الرائدة الفلسطينية كلثوم عودة… المغتربة في الاتحاد السوفييتي .., أول أكاديمية عربية

الناصرة ـ «القدس العربي»: اشتهرت كلثوم عودة، ابنة مدينة الناصرة، بكونها أول أكاديمية فلسطينية قبل وقوع النكبة. فهي حاصلة على شهادة الدكتوراه وعملت أستاذة في جامعة ليننغراد بعد اقترانها بطبيب من روسيا حيث عاشت ورحلت هناك… ولدت في أبريل/ نيسان عام1892 وتوفيت في أبريل/ نيسان عام 1965. وتوضح مؤسسة الدراسات العربية التي اختارت استذكار سيرتها تزامنا مع شهر ولادتها أبريل/ نيسان أن كلثوم عودة تميّزت بإقدامها على العمل، إذ هي مارست التعليم منذ شبابها، ونشرت مقالات في بعض الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية، كما عملت في التمريض خلال الحرب العالمية الأولى، وتمكنت من تذليل جميع العقبات التي واجهتها في حياتها، مخلفة لنا سيرة امرأة عصامية رائدة من نساء فلسطين.
وكانت الابنة الخامسة لوالدين ينتظران ولادة الصبي الأول في العائلة، غير أن الطفلة «خيّبت الآمال» بقدومها، فلم تستقبلها العائلة بالترحاب، ومن سوء حظها أنها لم تتمتع بجمال يشفع لها، فكبرت الطفلة السمراء النحيلة، وهي لا تذكر أن والديها عطفا عليها يوماً، بل تذكر كيف كانت أمها تتهكم عليها لبشاعتها. ولم يكن أمامها من خلاص سوى الذهاب إلى المدرسة، فعارضت أمها بشدة، غير أن والدها رغب في تعليمها فأرسلها إلى مدرسة ابتدائية من مدارس الجمعية الفلسطينية ـ الروسية. ودرست الصغيرة بجد ومثابرة حتى نالت الدرجة الأولى، ولما كان النظام يفتح المجال أمام الطالبة الأولى لتكمل دراستها في مدرسة داخلية مجّاناً، فقد انتقلت إلى دار المعلمات الروسية في بيت جالا، وحصلت على الدرجة الأولى بعد سبع سنوات، وكانت تعتز بأستاذها في اللغة العربية خليل السكاكيني.
عادت كلثوم عودة إلى الناصرة وامتهنت التعليم في مدارس الجمعية الروسية، وأخذت تنشر مقالاتها في مجلات «النفائس العصرية» في حيفا و«الهلال» في القاهرة و«الحسناء» في بيروت.
تعرفت على الطبيب الروسي إيفان فاسيليفا وهو الطبيب المشرف على صحّة الطالبات فجمع الحب بينهما، غير أن والديها لم يسمحا لها بالزواج منه، ووقف إلى جانبها قريب من أبناء الناصرة العقلاء، وهو نجيب عودة الذي رافقها والطبيب الذي اختارته شريكاً لحياتها إلى القدس، حيث تمت إجراءات الزواج في الكنيسة الروسية في حي «المسكوبية» وذلك في سنة 1912 ثم عاد بهما إلى الناصرة، فرضخ الأهل للأمر الواقع. ورحل الزوجان إلى روسيا في الباخرة عام 1914، وتزامن وصولهما مع قيام الحرب العالمية الأولى، فعانت الأهوال من الحرب والبرد الشديد، وسرعان ما التحقت بالصليب الأحمر فدرست التمريض وعملت ممرضة في صربيا وفي الجبل الأسود، ثم انتقلت مع زوجها إلى أوكرانيا لتعمل في مكافحة وباء التيفوس، وفي سنة 1917 مرض زوجها ولم يطل صراعه مع المرض، فرحل تاركاً لها ثلاث صغيرات كبراهن في الخامسة وصغراهن طفلة رضيعة.

الزوج الطبيب

كانت السنوات ما بعد وفاة زوجها هي الأصعب، لكنها تقبلتها بشجاعة كبيرة وعزم قوي لم يؤديا بها إلى تخطي الصعوبات فحسب، بل إلى شعورها حقاً بالسعادة لكونها نجحت في تدبير شؤون بناتها الصغيرات، كما نجحت في مساعدة الآخرين، وتلك سعادتها الكبرى كما يؤكد دوما قريبها الصحافي نبيل عودة المقيم في الناصرة. وهي أيضا روت هذا الجانب من حياتها عبر مشاركتها في مسابقة مجلة «الهلال» المصرية في سنة 1947 وتضمنت المسابقة سؤالاً واحداً « كيف يعيش المرء هنيئاً؟» وتألفت لجنة الحكام من كبار الكتّاب والأدباء في مصر.
فازت كلثوم عودة بالجائزة مع أن حياتها لم تتصف بالسعادة كما يفهمها البشر، وقد وصفت مشاعرها بقولها إنها كانت تشعر بالسعادة وهي تسعى لتخفيف آلام الجنود في الحرب، وتشعر بها وهي تقوم بأشق الأعمال بعد وفاة زوجها كي تعيل صغيراتها، فهي من زرعت الأرض وسارت وراء الحصادين لتجمع لفائف القمح، وهي من زوّدت الآلة البخارية بالوقود لدرس القمح. وقالت إنها كانت تشعر بأن عيشها هنيء لأنها لم تشعر مع صغيراتها بالجوع والعوز، وقالت «لم أعرف الاحتياج المادي أو النفساني حتى ولا إبان تلك المجاعة الهائلة وتلك الحروب الفظيعة». وأما الراحة فهي لم تجدها إلا عند تذليل المصاعب، وأما الباعث الحقيقي لسعادتها فهو حبها لكل الناس».

ولدت ورحلت في نيسان وترجمت الآداب العربية والروسيةانتقلت من أوكرانيا إلى ليننغراد عام 1924 والتقت مجددا بالمستشرق اغناطيوس كراتشكوفسكي الذي سبق والتقته في مدرستها في الناصرة وقد لفتت انتباهه تلك المعلمة الموهوبة، ولذلك ساعدها على دخول جامعة ليننغراد، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه في سنة 1928 عن رسالتها حول اللهجات العربية. واستمرت في الجامعة من تقدم الى آخر حتى وصلت إلى درجة «أستاذ» أو «بروفسور» فكانت أول امرأة عربية تنال هذه الدرجة.

بين فلسطين والاتحاد السوفييتي

جابهتها السلطات السوفييتية في سنة1926 بالخيار الصعب بين فلسطين والاتحاد السوفييتي؛ إمّا أن تعود إلى فلسطين مع عدم السماح لها بأخذ بناتها معها، فهن بحكم القانون مواطنات سوفييتيات، وإمّا أن تبقى فتمنح الجنسية، وكان أن اختارت البقاء، غير أنها زارت فلسطين في سنة 1928 واطمأنت على ذويها وأصدقائها، حيث لاقت ترحيباً كبيراً في كل مدينة زارتها. ودرّست في كلية اللغات الشرقية، وعملت في القسم العربي في معهد الفلسفة والفنون والتاريخ، وبعد افتتاح معهد الاستشراق في موسكو، انتقلت من ليننغراد إلى موسكو لتعمل فيه، كما عملت في معهد العلاقات الدولية وفي المعهد الدبلوماسي العالي.

في عهد ستالين

اعتقلت في العهد الستاليني ثلاث مرات في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وخرجت في المرة الأخيرة في سنة 1939 من دون أن تثبت ضدها أية تهمة. وسرعان ما أخذ اسمها ينال التقدير الكبير من قبل الشرائح السوفييتية، وخصوصاً السياسية منها؛ ولذلك، فهي في أثناء الهجوم النازي على الاتحاد السوفييتي خلال الحرب العالمية الثانية، كانت من بين الذين تم إجلاؤهم الى المؤخرة للحفاظ على حياتهم.
وكانت كلثوم عودة أول امرأة تشغل مركز «عضو في جمعية العلاقات الثقافية السوفييتية مع البلدان العربية» وآمنت بأن الأدب هو الطريق إلى القلوب الإنسانية، وابتدأت بترجمة الأدب السوفييتي إلى اللغة العربية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية، ثم أخذت بترجمة الأدب العربي إلى الروسية، وهي من ساهم مساهمة كبيرة في إقامة جسر حضاري بين روسيا والعالم العربي وتعريف الروس بالعرب ومُنحت وسام الشرف في عيدها السبعين. وتقلدت وسام «الصداقة بين الشعوب» وهو أرفع وسام تمنحه السلطات السوفييتية لشخصيات تكرس علاقات الصداقة ما بين الشعب السوفييتي والشعوب الأخرى. ومنحتها منظمة التحرير الفلسطينية بعد وفاتها «وسام القدس للثقافة والفنون والآداب» في كانون الثاني / يناير سنة 1990 تقديراً لدورها الثقافي والسياسي في روسيا. توفيت في 24 نيسان/ابريل 1965 ودفنت في اليوم التالي وحضرت جنازتها أعداد كبيرة من الأساتذة والعلماء والطلاب والفلاحين، كما حضرها وزراء ومسؤولون كانوا من طلاّبها، ودفنت في مقبرة الأدباء والعلماء بالقرب من موسكو. من آثارها «المنتخبات العصرية لدرس الآداب العربية» مع مقدمة لأغناطيوس كراتشكوفسكي. ليننغراد وكذلك كراتشكوفسكي، أغناطيوس، « حياة الشيخ محمد عياد الطنطاوي» ترجمته من الروسية. والقاهرة: المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، 1964. وترجمت كذلك كتابه «حضارة العرب في الأندلس». كما ترجمت من العربية إلى الروسية كتاب «الأرض واليد والماء» للأديب العراقي ذي النون أيوب والمجموعات التالية «قصص الأدباء العرب» في سنة 1955 «الروايات المصرية» في سنة 1956 «قصص الكتّاب السوريين» في سنة 1958 «قصص كتّاب لبنان» في السنة نفسها، «الرواية العربية المعاصرة». كذلك نشرت عشرات المقالات والقصص القصيرة في مختلف المجلات والصحف الروسية.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.