دراسة هامّة … نشوء وتطور الرأسمالية في العراق / سهيل الزهاوي




سهيل الزهاوي ( العراق ) – الأحد 25/4/2021 م … أثر الرساميل الأجنبية في نشوء الرأسمالية في العراق

يعد العقد السابع من القرن التاسع عشر عهد تحولات هامة في تركيب العراق الاجتماعي – الاقتصادي ونشوء أولى مقتضيات العلاقات الرأسمالية في العراق، وهو مكون رئيسي من مكونات هذه التحولات.فقد تشكلت البرجوازية العراقية من الناحية الزمنية أكثر تأخراً بكثير من بلدان المنطقة . أما عملية نشؤها فقد تميز بخصوصية هامة ، فقد نمت على وسادة المؤسسات الرأسمالية الاجنبية وفي علاقة وثيقة معها . فكان من الطبيعي أن تربط النواة الاولى للبرجوازية العراقية بالرأسمال الاجنبي وينعكس في موقف هذه الطبقة من النشاط الأجنبي بالنسبة لوطنيتها وعدائها للوجود الأجنبي .

كان الحكم العثماني حجر عثرة أمام التطور الاجتماعي – الاقتصادي مما أعاق تطور التجارة والصناعة،

لذلك أصبحت التطورات الداخلية غير قادرة أن تلعب دورا أساسياً في تكوين البرجوازية .

في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، كانت تجارة العراق جداً محدودة ، كان حجمها لا يزيد عما يساوي مائة ألف دينار عراقي و كان معظمها من خارج العراق ، باستثناء بعض المنتجات الزراعية و الحيوانية. لذلك كان النشاط التجاري يعتمد بالأساس على تجارة الترانسيت حيث يقوم العراق بدور محطة. فضلا أن التجارة مقصورة على بلدان الشرق الاوسط ولا تكاد تتعداها إلى الدول الغربية (1)

لقد تمكن الرأسمال الأجنبي السيطرة على تجارة العراق ، ولعب الرأسمال البريطاني عبر مؤسساته التجارية التي انشأها الشركة الهند الشرقية في البصرة وبغداد خلال القرن الثامن عشر. (2)

ومارس البرجوازية الكومبرادورية ومعظمهم من الفرس تجارة الوساطة والترانسيت في العراق و تمتعوا بحماية نظام الامتيازات (3)  و تدفق الى البصرة في اوائل القرن التاسع عشر الحرير والاطلس والاقمشة القطنية والقطيفة من فرنسا والأقمشة الانكليزية من ألمانيا والزجاج من فينا وبوهيميا والسكر من امريكا.(4)

وبقي رأس المال الأجنبي يلعب دوراً رئيسيا في العراق بسبين كما يشير الى ذلك لوتسكي، أولهما سبق الاتراك كلا المضمارين  الثقافي والاقتصادي وتكدست لدى التجار الأوروبيين رساميل ضخمة واكتسبوا خبرة أكبر في التجارية وتنظيم الأمور ونقل البضائع على وجه أحسن واكتسبوا بكلمة واحدة احسن خبرة تجارية حضارية والسبب الثاني هو نظام الامتيازات (5)

وقد استغلت الدول الأوروبية نظام الامتيازات كوسيلة من وسائل الاستثمار الاستعماري ،    فقد أسهم في

نمو بأس الدول الرأسمالية الصناعية بينما ادت الى توقف تطور القوة المنتجة وعرقلة الرأسمال الوطني و وضع التجار العراقيين في موضع غير متكافئ مع التجار الأوربيين الذين كانوا يدفعون رسوم كمركية تبلغ ( 3% ) من قيمة البضاعة . وأن أية زيادة في النسبة تخضع لموافقة الدول الأوروبية مما أبقى الارتفاع  تدريجية وبطيئة وحتى أوائل القرن العشرين لم تزيد التعرفة الكمركية عن (11% ) .(6) بينما كان التجار المحليين حتى الحرب العالمية الأولى يخضعون لرسوم كمركية على الجسور والعبارات لمصلحة الدولة و الإقطاعيين المحليين وشيوخ القبائل داخل الولاية العثمانية . (7)   على سبيل المثال يدفع رسوم كمركية لنقل تبغ من شهرزور في كردستان العراق الى ولاية بغداد نسبة (15%) بينما استيراده من إيران يخضع لرسم استيراد يعادل (7%) . (8)

بالإضافة إلى كل ذلك ،والبنية التحتية تكاد تكون معدومة لم توفر إطار عمل يدعم الهيكل الكلي للتطوير.  كانت طرق المواصلات سيئة تتعرض القوافل التجارية للنهب والسلب من قبل عصابات من اللصوص . كل هذا أدى الى عرقلة تطور البرجوازية التجارية المحلية وإنشاء سوق محلية داخلية ومنافسة التجار الأوربيين الذين كانوا يتمتعون بحماية الامتيازات .

شهد القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين عملية صيرورة تاريخية حتمية في الرأسمالية ، صيرورتها من الرأسمالية المزاحمة الحرة إلى الرأسمالية الاحتكارية والطغمة المالية ، الامبريالية ، وقد عملت الدول الأوروبية على ربط العراق بألية النظام الرأسمالي العالمي . وكانت لعملية الاندماج هذه  العديد من النتائج التي انعكست فيما بعد على البنية الاجتماعية – الاقتصادية للعراق . فقد أسفرت :

اولاً :-  عن سيادة العنصر الاجنبي في بنيتها الاقتصادية و تعرض العراق للاستغلال من قبل الاحتكارات الأجنبية عن طريق النهب المباشر للمواد الاولية بأسعار زهيدة والاستغلال المباشر لقوتها البشرية ووضعت مصادر التراكم الأساسية في حوزة التجار الأجانب وتحول كل ذلك الى بلد الام لتصب في اقنية التراكم الرأسمالي ، وعمل على ربط العراق بالشكل الذي يتيح لها ابقاءها في التبعية للرأسمال الأجنبي في البلدان الأوربية . مما جعلها سريعة التأثر بالاضطرابات التي تصيب الاقتصاد الرأسمالي العالمي مثل التضخم ومشاكل النقد .

ثانيا :- أدى ظهور قطاع التصدير الى تنشيط نمو اشكال السلعية -النقدية في الاقتصاد الداخلي وأصبح قاعدة لغرس الإنتاج الرأسمالي وتنمية برجوازية طفيلية وتابعة للأجنبي في العراق واغناء الفئات العليا من كبار الملاكين والإقطاعيين من رؤساء العشائر والقبائل لذلك أصبح الجزء الأعظم من مصادر التراكم الداخلي في حوزة هذه الشريحة التي ما كانت تستخدمها في تطوير الإنتاج وإنما أنفقته على السلع الترف

والابهة الأجنبية بينما أدى إلى افقار القاعدة الواسعة من الفلاحين وخراب القرى . إلا أن مثل هذه التجارة تنطوي على التبادل غير متكافئ ، يتم بموجبه الاستيلاء على جزء من فائض البلاد من خلال تبادل المنتجات الاولية الرخيصة نسبيا بالسلع المصنعة الاكثر كلفة بكثير والاتية من الغرب .

ثالثا :- تشكلت الرأسمالية في أعماق التشكيلة القديمة وليس في تناقض معها ، ولم يؤدي الى تلاشي التشكيلة الانتاجية القديمة، بل أن بعض الإجراءات التى اتخذت من جانب الدول العثمانية ومن ثم الاحتلال

البريطاني قد أدت إلى ترويج وتعجيل تفسيخ وانهيار العلاقات البطرياركية ما قبل الإقطاعية وتنمية العلاقات الاقطاعية وشبه الاقطاعية  بعكس ما جرى في أوروبا ، فإن تطور التجارة كانت نتيجة مباشرة لانتقالها من النمط الإقطاعي إلى النمط الرأسمالي .

رابعا :- وكانت السمة المميزة للامبريالية توسيع التجارة و توظيف الرساميل في البلدان المتخلفة وقد أصبح العراق ضمن مخططات الدول الاستعمارية فأصبح سوقا للتصريف ومجالات توظيف رؤوس الأموال وكذلك تخصصها في إنتاج الخامات والمحاصيل الزراعية ضمن التقسيم للعمل لذلك  أن نشوء وتطور الرأسمالية كانت تسير بشكل بطئ ومشوه والوحيد الجانب للاقتصاد الوطني و بمعزل عن العمليات الاقتصادية المحلية وذلك من خلال فصل الجموع الكبيرة من الحرفيين عن وسائل الإنتاج دون إشراكهم في عملية الإنتاج الرأسمالي الجديد مما أدى الى الانحلال التدريجي التدريجي للحرف بعد غزو البضائع الاجنبية للسوق الداخلية . ومن جانب آخر بالرغم من انجرار البلاد أكثر فأكثر الى الاقتصاد الرأسمالي العالمي وتطبع طرق الإنتاج والإدارة العصرية والاحتكاك بالحضارة الغربية، إلا أن ذلك لم تؤدي إلى تغيير البنية المتحجرة للمجتمع العراقي بشكل سريع نتيجة لخصوصية تطور الرأسمالية في العراق.

  توجه الاقتصاد العراقي نحو التجارة  

ونتيجة تزايد الطلب على المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية الأساسية فقد اتجه الاقتصاد العراقي نحو التجارة وخاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 ، مما هيأ إمكانيات جديدة الى الاتساع التدريجي للصادرات العراقية الى الدول الاوربية واندمج العراق بالسوق الرأسمالية العالمية تدريجيا .

إذ ازدادت قيمة الصادرات العراق الرئيسة من المنتجات الزراعية والحيوانية ( التمور، الحنطة، الشعير، الجلود والحيوانات )، من 150000 دينار سنويا في أعوام 1864- 1871 إلى 2,9 مليون دينار عشية الحرب العالمية الأولى أي أنها ازدادت حوالي عشرين مرة خلال هذه الفترة .(9)

وبقدر انتقال الرأسمالية – تدريجيا – الى مرحلتها الاخيرة – الامبريالية – احتدم الصراع على نحو شديد جداً من اجل أسواق التصريف ومصادر الخامات وميادين تصريف توظيف الرساميل والمواصلات .(10)     وكان قد انجر العراق الى هذا الصراع ، وبدأت الدول الاستعمارية ( فرنسا وروسيا وألمانيا ) تتجه أنظارهم إليه . بالرغم من ازدياد تغلغل ألمانيا أهم خصم لبريطانيا الى العراق بشكل ملحوظ وارتفاع عدد سفنها الداخلية إلى البصرة من 7% في عام 1900 الى 11% في عام 1909. إلا أن العراق بقيت تابعة لمنطقة النفوذ البريطاني واحتفظت بنسبة 85% في عام 1909 من السفن تحمل العلم البريطاني الداخلة الى البصرة واحتل الرأسمال الانكليزي مركزاً سائداً في العراق والذي أصبح سوقا لتصريف بضائع الانكليزية ومصدراً لتزويده بالمحاصيل الزراعية ،  كما حصلت القنصلية البريطانية في بغداد على بعض الامتيازات منذ أوائل القرن العشرين وأصبحت لها تأثير سياسي على الوضع في العراق ، يحرسهم حامية عسكرية من الهنود واحتفظوا بسفينة حربية عند اسوار المدينة . (11)

وفي بداية القرن العشرين استورد العراق ثلثى وارداته تقريبا من انكلترا وصدر ثلث صادراته إلى انكلترا والممتلكات البريطانية في الهند و اعتمد إنتاج وتصريف محاصيل العراق الزراعية اعتمادا كلياً على المصدرين الانكليز. (12)

وكان ما يُصدر من التمور سنوياً إلى انكلترا والهند في أواخر القرن التاسع عشر   277000  ليرة استرلينية ورزاً إلى لندن تبلغ زنته 11000 ألف طن ويبلغ قيمته 3000 ألف ليرة . كما استورد في عام  1908 ، ( 19,390) طن من السمسم .  وكانت بريطانيا تستورد من العفص سنويا من ولاية بغداد نحو ( 280 ) ألف طن و من الصمغ (11) ألف طن وكانت قيمته تبلغ ( 104 ) ألف ليرة عثمانية .

وكانت ولاية الموصل لوحدها تُصدر في عام 1907  من العفص ومن المواد الاخرى حوالي ما قيمته 106,500 ليرة عثمانية . (13)

وبلغت مستوردات ولاية الموصل السنوية في أعوام 1909 -1912 حوالي 158 ألف دينار ، منها ما قيمته أكثر من 90 ألف كان يجهز من بريطانيا والقارة الأوروبية بنفس النسبة تقريباً . (14)

كما تحول البنوك الأجنبية في العقد الأخير من القرن التاسع عشر الى وسيلة هامة من وسائل التغلغل الاقتصادي وأداة لاستثمار العراق والحصول على أكبر الأرباح .

بدأ أعمال البنك العثماني ، المكون من رؤوس أمواله من إنكليزية وفرنسية ، أول فرع له في بغداد في عام 1890 ، ومن ثم أسس بعد ذلك التاريخ فرعين احدهما في البصرة والثاني في الموصل والبنك الشرقي قد افتتح فرعه الأول في بغداد عام 1912 وبعد ذلك التاريخ أفتتح له فروع أخرى في البصرة والموصل والعمارة و كركوك .

ابتدأ البنك الشاهنشاهي الإيراني أعماله في عام 1918 في العراق ، بتأسيس فرع له في بغداد وثم بعد هذا التاريخ أسس له فرع في البصرة . (15)

وقد سيطرة تلك البنوك وخاصة البنك العثماني بالتدريج على سوق العراق المالية مما ساعد على ازدياد النفوذ البريطاني في بلاد ما بين النهرين (( الأمر الذي ادى الى حصولهم على مركز متميز في العراق فكان الممثل البريطاني المقيم والقنصل العام في العراق مثلاً يتمتعان بحق الاحتفاظ بحرس من الهنود في منزلهما )) . كما تمتع الرعاية الانكليز ولاسيما التجار بامتيازات كبيرة وزاد من وزن الدبلوماسيين الانكليز  السياسي وتدخلهم في شؤون العراق الداخلية. (16)

وبعد الاحتلال البريطاني للعراق تم إخضاع مؤسسة البنك العثماني للإدارة المدنية مباشرة من اجل توطيد الاحتكار الاقتصادي والسياسي لرأس المال الإنكليزي .(17)

وكان الغزو إحدى الوسائل التي استعملها الشركات الاجنبية لربط البرجوازية العراقية بالمؤسسات المصرفية الاجنبية الضخمة واحكام قبضتها عليهم من خلال الفوائد العالية التي يجنيها من القروض التي تزودهم بها .

 هيمنة الشركات الأجنبية على قطاع التجارة الخارجية 

وقد هيمنت الشركات الاجنبية هيمنة كاملة في قطاع التجارة الخارجية من اقتصاد العراق خلال النصف

الثاني من القرن التاسع عشر وفي غضون ذلك تشكلت البرجوازية المحلية التى تعمل كوسيط لرأس المال الأجنبي وشريك له من الأقليات الدينية ولا سيما من اليهود نظرا لهذه الاقلية الدينية من وكلاء لهم في بومباي ومانشستر وباريس.

وقد أتاحت مساهمة عدد من العراقيين في الشركات التي أسسها اليهود الفرصة للبعض منهم التسرب الى ميدان التجارة وإنشاء شركات خاصة بهم ، الا انهم لم يقومو بأي دور مستقل وإنما ارتبطو بشكل وثيق بالرأسمال الأجنبي . (18)

ففي بداية القرن العشرين كان (20) من كبار مصدري التمور ستة من العرب . (19) حتى أواسط الثلاثينيات القرن الماضي ، كان عدد الشركات التى تعمل في تجارة التمور والصوف حوالي 220 مصدراً بما فيه 26 شركات كبيرة و كومبرادورية .

بعد الحرب العالمية الأولى تشكلت فئة وفيرة من التجار العراقيين وبالرغم من هذه الزيادة ، بيد أنها كانت تتألف جمهرتها من البرجوازية التجارية الصغيرة ولم تكن الشركات التجارية الكبيرة والتابعة تمثل تقريباً (12% ) من عدد الشركات الخاصة والمساهمة المحلية العاملة في قطاع التصدير حتى أواسط الثلاثينيات قد كانت تتحكم بحوالي اربعة أخماس هذه التجارة . ولم تزيد حجم الشركات المساهمة والخاصة المحلية عن عشرة آلاف دينار بينما كانت الشركات الكبيرة الأجنبية والتابعة معدل حجم تعاملها يعد بعشرات الالاف الدنانير حتى الحرب العالمية الأولى . (20)

في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين، فئة من التجار العراقيين الميسورين كانت تعمل في تجارة المفرق والتجارة المتوسطة ولم تتوفر لهؤلاء الامكانية للانطلاق إلى الأسواق الخارجية وخاصة في قطاع التصدير . فقد كان في مدينة بغداد التي تعد نفوسها حينذاك (200) ألف نسمة حوالي اربعة آلاف مخزن صغير ودكان ، أما في البصرة التى كانت عدد عدد نفوسها (60) ألف نسمة ، فقد كان فيها ألفا مخزن وعدد كبير من المقاهي والمراكز التجارية . (21)

ولكن لم تكتفي الدول الرأسمالية المتطورة على نهب المواد الاولية للعراق بأسعار متدنية وانما جعلوا العراق سوقاً لتصريف منتجاتها الصناعية بأسعار مرتفعة نسبياً . مما أدى الى الاضمحلال التدريجي للصناعات المحلية وبذلك اضطر التجار العراقييون الى التعامل بالبضائع الأجنبية غير المربحة .

وقد ارتفعت قيمة البضائع المستوردة من حوالي 290 ألف دينار خلال ( 1864 – 1871) سنوياً الى حوالي ثلاثة ملايين ونصف دينار سنوياً في العام التى سبقت الحرب العالمية الأولى . يعني أن قيمة الاستيراد أكثر من اثني عشرة مرة خلال نصف قرن(22)

منذ البداية كان التجار المحليين عددهم قليل جدا وقد أخذوا على عاتقهم تجارة الاستيراد رغم محاولات الشركات الاجنبية الخمسة التي تشكلت ما بين الفترة 1839 – 1860 السيطرة على هذا القطاع ، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة طابع السوق الداخلية المحدودة وكانت أوضاع السوق بالنسبة لهم غامضة ولذلك لم يخاطر الشركات الأجنبية بتصدير البضائع الى العراق .

اضطر التجار الوطنيين أن تركز نشاطها في قطاع الاستيراد بشكل أساسي كوكلاء للمنتجين والمصدرين الأجانب نتيجة قلة رأس المال على أساس عمولة 3.5% من قيمة البضاعة وبنمو التجارة بدأ الوكلاء النشيطون يستحوذون على حصة أكبر من هذه البضائع المستوردة .

وقد أتاحت عمل التجار كوسطاء للشركات الأجنبية إمكانية استيراد على حسابهم الخاص . وبعد الحرب العالمية هيمنت عدد قليل من التجار على قسم كبير من البضائع الاستهلاكية وقد ادى ذلك الى تدهور أوضاع التجار الذين كانوا يعملون كوكلاء العمولة في الاستيراد.

حتى أواسط الثلاثينيات تمكن بعض الشركات الاجنبية السيطرة على معظم مجالات الاستيراد وخاصة استيراد الشاي والسكر بينما توجه العراقييون إلى استيراد النسيج (24)

    إنشاء طرق المواصلات … جانب خاص في خدمة الاحتكارات الأجنبية 

كانت أرباح تجارة التصدير العراقية من نصيب الشركات الاجنبية الاحتكارية و البرجوازية الكومبرادورية التابعة لها ، بعد أن صارت المجالات العليا والمتوسطة من التجارة التي تم الاستيلاء عليها واحتوائها والإمساك الثابت بها من جانبهم . كما كانت الارباح تحول بانتظام الى الخارج . ومن اجل الضرورات العسكرية او تسهيلات الاستغلال الرأسمالي الإمبريالي و لتوسع و تحكم القبضة الاقتصادية والسياسية على العراق ، فقد حولت رأس المال الأجنبي جزء من الارباح او رأس المال المستثمر لتحسين انظمة المواصلات في العراق.

في أواخر العشرينيات واوائل الثلاثينيات من القرن التاسع عشر ، حينما ظهرت البواخر ، اخذت الأوساط الاستعمارية البريطانية تولي اهمية في مسألة اقامة اتصالات بحرية منتظمة بين الهند وبريطانيا وقد حاولت البحاثة الإنكليزي(نشيني) تنظيم الملاحة في الفرات لنقل البضائع والركاب الى سواحل سوريا وبالعكس ، الأمر الذي سيساعد على استثمار الرأسمالي البريطاني في العراق وتعزيز مواقع بريطانيا في الخليج العربي بأسره . الا أن هذه المحاولات باءت بالفشل بعد أن سيطرة ابراهيم باشا على سوريا الذى أخذ يخلق مختلف العراقيل بأمر من مصر امام مؤسسات النقل والتجارة البريطانية في سوريا والمناطق الغربية من العراق(25)

فمنذ بداية عام 1861، تألفت شركة الملاحة النهرية باسم (( شركة فرات ودجلة للملاحة )) المعروفة بشركة لنج ، وكانت تستخدم باخرتين بشكل منتظم برأسمال قدره 15 ألف باوند . وعلى الرغم من بعض الضغوطات من الدولة العثمانية والمعارضة السياسية في (( بلاد ما بين النهرين ))  التي جابهوا بها هذه الشركة، (26) وبرغم المنافسة الاقتصادية من جانب ((الشركة العمانية – العثمانية))، إلا أنها حققت نجاحات كبيرة في مجال تقوية مركزها تدريجيا . فإلى جانب حيازتها سفنا أكبر وأفضل ، كانت تمولها الحكومة الهندية ، فضلا عن احتكارها الفعلي لشحن الواردات من الهند وبريطانيا عند وصولها الى البصرة ، و سيطرتها على تجارة الصادرات للشركة البريطانية في العراق . كما حصلت على أرباح ضخمة تراوحت بين 20 – 34 % من رأس المال الموظف . (27)

كل هذه العوامل مهدت الطريق أمام الشركة البريطانية لغرض سيطرتها التجارية وأصبحت المنفذ الاول لتسرب رأس المال الانكليزي والى تقوية النفوذ البريطاني في العراق . ولقد ارتفع رأس مال الشركة إلى 100 ألف باوند قبل الحرب العالمية الأولى والى 300  ألف باوند في عام 1919. (28)

وكان ثمة طريق مواصلات بحرية منتظمة بين البصرة وموانئ الخليج العربي والهند ، وقد أعقبت الملاحة التجارية تنظيم الاتصالات بين بغداد واسطنبول وطهران وبين بغداد والبصرة. (29)                                 وبعد انخراط ألمانيا بنشاط في الصراع من اجل اعادة اقتسام العالم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ، فقد قام غليوم الثاني بزيارة إلى تركيا عام 1898 ، وكان من أهم زيارته الى تركيا ، الحصول على امتياز سكة حديد بغداد .(30)  وعلى ضوء ذلك تكونت في عام 1903 ، الشركة  الإمبراطورية العثمانية الألمانية لسكة حديد بغداد وكانت تساهم فيها عدة شركات مالية تقاسمت فيما بينهم أسهم الشركة .(31)

(( وقد منحت الدولة العثمانية تسهيلات وامتيازات عديدة لهذه الشركة منها ، أرضاً بالمجان وحقوق مجانية لقطع الأخشاب لغرض بناء الخط  وحتى إقامة مختلف المشروعات المساعدة التي أعفيت من كل

الضرائب و الرسوم و كذلك ضماناً بأن تعوض الحكومة العثمانية الفرق بين دخل محدد للكيلومتر من الخط وبين ما تحصل عليه الشركة فعلاً )) ،(32)  وقد اعتبر لينين الامتياز الألماني لمد سكة حديد بغداد شكلاً من أشكال الاستعمار .(33)

لم يكن يكتفِ بالأرباح التي يجنيها من جراء بناء سكة حديد وإنما كان يفرض شروطاً مجحفة من أجل استثمارها ايضا . ولذلك فإن ثقل العبء هذه الاتفاقات وقعت على كاهل الجماهير الكادحة .

وكان الألمان يعقدون آمالا كبيرة على مشروعهم هذا ، إلا أن نتائج الحرب العالمية الأولى ، قد أفشل خططهم ،  وما أنجز من هذا المشروع لم يتجاوز 74 ميلاً ، كانت تربط بين بغداد وسامراء .  كما باشرت سلطات الاحتلال البريطاني لإنشاء شبكة من الطرق الحديدية أثناء الحرب وبعد احتلال العراق لربط المناطق المختلفة من البلاد بعضها ببعض، قد أملتها عليهم اعتبارات عسكرية وسياسية واقتصادية . وقد تطورت سكك الحديدية بعد الحرب العالمية الأولى حتى وصلت الى 1500 كم خلال الثلاثينيات .(35)

وقد أعارت سلطات الاحتلال البريطاني اهتماماً خاصاً لميناء البصرة ولا سيما لأن تطوير الملاحة في شط العرب تؤمن في الوقت نفسه مصالح شركة النفط الانكليزية – الفارسية العاملة في منطقة عبادان المجاور. بالرغم من نقل ملكية الميناء الى العراق إلا أن سيطرة بريطانيا بقيت على الميناء بسبب الشروط المجحفة التي فرضتها على الحكومة العراقية .

وقد مُنحت الحكومة العراقية قرضاً في العام 1923 لغرض توسيع الميناء . وتم المباشرة بالعمل في كانون الأول 1924 لتعميق الميناء الى 28 قدماً وتعريضه 300 قدم  عند المد لتزداد إمكانيات استقبال السفن. وقد جرت أعمال مشابهة في الميناء خلال سنوات الانتداب على حساب موارده الخاصة.(36)

إن الغرض الأساسي لإقامة لمثل هذه المشروعات في مجال النقل من جانب الرأس المال الأجنبي خدمة خططها الاستراتيجية وحتى المعدات الأساسية اللازمة لهذه المشروعات كانت مستوردة من الدول الرأسمالية ولذلك فإن جزء من الفائض الاقتصادي الذي خصص في هذا المجال لم يؤدي الى زيادة التراكم الوطني وبالتالي أدى إلى تخلف البلاد من الناحية الاقتصادية مما صب في مصلحة الرأس المال الأجنبي.

  نشوء العلاقات الرأسمالية في الريف

إن عدم تطور الرأسمالية في الريف العراقي مرتبطة  الى حد كبير بوجود الاستثمارات الإقطاعية التى احتفظت بقوتها ونفوذها في الريف ، الى جانب بقاء العلاقات المشاعية الفلاحية

ان لم يكن من مصلحة الإقطاعيين ، أن تستخدم الآلات والاجهزة الحديثة في الزراعة ، بسبب تمركز أراضي شاسعة في حوزتهم مع وجود أعداد غفيرة من فقراء الفلاحين الذي تم استثمارها عن طريق الأشكال القديمة كالمحاصصة وغيرها للحصول على أكبر الأرباح ، مما عرقل نمو وتطور العلاقات الرأسمالية في الزراعة . ان نمط الانتاج الاقطاعي لا يعطي منتوجاً  فائضاً يكفي للتراكم فضلاً أن الإقطاعيين قد وجهوا إنفاقهم نحو الاستهلاك المتميز بالاهتمام بالترف والمظاهر ، مما حال دون زيادة التراكمات الضرورية للتحول نحو الإنتاج الرأسمالي .

(( وبدأت العلاقات البضاعية النقدية – النقدية ، تنمو في المناطق القريبة من المدن ، حيث امتهن الفلاحون زراعة المحاصيل التي تلبي طلبات المدينة . ففي المناطق المحيطة ببغداد كان القرويين ينتجون اللبن والفواكه والحطب   وما إلى ذلك يبيعونها في المدينة ، كما ظهرت إمكانيات واسعة في هذه المناطق
لنمو الصناعات الحرفية ، باعتبارها مهنة ثانوية .

وهكذا تقوضت أسس الاقتصاد الفلاحي المغلق في هذه المناطق وبدأت تتعزز علاقاتها بالسوق، وظهرت أول علائم العلاقات الر‌أسمالية في الزراعة ، باستخدامها العمال الأجراء .))(37)

وبعد ربط العراق بعجلة الرأسمال العالمي وتوسع التجارة الخارجية ، ازداد الطلب على المنتجات الزراعية ، مما أدى الى نمو الزراعة التجارية وبذلك أرسى بداية تطور العلاقات البضاعية – النقدية ، وفي هذه الفترة سار بعض ملاكي الأراضي القريبة من المدن الى ما يسمى المشروع الرأسمالي .

بدأ العراق باستيراد بعض المكائن والمضخات وغيرها من الدول الرأسمالية . وقد بلغ عدد المضخات في مطلع القرن العشرين 166 مضخة بقوة 1276 حصاناً ، وكانت هذه المضخات في ازدياد مطرد حتى بلغ حوالي 400 مضخة في العام 1912 وجميعها تشتغل بانتظام .(38)

وقد ادى الحرب العالمية الاولى الى تعطيل التجارة الخارجية وبذا انخفض عدد المضخات وكان المضخات العاملة خلال الفترة 1921 -1926 ، 299 مضخة معدل قدرتها 4503 أحصنة ، وحصل تطور في استعمال الآلات الحديثة في الزراعة في أواسط العشرينيات فقد بلغ خلال الفترة  (1927 – 1932) ،  1686  مضخة بقوة يعادل 46165 أحصنة وفيما بعد ازداد عدد المضخات بشكل ملحوضاً .(39)

وبعد الاحتلال البريطاني للعراق ، فإن السلطات لم تلغي الإقطاع ، إنما عملوا على استمراره ، مما أعاق هو الآخر تطور العلاقات الرأسمالية في الزراعة وذلك من خلال العديد التشريعات والقوانين لصالح الإقطاعيين . وبذلك وضعت العقبات أمام تطور السريع للرأسمالية الزراعية من خلال تثبيت الملكية الإقطاعية ومضمونها الاقتصادي – ريع الأرض .

رغم العلاقات شبه الإقطاعية التي كانت سائدة في الريف العراقي والتى بدورها تعرقل  تطور الرأسمالية في الريف،  إلا أنه تنجذب أكثر فأكثر نحو التداول البضاعي .

فقد تحولت استثمارات كبار الإقطاعيين والملاكين إلى مؤسسات تنتج المحاصيل الزراعية من أجل السوق الخارجية .

رغم التطور النسبي في استخدام الآلات والمكائن الزراعية الحديثة، إلا أن نمو وتطور العلاقات الرأسمالية في الريف كانت تسير بشكل بطْئ جداً.

وقد كان هذا الاستخدام يتم من جانب الملاكين ذوي الملكيات المتوسطة القريبين من أسواق المدن الكبرى وبذا تشترك في بعض خصائصها مع الزراعة الرأسمالية . إلا أن استمرار نظام المحاصصة بين الملاكين والفلاحين وعدم تطور نظام الأجور والعمال الزراعيين على هذا النطاق ، يجعلها تشترك في خصائصها الأخرى مع العلاقات الإقطاعية .

  تدهور الصناعة الحرفية

كان الإنتاج الصناعي في العراق يقوم على أساس الإنتاج الحرفي والمنزلي . وكانت بغداد والموصل أكبر المراكز الحرفية . لم تكن المؤسسات الصناعية الكبيرة القليلة الموجودة نتيجة  عفوية لتطور الرأسمالية في العراق وانما كانت تعود بصورة عامة لرأس المال الأجنبي أو السلطة العثمانية .  فإن ما أصاب البلاد من تخلف نتيجة سيادة العلاقات الإقطاعية حال دون تطور الصناعة فتأخرت عن مثيلتها الأوروبية ولم تستطيع أن تسلك سبيل التطور الحر الذى سلكته الصناعات الأوربية التي تطورت الى المعامل اليدوية ( المانيفاكتورات ) ثم الى الصناعة الآلية بعد اكتشاف البخار .

في ظروف العراق يومذاك كان من الطبيعي أن يجري التراكم لرأس المال ببطئ كبير في ظل الإنتاج الحرفي والزراعي (( التى كانت مصدر الفائض الاقتصادي أثناء العهد العثماني وقد لعبت ذلك العهد دوراً كابحاً للتطور الاقتصادي والاجتماعي واستنزفت السلطة المركزية جزء من ذلك الفائض وكذلك استحواذ الإدارة المحلية على جزء آخر لإنفاقه على أجهزتها الفاسدة وانقسام بقية الفائض بين ملاكي الأراضي القريبة من المدن حيث اقاموا بعيداً عن الاشراف على الإنتاج ، والتجار والمرابين فضلاً عن شرائح اجتماعية و عناصر طفيلية اخرى، وضل الامر على هذا المنوال الى أن وجدت رؤوس الاجنبية طريقها الى العراق وخاصة بعد فتح قناة السويس في العام 1869 ،  بدأت الاحتكارات الاجنبية تستنزف إلى جانب الدولة العثمانية جزء من الفائض وفي غضون ذلك نشأت البرجوازية الكمبرادورية التي تميزت نشاطها بالطفلية بصفتها وسيطة الاحتكارات التي أدت إلى انتشار سلعها الى القضاء على الإنتاج الحرفي التقليدي بصورة تدريجية.

لم يؤدي نشوء العلاقات الرأسمالية في العراق التى فُرضت من الخارج الى تحطيم سلاسل الاقطاعية ، بل أن الإجراءات التي اقدمت عليها مدحت باشا (1869 – 1872)  أدت إلى تمركز الأراضي في حوزة حفنة من كبار الإقطاعيين ورؤساء العشائر والملاكين الغائبين .

لقد أدى تطور التجارة الخارجية اكثر فأكثر إلى استغلال الفلاحين من قبل الإقطاعيين ، بالإضافة إلى أخذ الإتاوات والضرائب العديدة والى اِستشراء الفقر وخراب الفلاحين . وكان الفلاحين يشكلون السواد الأعظم من السكان ، فأفضى انخفاض قدرتهم الشرائية الى تقليص السوق الداخلية (( الذي كان يصعب عليه في ظروف يومذاك أن يتحول الى مستهلك يشجع ظهور نوع جديد من الإنتاج، فقد كانت القوة الشرائية للفرد

العراقي تقل عن مثيلاتها في إيطاليا بمقدار (18) مرة وفي مصر (11) مرة ، بل تقل عن المعدل النظام العثماني سبع مرات))(42)

واتصفت الصناعات الحرفية بطابع القرون الوسطى ، والذي كان النمط السائد فيه أن يعمل الحرفي قرب

السوق وبذلك تحولت السوق عندئذ الى مكان للانتاج والتجارة في آن واحد . ولم يرتبط أغلب الحرفيين بالإنتاج الصناعي الثقيل او المعامل الصغيرة. فإن إيصال ماكينة يدوية واحدة يعبر -على حد تعبير القنصل البريطاني في العراق – حادثة تستحق الانتباه البالغ في تلك الفترة .(43)

كانت المنتوجات اليدوية العراقية وخاصة صناعة النسيج والجلود تلعب دورا هاماً خلال النصف الأول  من القرن التاسع عشر على صعيد السوق الداخلي والتصدير الى الى بلدان الشرق الاوسط ولا سيما إيران .  بالرغم من ان بعض السلع ذات النوعية الجيدة الخاصة كانت تستورد من الدول الرأسمالية والاقطار المجاورة .

تحت ضغط المنتجات الصناعية المستوردة من الدول الرأسمالية الاوربية، جرت محاولات عديدة لتحسين صناعة النسيج المقامة على الأنوال اليدوية، فقد أنشأ الوالي نامق باشا في بغداد في عام 1864 معملاً على الطراز الاوربي يدار ميكانيكياً ، استخدم فيه غزل الأصواف لصنع الألبسة العسكرية وقد وسع مدحت باشا 1870 هذا المعمل لتزايد الطلب على هذا النوع من الألبسة من جانب السوق المحلية ولغرض التصدير إلى الدول المجاورة . (44)

لم تسطيع الشركة التي أسست في عام (  1908 ) في سبيل انتشال هذه الصناعة وعدم اندثارها وبذل الجهود عن طريق استيراد الأنوال اليدوية الأوروبية لتحل الأنوال المحلية لانتاج الحرير والسلع القطنية إلا أن الصناعات الحرفية تناقص ولم تستطع المحافظة على نفسها ليست بضعف انتاجية العمل فحسب وإنما بسبب المنافسة الاجنبية الي تتمتع بضائعها بمواصفات أفضل من المنتجات الوطنية وبمزايا تجارية منحها إياها نظام الامتياز العثماني بينما الصناعات الوطنية كانت محرومة منها ، كإعفاء من الضرائب والتعرفة الكمركية المخفضة .

اذا كان عدد ورشات النسيج في بغداد في منتصف القرن التاسع عشر حوالي (12) ألف  ورشة ، فقد انخفض عددها في بداية القرن العشرين إلى  بضعة مئات فقط ، أما في البصرة فكانت هناك صناعة حرفية مزدهرة لإنتاج (البازة) والشاش في بداية القرن التاسع عشر إلا أن هذه الصناعة قد اختفت نهائيا خلال القرن الماضي كما تحطمت صناعة الاقمشة ذات الشهرة الواسعة في الموصل (45)

وأدت العمليات العسكرية خلال سنوات الحرب العالمية الأولى  الى تدمير الإنتاج الحرفي ، بالرغم من تهيئة ظروف ملائمة لازدهار الإنتاج المحلي بسبب تعطيل الطرق الخارجية واهتمام الدول الامبريالية بالحرب . إلا أن ذلك لم يكن إلا في حدود ضيقة جداً . نتيجة توقف استيراد الخامات نصف الجاهزة كالغزول والأصباغ والمكائن في المناطق المحاصرة لذلك واجهت المؤسسات الصناعية التي كانت تعمل قبيل الحرب  كساداً لا مثيل لها .

وبفضل الاحتلال البريطاني للعراق ، قد أزالت كافة العقبات والعراقيل التي واجهت ربط العراق بالسوق

الرأسمال العالمي وخاصة رأس المال الانكليزي من خلال اتخاذ العديد من الاجراءات الرامية الى تقليص نفوذ حلفائهم من الناحية الاقتصادية والسياسية .(46)

وبعد الحرب مباشرة عادت التجارة الخارجية إلى حالتها الطبيعية وتدفق البضائع الاجنبية بشكل مضاعف الى العراق وارتفع المعدل السنوي لواردات العراق من البضائع المستوردة خلال الفترة( 1919   – 1925) الى  3.9 عما كان عليه في الفترة ( 1912 – 1913) .(47)  مع السياسة الضريبية التي اتبعتها سلطات الاحتلال ، قد وجهت ضربة كبيرة الى الصناعات الحرفية.  لقد ازداد جباية الضرائب المباشرة في المناطق التي احتلتها الإنجليز في عام 1919 أكثر من مرة و نصف عما جمعتها العثمانيين  خلال الفترة (1911 -1912) وارتفعت الى الضعفين في العام 1919.(48)

لم يعر الحكومات المتعاقبة بعد تأسيس الدولة العراقية، أي اهتمام يذكر بالإنتاج الحرفي التي كانت تشكل حوالي 3% من السكان حسب بعض التقديرات التى قامت بها وزارة المالية خلال الفترة ( 1935 – 1936) ، وكان يعيش حوالي 75 % منهم في مستوى معاشي منخفض .(49)

(( ولكن مع ذلك ، بالرغم من تفاقم مشاكل الحرفيين بعد الحرب لم تتخذ السلطة أي إجراء من شأنه التخفيف عن أوضاعهم المتردية .  فإن قانون تشجيع الصناعة الذي صدر في عام 1929 ، مثلا لم يحتوي على أي بند من شأنه أخذ بيد الحرفيين وذلك لأن المؤسسات التي كانت بمقدورها الاستفادة من امتيازاتها كان عليها أن تستخدم الطاقة الآلية وأن لا تقل قيمة مكائنها عن 30 ألف روبية . )) (50)

لذا دب الخراب في الصناعات الحرفية ولم تتمكن أن تقاوم البضائع الصناعية الاجنبية ذات الجودة العالية والأسعار الأقل .

وقد هبط عدد حائكي الأنوال اليدوية في إنتاج الخيم والحبال المصنوعة من شعر الماعز في بغداد من (3500 ) حائك في العام 1866 إلى 130 حائك في 1934 .   وقبيل الحرب العالمية الأولى تناقص عدد حائكي الأنوال اليدوية في الموصل الى (500) حائك .

لم تقتصر اندثار وانحلال الصناعات الحرفية على المدن الكبيرة فقط ، بل تجاوزت فشملت العديد من المدن والقصبات الأخرى ، كما اشار إلى ذلك الحاكم السياسي لمنطقة كفري في العام 1918 .

(( إن الملابس القطنية والملابس الصوفية  كانت تحاك في كفري في السابق أما الآن فلا توجد مثل هذه الصناعة . )) (51)    وحدث نفس الشئ الى الانواع الاخرى من الإنتاج الحرفي غير الاستهلاكية. (( قبيل الحرب مثلا ، كانت السليمانية وراوندوز تنتجان بعض الانواع الاسلحة النارية التى كانت تضاهي الاجنبية حسب وصف بعض المؤلفين . فكانت في راوندوز ورشة لصنع المدافع التى تزود بها قوات بعض متنفذي المنطقة ووالي الموصل .    وكان يأتي قسم من المعادن مما تحتاجها الورشة  من المناجم المجاورة التي

تشغل العمال الأجراء . وعندما مر مارك سايكس بمدينة السليمانية عام 1902 ، وجد هناك مالا يقل عن 150 شخصاً حاذقاً يعملون في صنع الاسلحة وتصليحها . وكان رجال العشائر في مناطق مختلفة يحملون البنادق المصنوعة محلياً والتى جلبت انتباه ذلك المسؤول الانكليزي في حينه . وكما يعترف خلفه جون أدموندز . اختفت هذه المهنة من الوجود بعد الاحتلال البريطاني . (52)

 نشوء وتطور البرجوزية الصناعية في العراق

بعد أن تسرب الرساميل الاجنبية الى اقتصاديات العراق ، تعمقت تبعية الاقتصادية وظهر مظاهر جديدة لها ، إذ لم تقتصر على غزو البضائع الصناعية الاوربية للسوق المحلية والهيمنة على تجارة تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية وغيرها في العراق بل نحو السيطرة المباشرة على عمليات الإنتاج والتوزيع المواد الأولية الزراعية والحيوانية ووجهت الاقتصاد العراقي نحو خدمة أغراضها الاستراتيجية وخاصة في إنشاء الصناعات الاولية التى كانت من شأنها تسريع أعمال التصدير الى حد كبير. وارتبط نشوء الرأسمالية في العراق في أحشاء الاقتصاد شبه الاقطاعي بدخول الرساميل الاجنبية وقد خضع نشاط الرأس المال الوطني لرقابته وفرض الاتجاهات التى تخدم مصالح الشركات الأجنبية وتساهم في تنمية وتوسيع الطبقات والفئات الاجتماعية التى تتحالف معها وبفعل هذه الاتجاهات نشأ وضع جديد في غير الصناعات الحرفية بسبب تدفق السلع الأوروبية الجيدة والرخيصة نظراً لقلة الرسوم الكمركية التي كانت تفرضها الدولة العثمانية عليها . فلم يستطيع القطاع الحرفي على الصمود أمام البضائع الاجنبية لأن مستواه التكنيكي بدائياُ وقوتها الإنتاجية ضعيفة وعدم وجود حماية كافية لها . كل ذلك حال دون الارتقاء الى مرحلة متطورة .

حتى الحرب العالمية الأولى بقيت المشاريع الخاصة ضعيفة ، رغم وجود معلومات تشير الى استخدام العامل الأجير من جانب الرأس المال الوطني ، إلا أنه لم يحدث أي تطور يذكر في الصناعات المحلية .

وقد ظهرت عدد من المشاريع الصناعية لرأس المال الوطني ألا أنها بقيت دون المستوى المطلوب ، لم تسطيع أن تقاوم البضائع الاجنبية. (53)  بيد أنها أنشأت  بعض المشاريع من قبل الشركات الاجنبية لمعالجة الخامات المخصصة للتصدير. ففي عام 1889 ، تأسست شركتان بريطانيتان تعملان في كبس الصوف ، تملك واحدة منها مكبسين مائيين كبيرين تعملان بقوة البخار ، يكبسان حوالي (25) ألف بالة سنوياً . (54)    وكما هيأ شركة لنج اخوان التجهيزات اللازمة الضرورية لأحواض بناء السفن ومراكز تصليحها في البصرة .

وفي بداية القرن العشرين بلغت عدد الشركات العاملة في مجال تعليب وتصدير التمور ثمانية شركات  تعمل في مدينة البصرة تابعة لرأس المال الأجنبي و الكومبرادورية المحلية الوثيقة الصلة بالرأس المال الأجنبي . (55)  وقبل الحرب العالمية الأولى حدث تغلل معتدل للشركات الألمانية والروسية وكذلك  تأسست في البصرة شركة ماك أندروفوربس الأمريكية لتصدير جذور عرق السوس .  فقد كان الجزء الأعظم من تجارة الواردات والصادرات ما يزال موزعا بين الشركات البريطانية والتجار المحليين الوثيقة الصلة بالرأس المال الأجنبي .(56)

إن تخلف البلاد في مجال المشروعات الصناعية الكبيرة قد عزل الاقتصاد الوطني العراقي عن التطورات الحاصلة في البلدان الرأسمالية المتطورة لذلك افتقر الرأس المال الوطني الى رصيد الادخار في مجال استهلاك رأس المال الأساسي وقد كتب ماركس حول هذا الموضوع (( حيث تستخدم لكثرة الرأس المال الثابت وبالتالي الرأس المال الأساسي .  فإن قسم من قيمة المنتجات يعوض استهلاك الرأسمال الأساسي ويعتبر بمثابة صندوق الادخار ، وأن رصيد الادخار هذه لا يوجد عند الأمم التي لا تتوفر لديها رأسمال أساسي . ))(57)  فإن مصدر التراكم الوطني الأساسي يأتي من الإنتاج الزراعي . فقد كان كبار الملاكين والإقطاعيين يستحوذون على معظم الفائض الاقتصادي . ويجري من جانبهم إنفاق الجزء الأكبر من هذا الفائض على المواد الاستهلاكية غير الإنتاجية .   لكن تشغيل الرأس المال الأجنبي لم يساعد في التخلص من حالة التخلف وتحقيق التنمية المهمة إذ أن تنميتها تكون آنية ولفترات قصيرة لخدمة مصالحها.

أما الرأس المال التجاري ( الضعيف بالأساس ) ،غير قادرة على التوجه نحو الإنتاج الصناعي لمزاحمة الرساميل الأجنبية والبرجوازية الكمبرادورية  المرتبطة بها، لأنها دخلت ميدان العمل في وقت كانت ثمة فيه بالفعل  قطاع رأس مالي متطور خاضعة للاحتكارات الأجنبية أو المرتبطة بها مثل التجارة الخارجية، الصناعة الاولية لغرض التصدير ، النقل ، الميناء ، أي أصبحت المجالات العليا والمتوسطة من التجار التصديرية قد تم الاستيلاء عليها وهي المجال التي تدر ارباحاً عالية والمجال الأوسع للتراكم . فضلا انه لم يكن في العراق كوادر فنية وادارية من ذوي الخبرة في ادارة الأعمال الصناعية بسبب السياسة التعليمية المتخلفة التي سارت عليها الدولة العثمانية .

وقد ركزت البرجوازية العراقية نشاطها في تجارة المنتجات الزراعية وأعمال الربا و حيازة الأرض ، كما شغلت نظام التزام الضرائب الحكومية في نظام الاستغلال الإقطاعي للفلاح العراقي . (58)  وكانت ترى هذا المجال أفضل المجالات للحصول على الربح بمزيد من السرعة نطراً لدوران رأس المال بمزيد من السرعة وقلة مخاطرها .

لقد وظف بعض من رجال الأعمال العراقيين قسم رأسمالها في مجالات النقل البري والبحري وخاصة في المدن الكبرى كالبصرة وبغداد واطرافها . (59)  وكما تم تشييد الفنادق ، وافتتح أول دور للسينما في بغداد في عام 1911 . (60)

وهناك أمثلة منفردة تدل على محاولة التجار ورجال المال العراقيون بتردد كبير القيام ببعض المشاريع الكبيرة إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل . فقد حصل محمود جلبي الشابندر في 28 شباط 1912 ، حق تأسيس ترامواي كهربائي مع امتياز اقامة محطة كهربائية في بغداد . بالرغم من الجهود التي بذلت من اجل انجاح المشروع ، إلا أنها لم يرى النور وبالأسلوب نفسه مشروع اخر لتأسيس خط حديد بين بغداد وخانقين بالرأسمال الوطني . (61)

بإحتلال العراق في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 ، تعقدت الأمور أكثر فأكثر وعرقلت تنمية وتطور العلاقات الرأسمالية في البلاد واتخذت سلطات الاحتلال البريطاني العديد من القوانين والتشريعات التي تخدم مصالحها الحيوية وتحد من نشاط رأس المال الوطني والتي تؤدي إلى تنمية الإقطاعية وشبه الإقطاعية بالشكل التي تضفي عليها طابعا وحشيا ضاريا التي يمكن أن تساهم في ظروف العراق حينذاك في توسيع النشاط الاقتصادي في الريف وزيادة الإنتاج وضمان عدم نهب موارد العراق ، كما أنها ضيقت كثيراً في النشاط السلعي الصغير وحددت من إمكانيات تطوره الى إنتاج سلعي رأسمالي ، وعرقلت أي نشاط مستقل للبرجوازية العراقية في المجالات الأخرى كالتجارة والنقل والمواصلات وليس عبثا أن السفن النهرية العائدة الى الأسطول الحربي لم يجري بيعها في العراق وانما بيعت في بومباي وقد ادت ذلك الى اضاعة الفرصة أمام البرجوازية العراقية للمشاركة في المزايدات التي كانت تجريها السلطات المحتلة.(62)  كما برز قطاع صناعي اجنبي واصبحت هذا القطاع المسيطرة على البنية الاقتصادية في البلاد . وبلغت الرساميل المستثمرة في مشاريع السكك الحديدية والميناء وشركة نفط العراق وشركة نفط خانقين وجمعية زراع القطن البريطانية أكثر من (80) مليون دينار(63)

بعد تصاعد الحركة الوطنية العراقية المعادية للاحتلال والانتداب البريطاني والدعوة إلى استقلال البلاد إضافة إلى ذلك ، أن الرأس المال الأجنبي لم توظف رساميلها في إنشاء الصناعة ، بل جعلت البلاد سوقا لتصريف بضائعها المصنعة وتزويد الخامات والتركيزعلى صناعة النفط فقط، وكما أدت الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت الدول الرأسمالية في الفترة ( 1929- 1933 ) ، الى تناقص الصادرات واقفال الأسواق العالمية كما حدث أثناء الحرب العالمية الأولى ،  مما أجبرت الحكومة العراقية الى اتخاذ بعض الإجراءات لحماية الصناعة الناشئة في العراق .

في منتصف  العقد الثاني من القرن العشرين ووضعت البرجوازية المحلية الحجر الأساس للصناعة الوطنية ، فقد بدأ رجال الأعمال العراقيين التوجه الى توظيف أموالهم في قطاع الصناعة  ولاسيما في المجالات التي تكون أقل تعرضاً لمنافسة السلع الأجنبية والتي يسهل تهيئة الكوادر الإدارية والفنية من ذوي الخبرة والكفاءات  لها . ففي عام 1926 أسس نوري فتاح باشا أول معمل حديث للنسيج بالرأسمال الوطني وقد اتسعت هذا المعمل خلال الثلاثينيات وتبعه آخرون منهم ، الحيدري ، والخضيري في تأسيس شركات مماثلة (64)

وبحلول أواخر العشرينيات ، كانت الصادرات العراقية تتناقص بحدة ، كما كانت الخيارات المتاحة أمام المنتجين والتجار العراقيون لمواجهة هذه المشكلات تختفي بسرعة بسبب الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم الرأسمالي . وفي تلك الفترة تدنت أسعار المنتوجات الزراعية ما بين ( 75%  – 80% ) وانخفض الصادرات بنسبة ( 40 % – 60%  ) ، وانخفض بشكل أكثر خطورة على المنتوج التي تشتهر بها العراق أكثر من غيرها من المنتوجات الزراعية (التمور) ، حيث أن صادرات التمور كانت تشكل ذات أهمية كبرى على اقتصاد البلاد في ذلك الوقت ، كما هبطت تدوال البضائع  في سنوات الأزمة إلى الثلث والواردات إلى أكثر من الربع .(65)

مع انخفاض مدخولية المنتجات الزراعية والتي أنزلت بالتجارة التصديرية أضراراً كبيرة بصورة خاصة بسبب الأزمة العامة للرأسمالية، قد أثارت في أوساط أكبر التجار والملاكين في تغيير مجرى استثماراتهم، إلا أنه بدلاً أن يحولوا رؤوس أموالهم نحو الإنتاج الصناعي من خلال تأسيس الشركات المساهمة . فإن البرجوازية التجارية وكبار الملاكين قد ركزو مصالحهم نحو الاستثمار العقاري وخاصة في مدينة بغداد ، بعد أن ازداد الطلب من جانب ارستقراطية المدن وكبار الملاكين على بناء الدور السكنية محاكاة لطراز معيشة الخبراء والمستشارين الإنكليز في العراق .

وخلال ثلاثة أعوام فقط ، أنفق ما لا يزيد خمسة ملايين من الباونات على بناء دور مبعثرة هنا وهناك .. نفقة بناء البالغة عشرات الألوف من الروبيات لكل دار .

أن الاستهلاك الطفيلي للطبقات المالكة وإنفاق مبالغ كبيرة على المضاربات العقارية وسواها ، تضيق قاعدة الإنتاج الموسع .

بعد الشروع في بناء الدور السكنية ، حدث تطور ملموس في الصناعات الانشائية ولا سيما معامل الطابوق في الفترة ما بين ( 1929 – 1939) ، حيث ازدادت عدد المعامل من معملي الى الى ثلاثة عشر معملا تعمل بقوة البخار ، لا يقل رأسمال جميع هذه المعامل عن 1950 دينار . (66)  كما منح حق الامتياز الى ياسين الهاشمي وشركائه في سنة 1932 . (67)

لقد كان لإقامة أول معمل صغير لصنع السكاير في عام 1926 الذي أسسه  شخصان لبنانيان ( طبارة وعبود ) الأثر الكبير في تشجيع رجال اعمال العراقيين عن استغلال رؤوس أموالهم في مجال الصناعة :

ففي أواسط الثلاثينيات بلغ أحد عشر معملاً بعد أن تأسس أول معمل للسكاير في بغداد بالرأس المال الوطني في عام 1929 . كما تأسس معملان للدباغة إحداهما في بغداد والآخر في الموصل . (68)

وقد شهدت هذه الفترة أيضا تحول أقلية من البرجوازية التجارية الوطنية الى الإنتاج الصناعي وخاصة الصناعات الاستهلاكية وساعد على ذلك الحماية الجزئية التي طبقت من قبل الحكومة، وكانت تؤمن بعض الامتيازات  للشركات الصناعية والذى تشمل بفرض الحماية الكمركية بعد صدور قانون  1929 لتشجيع الصناعة وعدل هذا القانون بأخرى في عام 1931 والذي تضمن إعفاء الصناعات من الضرائب الكثيرة ، كما أصدرت السلطة في عام 1933 ، تعريفة كمركية جديدة ، وقد تحددت في التعريفة الرسوم الكمركية على أساس تميز السلع المستوردة وفقاً لدرجة الضرورة ومرحلة التطور . (69)

وفي أواخر العشرينيات ، بدأت الرأس المال الوطني تنافس الشركات الأجنبية في الصناعات المخصصة للتجارة التصديرية ، فقد تأسست في عام 1929 – 1930 شركتان بالرأسمال الوطني اختصت في مجال

حلج الأقطان بعد أن كانت هذا القطاع احتكرت منذ عام 1920 من جانب الشركات البريطانية لزراعة القطن وكانت السعة الإنتاجية لهذين الشركتين كافية لإعداد القطن العراقي للتصدير(70)

  الخاتمة

لم تكن العلاقات الاجتماعية الإقطاعية للدولة العثمانية الحاجز الوحيد في بلاد مابين النهرين تعرقل التحولات الرأسمالية في البلاد ، بل أن تزايد دور العوامل الخارجية ولا سيما بعد انخراط البلاد في الاقتصاد العالمي الذي سبق العديد من التطورات الداخلية المؤدية إلى التشكيلة الرأسمالية قد أضعفت نمو البرجوازية الوطنية بحيث لم تتمكن أن تصبح قوة اقتصادية وسياسية قادرة أن تحظى بالمواقع والامتيازات الطبقية التى حظيت بها البرجوازية في بقية البلدان وحتى الحرب العالمية الأولى لم تقم البرجوازية بأي دور مستقل وكانت خاضعة بشكل كامل للاحتكارات الأجنبية.

بعد الاحتلال البريطاني للعراق ازداد الوضع تعقيداً وأصبح سلطات الاحتلال  عائقاً أمام تطور الرأسمالية حيث عملت في هذه الفترة وفيما بعد في عهد الانتداب كل ما وسعها من أجل خلق القاعدة المادية التكنيكية للاستغلال الإمبريالي والتي تجسدت في عملية مد خطوط السكك الحديدية وبناء الموانئ والمستودعات وتنظيم الإنتاج البضاعي واستخراج المواد الاولية التي تحتاجها الدول الرأسمالية المتطورة . وكان من نتائج هذه العملية بروز قطاعي أجنبي واصبحت هذا القطاع العنصر السائد في البنية الاقتصادية في العراق .

  الهوامش

(1)    – الدكتور وميض جمال عمر نظمي ، ثورة 1920 ، ( الجذور السياسية و الفكرية والاجتماعية للحركة القومية العربية والاستقلالية في العراق ) الطبعة الثانية ، بغداد 1985، ص 40 – 41

(2)    –  محمد توفيق حسين ، عندما يثور العراق ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1959 ص 72

يرجع نشوء المصالح البريطانية في العراق الى عام 1643 عندما أسس شركة الهند الشرقية وكالة تجارية في البصرة ، لتشرف على مصالحها في وادي الرافدين ، كان رئيسها يشغل منصب

القنصل البريطاني . وكان لهذه القنصلية وكيل عراقي في بغداد حتى سنة 1798 إذا وضعت    الشركة ممثلا لها في بغداد اعترف به السلطان العثماني .

(3)    – لوتسكي ( تاريخ الأقطار العربية الحديث) دار التقدم ، موسكو 1971. دار الفارابي . بيروت .ص 89

(4)    – د. محمد سلمان حسن . ( التطور الاقتصادي في العراق ) الجزء الأول . المكتبة المصرية . صيدا . بيروت . ص 317

(5)    – لوتسكي ، نفس المصدر السابق ،  ص 20

(6)    – د . محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص 44

(7)    –  ل.ن . كوتلوف ((ثورة العشرين التحررية في العراق )) ترجمة الدكتور عبد الواحد كرم مطبعة أوفست الديواني بغداد ، 1985، ص 79

(8)    – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص 7

(9)   – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص 94-102

(10)          – بوندا فسكي ، سياستان إزاء العالم العربي ، دار التقدم ، موسكو، 1975 ، ص 9

(11)          –  ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص 100

(12)          – لوتسكي ، نفس المصدر السابق ،  ص 390

(13)          – محمد توفيق حسين ، نفس المصدر السابق ،  ص 73- 74

(14)          – محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص 255

(15)          –  محمد توفيق حسين ، نفس المصدر السابق ،  ص 75

(16)          – السير بيرسي كوكس يحاضر امام الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، آفاق عربية العدد 2  ، شباط 1985 ، ص 35

(17)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص 117

(18)          – ستيفن همسلي لونگوریك . العراق الحديث من سنة ( 1900- 1950 ) الجزء الأول ترجمة  سليم طه التكريتي ، الطبعة الاولى ، بغداد ، ص. 31

(19)          –  ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 93

(20)          – د . محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص . 151

(21)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص. 94

(22)          – د . محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 221

(23)          – وكانت الشركات الأجنبية الخمسة التي تشكلت في بغداد مكونة من شركتين بريطانيتين

أسست في عام 1839 – 1840 وشركتين يونانيتين وأخرى سويسرية ، أسست في عام 1859 1860

(24)          – د . محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 263- 269

(25)          – بوندا فسكي ، نفس المصدر السابق ، ص . 26- 27

(26)          – صدى بابل ، السنة 1 ،العدد 20 ، 31 كانون الأول  1909 ، في أواخر عام 1909 رفع وجهاء بغداد التماسا بعدم تمديد (فرمان) الشركة، حتى عرضوا دفع جميع التكاليف المترتبة على على إلغاء حقوق الشركة البريطانية .

(27)          –  ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص. 86

(28)          – الدكتور وميض جمال عمر نظمي ،  نفس المصدر السابق ، ص. 42-43

(29)          – لوتسكي ، نفس المصدر السابق ،  ص .35

(30)          – بوندا فسكي ، نفس المصدر السابق ، ص .155

(31)          – كانت أسهم الشركات على الشكل التالي :- شركة الاناضول 10% ، الكتلة الألمانية 10%، الكتلة الفرنسية 25%، الكتلة الانكليزية 25% ، الكتلة النمساوية والسويسرية 15% ، وغيرها داخلة في كتلة البنك الألماني يساوى 100% .

(32)          – د. محمد ريشة ، أثر الرساميل الاجنبية في الصناعة الحرفية وتكوين الطبقة العاملة من 1850- 1914 ، مجلة قضايا عربية العدد 11- 12 ، السنة الثانية تشرين الأول وكانون الاول ، 1981 ، ص . 98-99

(33)          –  بوندا فسكي ، نفس المصدر السابق ، ص . 269

(34)          – د. كمال مظهر احمد ، الطبقة العاملة العراقية ( التكوين وبدايات التحرك )  الجمهورية العراقية ، وزارة الثقافة والإعلام ، دار الرشيد ، سلسلة دراسات ، 1980 ص . 20

(35)          – د . محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 465

(36)          – د. كمال مظهر احمد ، نفس المصدر السابق ، ص.

(37)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 75

(38)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 29

(39)          – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 256 – 257

(40)          – لوتسكي ، نفس المصدر السابق ،  ص . 22

(41)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 83-84

(42)          – د. كمال مظهر أحمد ، صفحات من تاريخ العراق المعاصر ، دراسة تحليلية ، بغداد ، الطبعة الاولى ،1987 ،منشورات مكتبة البدليسي  ، ص . 33

(43)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 80 – 82

(44)          – سعيد عبود السامرائي ، سياسات التصنيع والتقدم الاقتصادي في العراق ، النجف، 1973،

ص . 53- 63 ، عن خالد محسن الراوي تاريخ الطبقة العاملة العراقية 1968 – 1975 ،

الجمهورية العراقية وزارة الثقافة والإعلام ، دار الرشيد للنشر 1982

(45)          –  ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 81

(46)          –  ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 111- 117

(47)          –  د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 223

(48)          – فيليب ولا رد ايلاند ، العراق دراسة تطوره السياسي ، ترجمة جعفر الخياط ، دار الكشاف ، بيروت 1949

(49)          – احلام حسين جميل ، الخلفية السياسية والاجتماعية ، الدار العربية للموسوعات ، الطبعة الأولى ، بيروت 1986 ، ص . 81- 82

(50)          – د. كمال مظهر احمد ، الطبقة العاملة العراقية ، نفس المصدر السابق ، ص . 69

(51)          – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 281 – 283

(52)          – د. كمال مظهر احمد ، نفس المصدر السابق ، ص.  67- 68

(53)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 84 – 85

(54)          – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 286

(55)          – ل.ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 84 – 92

(56)          – ستيفن همسلي لونكريك، العراق الحديث من سنة 1900 _ 1950 ، الجزء الأول ، ترجمة وتعليق سليم طه التكريتي ، دار الفجر، الطبعة الاولى ك بغداد 1988 ، ص. 98

(57)          – د. ن . ب شميليوف ، التنمية الاقتصادية في العالم الثالث ، ترجمة د. مطانيوس حبيب و شوكت يوسف ، دار التقدم العربي ، دمشق ، ص . 65

(58)          – ل . ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 94

(59)          – د. كمال مظهر احمد ، نفس المصدر السابق ، ص. 23

(60)          – ستيفن همسلي لونكريك،  نفس المصدر السابق ، ص. 98

(61)          –  د. كمال مظهر احمد ، نفس المصدر السابق ، ص. 21-22

(62)          –  ل . ن . كوتلوف ، نفس المصدر السابق ، ص . 120

(63)          – الدكتور صباح الدرة ، التطور الصناعي في العراق ، بغداد ، ص .  5 – 6

(64)          – د. كمال مظهر أحمد ، صفحات من تاريخ العراق المعاصر، نفس المصدر السابق، ص. 35

(65)          – م . كوبرمان ، الحركة العمالية في العراق ، مجلة الشرق الثائر العدد 6 ، 1934 موسكو ص . 84 من الثقافة الجديدة ، العدد 24 ، أيار 1971 ص. 98 – 99

(66)          –  د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص. 304 – 305

(67)          – ستيفن همسلي لونكريك،  نفس المصدر السابق ، ص.  342

(68)          – صادق قدير الخباز نصف قرن من تاريخ الحركة النقابية في العراق ، مطبعة العمال المركزية ، بغداد ، 1971 ص. 18

(69)          – جواد هاشم ، حسين عمر ، تقيم التحولات الاقتصادية في العراق (1925 – 1970 ) ، الجزء الأول ، بغداد ، مطبعة وزارة التخطيط ، ص .  139 – 157

(70)          – د. محمد سلمان حسن ، نفس المصدر السابق ، ص . 290

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.