هذه وصيتي .. ازرعوا سنابل الرصاص مع سنابل القمح / نارام سرجون
نارام سرجون ( سورية ) الثلاثاء 22/12/2015 م …
الأبطال لايرحلون مثلنا ونحن نمسك بأطراف ثوب الحياة ونمزقه بأصابعنا متوسلين خيطان الثواني ونتعلق بكل خيط فيه .. فالأبطال يرتدون عباءة الموت لأنهم يعرفون أن البطولة لاتكتمل الا عندما تنفصل النفس عن سلطان الخوف من الموت .. والأبطال لايكتبون وصاياهم مثلنا ولايقلقون بعد الموت على ماكسبوه في الدنيا بل يقلقون على أيقونات يقينهم وأحلامهم من بعد رحيلهم .. وهم لايكتبون وصاياهم الا في آخر يوم قبل أن يسافروا السفر الأخير ..
البطل سمير القنطار ارتدى عباءة الموت منذ أن ذهب الى فلسطين شابا .. وقطع كل علاقة له بأثواب الدنيا والحياة منذ أن اختار أن ينفصل عن الخوف من الموت فصار له قلب أسد .. ومن يومها لم يخلع عباءة الموت وبردة البطولة أينما ذهب .. ولكنه كتب وصيته بالأمس فقط ..
وقال سمير في وصيته:
أيها الشباب ..
أنا قاتلت عدوي وعدوكم .. واليوم أدرك أكثر من أي يوم مضى أنني كنت على صواب .. وأنني عشت ممسكا باليقين وأن اليقين سكن قلبي منذ أن عبرت الى فلسطين .. ويقيني أن كل مآسي هذا الشرق جاءت من لحظة الاستيلاء على فلسطين .. فكل ماعشناه حتى اليوم وكل ماستعيشه الأجيال سببه هذا الكيان المسمى اسرائيل المزروع كالرمح في قلب الشرق .. ولن يرتاح هذا الشرق الا باقتلاع الرمح من القلب .. فاقتلعوه وان كان ألم الاجتثاث شديدا .. واقتلعوه وان كان نزف الجرح فوارا كفم نهر عظيم يهوي من أعالي الجبال ..
أنا اللبناني عبرت الحدود يوما الى فلسطين حرا .. وعبرت من فلسطين الى لبنان حرا .. ثم عبرت من لبنان الى الجولان السوري لأنني مثلكم أنتمي الى كل شبر من هذا الشرق .. ولي فيه مثل مالكل واحد فيكم قبل سايكس بيكو وبلفور ..
وأنا عبرت حدود الطوائف وأسوار المذاهب وحيطان الأديان الصماء وكسرت خرائط المؤرخين وخرائط القبائل .. ولم تعبرني طائفة ولامذهب ولاقبيلة .. واليوم أرحل وليست لي جنسية من جنسيات سايكس بيكو .. فمن في الدنيا يقدر أن يقرر لشخص ولد في لبنان وعبر الى فلسطين ومات في سورية في طريقه الى الجولان .. من يقدر أن يقرر له هويته المذهبية ولون جواز سفره وعلمه ونشيده وشظية من شظايا الجغرافيا كوطن له ..؟؟؟؟
أنا من وهب عمره لفلسطين .. واليوم أهب عمري للجولان .. ولكن عليكم أن تعرفوا أنني أعلن اليوم باستشهادي أن اسرائيل تريد أن تقول ان من يقترب من الجولان سيموت لأنه عنقها وخوذتها .. واسرائيل تقول لكم أنها لاتنسى عدوها .. فماذا أقول أنا في وصيتي لكم؟؟
وصيتي لكم هي أن تقتلعوا الرمح من القلب .. وأن تمسكوا الرمح من نقطة الجولان بالذات وتجتثوه من لحم القلب الذي اختلط بلحم النصل البارد .. ووصيتي أن يكون الجولان المحرر هديتي على شاهدة قبري وان تقطفوا لي اكليل الورد والغار من الجولان المحرر بالنار وتزرعوه على صدري حيث سأرقد ..
ووصيتي أن تزرعوا الزيتون والأرز والتفاح والبرتقال والياسمين حولي ولتكن كل نبتة منها آتية من زاوية من زوايا بلادنا الكبيرة كي ترتاح روحي وتطمئن وترجع الى ربها راضية مرضية .. وأن تزرعوا بين الشجرة والشجرة .. بندقية .. وان تنثروا الرصاص في الأرض مع بذور القمح لترتفع بين سنابل القمح سنابل الرصاص ..
وصيتي لكم أن تعلموا أن لنا عدوا واحدا .. مهما تقنّع .. وأن كل من نقاتلهم اليوم يعملون لأجله .. هذا العدو يريد أن يقول لنا ان له حلفاء من بين ظهرانينا وأنه صار يقاتلنا بهم ويقاتلوننا به .. وكأن الشرق انقسم الى شرقين .. شرق مع اسرائيل ..
وشرق ضد اسرائيل .. اسلام مع اسرائيل .. واسلام ضد اسرائيل .. ولكن دمي يقول اليوم: الشرق شرق .. واسرائيل هي اسرائيل .. ونحن نحن .. قلب واحد .. دين واحد .. شعب واحد .. ولن نتغير ان بقينا على الأرض أو ان رحلنا الى السماء ..
ووصيتي لكم أن تتحدثوا مع الجراح النازفة كما تتحدثون مع آبائكم .. فخير القول ماتقوله الجراح النازفة .. وخير الآباء هي الجراح النازفة .. وخير الكلام ماتبوح به شفاه الجراح النازفة .. وأجمل الأغاني هي الأغاني التي ترددها دماء الشهداء وهي تعزف على قيثارة الجراح ..
تابعوا رحلتي وحلمي من الجولان .. ولاتتوقفوا الا على خليج العقبة .. حيث تخوضون مياه البحر .. ولايبقى شيء من بيت العنكبوت ..
ووصيتي أودعها أمانة بين يدي السيد حسن نصرالله … والسيد الرئيس بشار الأسد .. وبين يدي هذا الجيل العظيم من الأبطال الذي أفخر انني عشت في زمنهم .. أنه زمن أعظم جيل .. وزمن أعظم الشهداء ..
التعليقات مغلقة.