محاكمة قاتل جورج فلويد وتداعياتها على تنامي العنصرية في المجتمع الأمريكي / كاظم ناصر
كاظم ناصر ( فلسطين ) – الأحد 25/4/2021 م …
أدانت هيئة المحلفين في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الشرطي ديريك شوفين بمقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد في قضية هزت الولايات المتحدة الأمريكية وأثارت احتجاجات واسعة ضد العنصرية على مدار عام، وأظهرت جرائم وتجاوزات واعتداءات قام بها الكثيرون من أفراد الشرطة البيض على الأمريكيين السود والأعراق الأخرى المكونة لنسيج المجتمع الأمريكي، وأظهرت الانقسامات العرقية العميقة التي يعاني منها، واعتبرت بمثابة اختبار تاريخي لمحاسبة العنصريين والعنصرية. ولهذا فإن إدانة شوفين كانت انتصارا للعدالة وقد تكون بداية للتصدي للعنصرية المتأصلة في شريحة لا يستهان بها من الأمريكيين البيض الذين يؤمنون ” باستعلاء العرق الأبيض White Supremacy ” على الآخرين!
وكان فلويد قد أوقف في أحد شوارع مينيابوليس بولاية مينيسوتا للاشتباه في استخدامه عملة مزورة بقيمة 20 دولارا لشراء علبة سجائر. وأثار مقتله الذي صوره أحد المارة، وأظهرت الصور الشرطي الأبيض ديريك شوفين وهو جاث على رقبة الضحية لأكثر من تسع دقائق بينما كان يقول له لا أستطيع أن أتنفس ويستجديه، لكنه لم يتركه حتى قتله بدم بارد.
عنف عناصر الشرطة البيض وتجاوزهم للقانون باعتقالهم السود ومن يختلفون عنهم في لون بشرتهم، والاعتداء عليهم واتهامهم بسرقات وتجاوزات قانونية وجرائم قتل قد لا تكون لهم علاقة بها ممارسات معروفة لدى الرأي العام الأمريكي؛ فقد قتل رجال الشرطة 938 شخصا خلال العام المنصرم 2020، وعلى الرغم من أن نصف الذين قتلوا كانوا من البيض، إلا ان السود الذين يعدون 12.2% من عدد سكان الولايات المتحدة قتل منهم أكثر من ضعف عدد البيض الذين يكونون 60.1 % من عدد سكان البلاد.
رفض القاتل شوفين التهم الموجهة إليه، وزعم محاميه أن موكله كان يحاول السيطرة على الضحية ولم يقم بقتله، وانه توفي بسبب جرعة زائدة من المخدرات ترافقت مع مشاكل في القلب. هذا النوع من الأكاذيب ليس مستغربا ويتناقض مع الحقائق الموثقة التي أثبتت أن رجال الشرطة الذين أهانوا واعتقلوا وقتلوا السود على أسس عنصرية وبدون ذنب، برأتهم المحاكم، أو لم يسألوا أصلا لأن الاتهامات سجلت ضد مجهولين وأغلقت ملفاتها.
المجتمع الأمريكي مكون من مهاجرين من جميع أنحاء العالم، والقانون الأمريكي لا يحمي العنصرية والعنصريين؛ وللإنصاف لا بد من ذكر أن غالبية الأمريكيين لا علاقة لهم بها؛ فعلى الصعيد الشعبي خرجت مظاهرات جماهيرية حاشدة ضد العنصرية وجرائم الشرطة في عدد كبير من المدن الأمريكية شاركت فيها جميع الأعراق؛ وان العديد من المثقفين والإعلاميين ورجال الدين وقادة المجتمع المدني يبذلون جهودا جيدة لمواجه العنف العنصري الذي ازداد مؤخرا بسبب تداعيات سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المحابية للبيض والمعادية لغيرهم وللهجرة والمهاجرين! وعلى الصعيد الرسمي تم التوصل إلى تسوية بين مدينة مينيابوليس واسرة القتيل فلويد بقيمة 27 مليون دولار. ورحب الرئيس جو بايدن بإدانة الشرطي شوفين بقوله إنها ” يمكن أن تكون خطوة عملاقة إلى الأمام في المسيرة نحو العدالة في أمريكا.”
التفرقة العنصرية لها تاريخها الطويل في المجتمع الأمريكي، وأعمال العنف الحالية التي مارستها وتمارسها الشرطة ضد الأمريكيين المسلمين والمكسيكيين والآسيويين والأقليات الأخرى، وخاصة السود ليست جديدة؛ لكن إدانة الشرطي شوفين، وردود الفعل الرسمية، والاحتجاجات الشعبية الواسعة المستنكرة لمقتل فلويد وغيره، تمثل بارقة أمل بأن تكون البداية في التصدي للعنصرية والعنف العنصري وتطبيق العدالة على جميع الشرائح المكونة للمجتمع الأمريكي.
التعليقات مغلقة.