نهاية المسرحيات العثمانية / نارام سرجون

 

نارام سرجون ( سورية ) السبت 19/12/2015 م …

تكاد الأيام لاتعرف الأيام .. وتكاد الأيام تطعن الأيام .. ويكاد أول الرواية يقتل آخر الرواية ..وصرنا في زمن لاندري فيه أين هو أول القصة وأين هي نهايتها ..

لأن النهاية هي ذات البداية مثلها مثل الدائرة حيث نقطة البداية هي نقطة النهاية .. فقد انتهى أخيرا المسلسل التركي الطويل (سفينة مرمرة) الذي دام بضع سنوات حتى كاد الناس في المقاهي ينسون سيف عنترة لصالح بطل مرمرة .. وكذلك فقد كتبت رواية دافوس الأسطورية خاتمتها المسرحية التي تشبه بدايتها حيث انتهت مغامرات الزير التركي الذي جعل الناس يعتقدون أن الزير سالم أبو ليلى المهلهل هو ذاته الزير التركي طيب أبو سمية المهلهل ..

عجيب أمر هذا الزمن الذي خلع ثياب الأيام عن أجسادها وهتك عرضها وجعلها تسير في الدنى حافية القدمين دون ستر أو قماش أو نعل .. ولاندري ماذا سيفعل مفتي الناتو يوسف القرضاوي بصاحبه أردوغان الذي خلع عليه ثياب موسى وأعطاه عصا النبوة وقال ان أردوغان وأوغلو مثل موسى وهارون .. وربما أصاب القرضاوي لأول مرة في تشبيهه حيث يبدو أن أردوغان (أو النبي موسى على ذمة القرضاوي) قد ظهر سره الخفي على أنه أحد ملوك بني اسرائيل الجدد فعلا وأن أخوّته لنتنياهو ليس فيها شك ..

لم يثر دهشتي ماقيل أن العلاقات التركية الاسرائيلية الحميمة ستعود الى حميميتها وستشهد انعطافا خلاقا .. بل ماأدهشني هو الباس الخبر على الشاشات تلك الثياب الحمراء الخاصة بالأخبار “العاجلة” .. لأنني لم ار في الخبر شيئا عاجلا بل كان أن يكتب عليه أنه “خبر متأخر جدا” وعتيق ومنخور وليس فيه شيء طازج لأنه متعفن .. كما أن نقل الخبر على أنه عاجل احتقار لنا واستغباء للجمهور وكأن الناس لازالت تتعلم أبجديات السياسة بعد خمس سنوات من أبجديات الرصاص والدم التي جعلت كل بيت سوري أكاديمية في السياسة وجعلت كل شخص سوري سفيرا فوق العادة ويفهم في خفايا الدول وكواليس الديبلوماسية .. لذا فان نقل الخبر على أنه عاجل وسر خطير يريد أن يقول لنا خبرا أكثر عجلة منه وهو أننا جمهور من المغفلين والأغبياء .. لأن هذا الخبر ليس عاجلا ولاآجلا للسوريين .. بل هو خبر عاجل للأغبياء .. وهو قديم مثل ثوب ممزق .. وصار من الأخبار التي تباع في سوق البالة مثل الثياب القديمة التي انتهى زمنها .. ونجده في سوق الأنتيكات والسيارات المستعملة ..

فماذا تريد العلاقات التركية الاسرائيلية من تلاق وحميمية أكثر مما لاقته خلال السنوات الخمس الماضية؟؟ البلدان يدعمان جبهة النصرة .. فأبو محمد الجولاني يتمدد في ادلب وفي ظهره أردوغان وحزب العدالة .. والجولاني كان يتمدد في القنيطرة وعلى حدود الجولان وفي ظهره نتنياهو وكل اسرائيل وجيش اسرائيل .. والأتراك يخربون الحدود السورية شمالا والاسرائيليون يخربونها في درعا ومنطقة الجولان .. والبلدان ينسقان مع داعش ويتقاسمان السرقات .. فتركيا تشتري النفط السوري والعراقي بثمن بخس وتبيعه بثمن بخس لاسرائيل .. واسرائيل تشتري الآثار السورية العراقية من السوق التركية .. واسرائيل تطلب من المسلحين في الجنوب السوري تدمير كل وسائل الدفاع الجوي السورية وتطلب قتل كل ضباط الدفاع الجوي وسلاح الاشارة واعدامهم بمجرد أسرهم .. وتركيا تطلب من مسلحيها نفس الطلب وتزيد بأن تقطع رؤوس الطيارين السوريين الذين كانت اسرائيل تدرب طياريها لمواجهتهم ..

وماذا تريد الحميمية بين تركيا واسرائيل أكثر مما تلاقيه؟؟ فتركيا تريد محو ذاكرة الشرق العربي انتقاما لهزيمة الامبراطورية العثمانية واسرائيل تريد محو ذاكرة الشرق كله انتقاما لخراب الهيكل وسقوط أورشليم على يد محاربي سورية القديمة .. وماذا تريد العلاقات التركية الاسرائيلية أكثر من هذه الحميمية وكلا البلدين يتشاركان في تقديم صورة العربي على أنه متوحش همجي لايحترم الحرية ولايستحق الا الموت .. أو أن تحكمه الجيوش الانكشارية أو جيوش الناتو ؟؟

ماذا تريد العلاقات التركية الاسرائيلية أكثر من هذا المستوى من الحميمية؟؟ فالشرق كله الذي كان يحارب حتى اسم اسرائيل ويبحث عن القدس جعلته تركيا منقسما بين سني وشيعي .. وشطرت الناس أحيانا بين عثماني وصفوي .. وبعثت معارك صفين والجمل في كل شارع وفي كل بيت .. والدول العربية الوحيدة التي جاهرت بالعداء لاسرائيل كلها سقطت في براثن منظمات اسلامية ترعاها تركيا والموساد .. من العراق الى سورية الى مصر الى ليبيا .. واليمن ..وتركيا هي التي تتوسط بين الاخوان المسلمين السوريين واسرائيل وحصلت على تنازلهم عن الجولان لاسرائيل وكلفوا كمال اللبواني بزيارة اسرائيل وتسليمها صك التنازل .. وتركيا سرقت حماس من غزة ودمشق وكل التخوم وأسكنتها فسيح الجنات النفطية والغازية وفي قلب قاعدة العيديد .. وجعلت صواريخ حماس وحفارات الانفاق تنتقل من غزة الى دوما وجوبر لتقصف القذائف والصواريخ دمشق وأحياءها القديمة واسوارها العتيقة بدلا من مستوطنات سديروت وتل أبيب .. وبعد هذا يقولون ان هناك فتورا في العلاقات التركية الاسرائيلية ..

الحقيقة التي يجب قولها للناس هي أن تركيا الأردوغانية هي أول الربيع الاسرائيلي .. الربيع العربي الذي زرعته اسرائيل وهب على الشرق من الشمال بدأ من تركيا الأردوغانية وليس من تونس .. وتركيا صارت في زمن العدالة والتنمية “اسرائيل” في شمال الشرق التي تعزف نفس لحن اسرائيل التي في الجنوب .. والحقيقة هي أن سورية هي التي توقف فيها ربيع اسرائيل التركي .. واحترق فيها ربيع تركيا الاسرائيلية ..

اليوم تشكلت دائرة الحقيقة عندما وصلت نقطة النهاية الى نقطة البداية .. وكشف أردوغان أن كل تمثيلياته كانت عراضات ومسرحيات ..وأن القرآن الذي يحمله في حملاته الانتخابية هو مجرد ديكور وربما كان الأجدر به أن يرفع التوراة والتلمود لأن مافعله بشعوب القرآن وبلاد القرآن لايفعله الا ملك من ملوك اسرائيل .. واذا كان القرضاوي قد ألبسه ثياب موسى فان ثياب موسى قد سرقتها حجارة سورية أو أغرقها بحر غزة -كما تروي كتب التراث عن قصة موسى وثيابه – ورأينا أن النبي موسى التركي ليس نبيا بل هو منافق وكذاب وأن له جسدا صهيونيا وعليه وشوم ماسونية .. ولكن من هو أكذب منه هو من ألبسه ثياب الأنبياء وغطى وشومه الماسونية .. وأما من هو أكذب منهما فهو من لايزال يصدق أن اردوغان يريد شرا باسرائيل .. لأن منطق المقارنة يجب أن يضعه في مواجهة مع خيارات الرئيس الأسد الذي كان تحت ضغط هائل يشبه ضغط المحيط على أعمق نقطة فيه من أجل أن يطرد حماس من دمشق .. فما فعل احتراما لاسم فلسطين وشهدائها .. وتعرض لهجوم الربيع الاسرائيلي من أجل أن يقر بحق اسرائيل في الوجود فلم يقر بذلك احتراما لقدسية الأرض والمقدسات ودماء كل الشهداء على مدى قرن كامل .. ولكن أردوغان الجبان يريد أن يشمله اللوبي اليهودي في أميريكا برعايته اذا ماوقعت بينه وبين روسيا حرب قرر القاء سفينة مرمرة في سلة القمامة والتوسل لاسرائيل وكشف الحقيقة بأن الخلاف الذي كان في مرمرة وديفوس هو خلاف بين الأشقاء وأبناء العم .. والمسامح كريم ..ونتنياهو “أخ كريم وابن أخ كريم” .. فالنبي موسى يكلم أشقاءه واخوانه الذين دمر الشرق كله من أجل عيونهم ..

وبعد الحديث عن العلاقات التركية الاسرائيلية سننتظر بفارغ الصبر الفتوى الحمساوية التي ستفسر للجمهور المغفل والغبي أسباب تراجع النبي موسى التركي عن القاء عصاه لتبلع أفاعي نتنياهو وعودة العلاقات الحميمة .. حيث احتفل الحمساويون وتبادلوا العناق منذ أسابيع بفوز النبي موسى في انتخابات تركيا بعد ان كانوا يعيشون هم الهزيمة وهم العيش في زمن بلا نبي .. ولاخليفة عثماني .. ولاشك ان الحمقى سيقولون ان النبي موسى قد جاءه الوحي بالصلح واغراق مرمرة في بحر النسيان .. وان هذا ماهو الا صلح حديبية جديد .. سيعقبه فتح مكة والقدس وفتح العالم وفيينا .. ولكن بعد فتح دمشق ..

تكاد الأيام فعلا لاتعرف الأيام .. وتكاد الأيام فعلا تطعن الأيام .. ويكاد أول الرواية يقتل فعلا آخر الرواية ..وصرنا في زمن لاندري فيه أين هو أول القصة وأين هي نهايتها .. لأن النهاية هي ذات البداية مثلها مثل الدائرة حيث نقطة البداية هي نقطة النهاية ..

ولكن دوائر الزمن ليست كدوائر الرسم .. وأعني ماأقول .. انها نقطة النهاية في مسار الزمن التي نعرف فيها الشكل الهندسي للأقدار والمصائر .. الدائرة أغلقت على التيار الاسلامي وحبسته فيها .. كما أغلقت على النبي موسى التركي قصص مرمرة وديفوس .. وأغلقت له حماسه .. واخوانه .. وجيوش فتحه .. ونصرته .. ودواعشه ..

هناك دوما من يكتب بداية الحكاية .. وهناك من يكتب نهايتها .. اننا جميعا نعرف بداية الحكاية ولكننا صرنا جميعا نعرف نهاية الحكاية .. ولكن الأهم هو أن نعرف من سيكتب النهاية .. أنا أعرف يقينا من هو الذي سيكتب لها النهاية .. وآمل ألا يطول الانتظار ..

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.