مؤتمر نيويورك ومراهنات الفشل / د.خيام الزعبي
د.خيام الزعبي * ( سورية ) الجمعة 18/12/2015 م …
*صحفي وكاتب سياسي…
بعد المؤتمر الذي انعقد في الرياض قبل عدة أيام لحل الأزمة السورية وإنهاء الصراع هناك، يبدو الوضع أعقد من إدراكنا وتصورنا لحله كون المزاج السياسي للقوى السياسية الفاعلة على الساحة لم يكن في أحسن حالاته، وكانت نظرية المؤامرة هي المسيطرة والمسيّرة للأعضاء المشاركين في المؤتمر، إذ لم أدرك ما هو معنى أن تسعى الرياض وحلفاؤها من الدول الأخرى وذلك عبر حلقات متكررة إلى التوفيق ما بين حكومة شرعية تحكم البلاد، ومعارضة مسلحة غير معترف بها دولياً، كما لا أفهم تلك الرغبة المستمرة على تسليح القوى المتطرفة في سورية وعدم التعاون الكامل في مكافحة داعش أو الإصرار الشديد على تقسيم الإرهابيين إلى طيبين وأشرار، بما يفتح الباب واسعاً أمام ميليشيات ما يسمى بداعش بالتمدد والانتشار على نحو مرعب، هذا مما يسهم في إجهاض عملية التفاوض وعدم الوصول إلى حل للصراع في سورية، خاصة أن الدور الخارجي لعب دوراً سلبياً خلال السنوات السابقة من خلال تكريس حدة التناقض بين الأطراف السورية عبر الدعم السياسي والعسكري لهذا الطرف أو ذاك.
مؤتمر نيويورك المزمع عقده اليوم والذي جاء الإعلان عنه بعد فشل الغرب وحلفاؤه الإقليميين في تحقيق أي نجاح ملموس على الساحة السورية، وبعد العزلة الدولية للمؤتمر الذي عقد في الرياض وخرج بيانه الختامي بصورة سريعة وتم إعداده في الغرف المغلقة من دون حضور ومشاركة جميع الأطراف السياسية وأصحاب الشأن الداخلي ومن الفاعلين الرئيسيين سواء في الإقليم أو في المجتمع الدولي، إذ لا يمكن اعتبار موقف المعارضة في مؤتمر الرياض هو العنصر الرئيسي الحاسم المؤدي إلى الانخراط في عملية تفاوضية سياسية فثمة مواقف لأطراف دولية وإقليمية أخرى معنية في الأزمة السورية أولها إيران التي لم تبد ارتياحاً لما جرى في السعودية, ووجهت انتقادات حادة جاءت إنسجاماً وإتساقاً مع حليفتها دمشق, فضلا عن روسيا التي تعاملت بحيادية مع مخرجات مؤتمر الرياض مع الرفض المطلق للمساس بوضعية الرئيس الأسد على رأس السلطة في دمشق، وعلى الرغم أن روسيا والولايات المتحدة هما الراعيان للجهود الدولية للوصول إلى وقف لإطلاق النار وإجراء محادثات سياسية بين نظام السوري والمعارضة المسلحة، إلا أن الخلاف يدور بينهما بشأن مصير الأسد وأساليب قتال تنظيم داعش، وفي الاتجاه الأخر شدد الرئيس في مقابلة صحفية عقب صدور البيان الختامي لمؤتمر الرياض بساعات قليلة على رفض مشاركة حكومته في التفاوض مع ما وصفها بالجماعات الإرهابية وهو التعبير الرسمي الذي يضع كل فصائل المعارضة في خانة الإرهاب، وعندما سئل الرئيس الأسد عما إذا كان يريد التفاوض مع جماعات المعارضة التي اجتمعت في الرياض فأجاب قائلاً “عندما تكون مستعدة لتغيير منهجها والتخلي عن سلاحها فإننا مستعدون، أما أن نتعامل معها ككيانات سياسية فهو أمر نرفضه تماماً”.
فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية يدرك جيداً وجود تحالف غربي-عربي لتحقيق مصالحه وأهدافه في سورية، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له هذه الدول لتلعبه في المنطقة، فيبدو أن هذه الأطراف الدولية لا تريد للأزمة السورية أن تنتهي، فعملت على إشعال فتيل الصراعات وإثارة المشكلات بين الدول الكبرى لصرف نظرها عن هدفها الرئيسي المتمثل في القضاء على داعش والمجموعات المسلحة الأخرى، ومن هنا يحاول الغرب ووكلاؤهم الإقليميون لتحقيق هدفهم الرئيسي ألا وهو دمج المتطرفين في العملية السياسية الانتقالية في عدد من الدول التي دمرها ما يسمى بالربيع العربي، مع إعطاء أولئك المتطرفين اسما هو الإسلاميون المعتدلون، لذلك لا يبحث الغرب سوى عن تحقيق هدف واحد وهو تحقيق أمن إسرائيل وترسيخ وجودها على حساب الدولة السورية ومصالح الشعب السوري كما حصل في العراق التي كانت من أحد أهم أسبابه ضرب البوابة الشرقية للوطن العربي التي تشكل العمق الإستراتيجي للدفاع عن الأمن القومي العربي.
وإنطلاقاً من حرصي الوطني على تقديم رؤية للمفاوضين في نيويورك من باب ضرورة قيامنا كأكاديميين بدور يخدم الوطن، أرى بأن المقوم الحقيقي لنجاح هذا المؤتمر, والذي يمثل التحدي الأكبر, هو سبل تحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية بين كل أبناء الشعب السوري وإعادة اللحمة الوطنية للنسيج المجتمعي بعد الشروخ الكبيرة التي تعرض لها نتيجة لصراعات السنوات السابقة وما خلفته من قتل ودمار, ولذلك من المهم عقد مؤتمر وطني للمصالحة الوطنية يشمل كافة أطياف وفصائل الشعب السوري بمن فيهم المعارضة في الداخل والخارج ممن لم تلوث أيديهم بالدماء والفساد, وأن يكون هناك هدف مشترك للجميع يتمثل في بناء الدولة السورية الوطنية الحديثة والحفاظ على وحدتها وسيادتها واستقرارها, وإعادة الإعمار وأن يستوعب الجميع درس السنوات الخمس الماضية في أن الكل خاسر من الصراع واستمراره، ويبقى أمام الغرب وحلفائه فرصة أخيرة قد يلجأ إليها لتحقيق مكسب إيجابي يتمثل في إمكانية تغيير سياسته في المنطقة العربية من خلال إيجاد قنوات إتصال مع النظام السوري والتعاون للقضاء على داعش ومساعدة دمشق في إعادة ترميم ما دمرته الحرب وترميم العلاقة بين دول المنطقة العربية.
وأختم مقالي بالقول أن سياسة التخبط والتردد التي اتبعها الغرب وحلفاؤه فشلت في هزيمة الشعب السوري من خلال توجيه بوصلة حب الوطن ضد كل ما تقوم به أمريكا ومحاصرة كل مغامرة تؤدي إلى ضرب هذه الوحدة وزعزعة السلم الأهلي، وعليه أتمنى من كافة الدول أن ترفع يدها عن سورية وأن تتوقف عن التدخل في شؤونها الداخلية، وأن يجرى اتفاق على إنهاء ظاهرة الميليشيات والقوى المتطرفة المتفاقمة، وتجميد كل أشكال الدعم الغربي لهذه المجموعات ووقف ضخ الإرهابيين بالمال والسلاح إلى وطننا الكبير سورية ليعود السلام والاستقرار إليه بعد أن حولوه إلى أرض للقتل والدمار.
التعليقات مغلقة.