم العديدين من أعضاء وقوى “المعارضة السورية”.إن هذا الطرح هو خيانة للوطن والشعب السوري وللأمة العربية من محيطها إلى خليجها فما هو موقف المؤتمر؟. أيضا لبّى طبيب معارض (حرص على أن يبقى اسمه طيّ الكتمان, وحظر الكيان نشر اسمه وصورته!), وهو مسؤول كبير في شبكات المساعدة الإنسانية! لبى دعوة من معهد “ترومان لدراسات الشرق الأوسط” في الجامعة العبرية في القدس المحتلة, وقدّم محاضرة باللغة الإنجليزية, أمام عشرات الطلاب حول أحداث سوريا, بمناسبة الذكرى الرابعة لما أسماه بـ “الثورة السورية”. مما قاله الطبيب في محاضرته: ” طالما اعتبرتُ إسرائيل, الشيطان الأكبر ولم نقو على لفظ اسمها بسبب ما تعلمناه وتلقيناه في سوريا, ولاحقا اكتشفتُ أن الإسرائيليين بشر مثلنا, ويقدمون مساعدات إنسانية وطبية للآخرين بمن فيهم إلينا”… نسأل, ما رأي المعارضة في الرياض بهذه الحادثة وغيرها الشبيهة؟, ما موقفها من الكيان الصهيوني؟.
المعارضة السورية المعنية, مدعوّة إلى أخذ المستجدات أيضا بعين الاعتبار, وأهمها العامل الروسي! فلقد اجبرت عاصفة السوخوي, كل فصائل المعارضة على الانسحاب الى الشمال, بحثا عن ملجأ على الحدود مع تركيا, بعد وصول هذه الفصائل إلى استحالة تأثيرها الفعلى في مواجهة العاصفة. واكب هذا الاندحار, هبوط شديد في معنويات المسلحين, فنشطت عمليات الاستسلام وتسليم الاسلحة, بشكل جماعي تحت عنوان أهمية الجنوح إلى التسوية,ذلك كما حدث في حي الوعر بحمص منذ بضعة أيام ,عندما غادرت قوافل عتاة المسلحين، باتجاه الشمال تاركة كميات من الأسلحة وأعداد كبيرة من أفرادها ,الذين طلبوا تسوية اوضاعهم من أجل البقاء في حمص. المشهد السابق سيتكرر في اكثر من منطقة داخل سوريا, لأن دفاعات المسلحين، كما معنوياتهم، بدأت بالانهيار، وهو ما يشي بان المشروع المشبوه سقط برمته، المقصود القول: أن لا رهان للمعارضة على الدولة الجارة لسوريا, الذي ما زال يكابر رئيسها, ولا على كل الدول التي مولتها وتمولها, فهل ستظل هذه المعارضة راكبة لرأسها؟ .
نعم, ستبقى سوريا موحدة, متماسكة شعبا وارضا, عصية على التقسيم، وأن حلم الآخرين قد تلاشى، ومن هذا الواقع الجديد نستطيع القول بثقة: إن الأحداث في سوريا، بنتائجها وتحالفاتها الجديدة، ستعيد صياغة مستقبل المنطقة بشكل مختلف، على عكس ما أراده الاخرون، أيا كانوا!.
التعليقات مغلقة.