تسطيح الوعي العربي / موسى عباس
موسى عباس* ( لبنان ) – السبت 24/4/2021 م …
- كاتب وباحث لبناني في الصراع العربي الصهيوني والقضية الفلسطينية …
يقول الفيلسوف “رينيه ديكارت“:
“إنّ الوعي هو حقيقة بديهية ندركها من خلال الحدس العقلي ، لا يمَسّه الشكّ أبداً ، وتساءلَ :”أيّ شيء أنا؟” وأجاب :”أنا شيء مُفكّر “.
في علم النفس: يشير مصطلح الوعي إلى حالة “اليقظة” العادية،وقدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن باقي الكائنات “.
-كيفيّة تطوّر الوعي :
التطوّر الطبيعي لعقل الإنسان الذي يحدث بفعل تراكم التجارب والخبرات لا بدّ وأن يؤدي إلى تطوّر الوعي عبر المعرفة المكتسبة بنتاج العمل الفردي أو الجماعي في أي مجال من المجالات ، الأمر الذي ينتج عنه قدرة على استنباط الحلول للمعضلات التي قد تواجه الفرد أو الجماعة أو الأمّة، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى الإستعانة بالغير لكي يُفكّر عنّا ويخطّط لمستقبلنا وفقاً لمصالحه هو وليس لمصالحنا.
–دور الكتب السماوية في نشر وتطوير الوعي:
لدى الشعب العربي مَيِّزة عن باقي الشعوب ،لكنّه لا يستخدمها بالشكل الصحيح والفعّال فيما يواجهه من نكبات وويلات ، وتلك الميزة هي الكتب السماوية ولا سيّما ما جاء في القرآن الكريم من مواعظ ونواهي وأسلوب حياة.
القرآن الكريم أحدث صدمة إيجابية في الوعي العربي حيث نقل المجتمع الجاهلي من الذِّلّة إلى العزّة ومن الصّغار إلى الإفتخار ،وبفضله إنتقلت الأمّة من أمّةٍ مُستضعفة إلى أمّةٍ تهابها باقي الأمم ، من أمّةٍ كانت جاهلة إلى أمّة العلم والرُقيّ والحضارة بفضل استخدام العقل بالشكل الصحيح، والقرآن عندما يحث على استخدام العقل والفكر يرمي إلى تنمية المهارات والقدرات التي يفضلها تواجَه المصاعب التي تعترض حياة الفرد أو الأمّة.
ما بين القرن السابع الميلادي ونهاية القرن السادس عشر الميلادي كانت دمشق وحلب والكوفة وبغداد والقيروان وقرطبة والقاهرة ومراكش وفاس أهم المراكز العلمية في العالم، وكانت جامعاتها مزدهرة وصناعاتها متقنة ومتقدمة والعلم في تطور مستمر والعمران في ازدياد فكانت البلاد العربية مقصداً لطالبي العلم وأعجوبة حضارية غير مسبوقة، كانت تلك الفترة هي فترة تأسيس العلم في العالم أجمع ،حيث أنّ ما كان موجوداً لم يكن ليرتقي لمرتبة العلوم، فلم يبق مجال في العلم مما نعرفه اليوم إلا وكان العرب قد أسسوه. ابتكر المسلمون علوماً جديدة لم تكن معروفة قبلهم وسموها بأسمائها العربية كعلوم الكيمياء والرياضيات والفيزياء وعلوم الفلك وغيرها،
في الوقت الذي كان يسيطر ظلام الجهل على باقي العالم ولا سيّما أوروبا .
-إنحدار الوعي ونشوء التكفير وعودة الجهل:
تغيّر الواقع بعد الحروب الصليبية حيث نقل الأوربيون المعارف والعلوم الإسلامية إلى بلادهم فكانت أساساً لما حدث من تطوّر حضاري عندهم بعد العصور الوسطى، بينما غرق العرب والمسلمون من جديد في ظلام الجهل بفضل انتشار الأفكار والتفسيرات والشروحات المشوَّهة والمشوِّهة لآيات القرآن الكريم وللأحاديث النبويّة التي تمّ تحريفها وإضافة وإختلاق الأحاديث التي لم يكن لها أيّ أساس من الصحّة، الأمر الذي أدّى إلى نشوء مدارس دينية تُكفّر بعضها البعض، وبعد أن كنّا أمّة ً تنقل المعرفة والعلم والوعي إلى باقي العالم عُدنا أمّةً مستتبعةً ومُلحقة بباقي الأمم ، ليس في العلوم وحدها وإنّما في كلّ شيء، إنتقلنا من مُحتمع إنتاجي إلى مجتمع إستهلاكي، كما إنتقلنا من أمّةٍ عزيزة مقتدرة موحّدة مع توسّع الفتوحات، إلى أمّةٍ تتغشاها الذًلّة والمهانة مُفكّكة منهارة مستباحة يغزوها شُذّاذ الآفاق في عُقر دارها، يضرِبُ بعضّها رقاب البعض الآخر ويستقوي حكّامها بالأمريكي والصهيوني ، ويقيمون أحلافاً معهم تماماً كأحلاف مُستكبري قبيلة قريش مع قبائل اليهود في المدينة بهدف القضاء على الإسلام لأنّه شكّل حجر عثرةٍ أمام طغيانهم وفسادهم.
-الأنظمة العربية وتسطيح الوعي:
إنّ الأنظمة العربيّة الحاكمة أنتجت ظاهرة “تسطيح الوعيْ” في العالم العربي منذ الثورات العربية التي حدثت في الخمسينات والستينات من القرن العشرين ولا زالت تنتجها، والهدف هو تعطيل العقل الذي هو أهم ركائز الوعي والإدراك، وذلك من خلال بثّ مفاهيم كاذبة ومُخادعة حوّلت الغالبية العظمى إلى مُجرّد “قطيع “يؤلّه الحاكم والزعيم فبات يتقبّل الفقر والجوع والفساد وحتى الخيانة ويرفض إتّهام زعيمه السياسي والطائفي بالفساد على الرّغم من إثبات تلك التهم عليه.
وللأسف الشديد، فإن ظاهرة “تسطيح الوعي” انبرى لها من يُفترض بهم نشر الوعي وتنوير الجماهير في مختلف المجالات، وليس في مجال السياسة أو الدين فقط، حيث تحولوا إلى متواطئين منافقين في بلاط الحاكم والزعيم ، فها هم علماء دين وإعلاميين ومثقفين ومفكرين وصحفيين وكتاب انخرطوا في حملات تسطيح وعي الجماهير العربيّة.
ومن أخطر وأسوأ ما يشهده العالم العربي من خلال “تسطيح الوعي “منذ احتلال الصهاينة ل:”فلسطين” وحتى اليوم هو السعي إلى بثّ أفكار وطروحات مسمومة سخّروا لها الإعلام والكتّاب من ضعاف النفوس تهدف إلى تثبيت فكرة أنّ الأرض الفلسطينية هي أراضي كان يمتلكها اليهود وهم أصحابها والفلسطينيون هم من اعتدوا وبالتالي ليس من واجب الشعوب العربية ولا الإسلامية العمل أو المساعدة لتحريرها، وعلى العكس يجب مناصرة الصهاينة ضد الفلسطينيين وضد أيّ كان يعمل على مساعدتهم ، وعلى هذا الأساس أقنعوا شعوبهم أنّ التطبيع والتحالف مع الكيان الصهيوني هو لمصلحتهم.
وكما يقول أحد الكتّاب:
“التطبيع الذي اختارته بعض الدول العربية، هو صهينة هذه البلدان. بما في ذلك التمييز بين المواطنين وغير المواطنين، وبينهم المهاجرين، صهيونية عربية ضد العرب الآخرين.
اسطورة اليهود وفلسطين تاريخياً دحضها مؤرخون يهود اسرائيليون وعرب.
الصهيونية اليهودية واحدة من صهيونيات أخرى، إسلامية ومسيحية. جميعها أصوليات دينية وقومية”.
-كيفيّة الخروج من هذا الواقع:
وللخروج من هذا الواقع المرير لا بدّ من مواجهة بنفس الأدوات “الإعلام والخبراء والكتّاب” الموثوق بهم الذين لديهم القناعة الراسخة المبنيّة على وقائع علمية وفكرية يستحيل دحضها ، وعلى القِوى الحيّة في تلك البلاد أن تواصل مسيرة التوعية للمواطنين رغم ما تتعرّض له من قمع وترهيب وتنكيل،وفي نهاية المطاف لا بُدّ من أن تنتصر الحقيقة بإذن الله.
التعليقات مغلقة.