تعاطي المخدرات “سوق سوداء” رائجة بين الطلبة في الزرقاء
الاردن العربي ( الاربعاء ) 23/12/2015 م …
رغم التصريحات الرسمية التي تؤكد ضبط 4 حالات أسبوعيا لتعاطي المخدرات في محافظة الزرقاء، إلا أن مختصين تربويين يعتبرون ‘أن حالات الضبط التي يتم الإعلان عنها لا تعكس واقع الحال، وأن ما يعلن عنه ما هو إلا قمة جبل الجليد وما خفي كان أعظم، إذ أن حالات التعاطي أصبحت جزءا من حياة بعض الطلبة اليومية’.
ويرى هؤلاء أن العقاقير المخدرة هي الباب الأوسع الذي يدخل منه الشباب إلى تعاطي المخدرات بأنواعها ولها ‘سوق سوداء’ رائجة في الزرقاء، كما أن مفتاح هذا الباب معلق بيد رفاق السوء من جهة وضعف الرقابة الأسرية من جهة أخرى.
وكانت مديرية شرطة محافظة الزرقاء قد دقت ناقوس الخطر من تزايد مطرد في انتشار تعاطي المخدرات في المدارس والجامعات بين الجنسين؛ إذ تضبط الأجهزة الأمنية في المحافظة 4 حالات أسبوعيا، وفقا لتصريحات أدلى بها المقدم أحمد العماوي خلال اجتماع عقد في دار محافظة الزرقاء منتصف كانون الأول (ديسمبر) الحالي، لبحث هذه الظاهرة بحضور ممثلين عن الدوائر الحكومية والجامعات.
وتتماهى النسب التي أعلنها ‘الأمن العام’، مع نتائج دراسة رسمية نفذّتها العام 2004 مديرية الصحة المدرسية في وزارة الصحة، بتمويل من المكتب الإقليمي المعني بالمخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، إلى أن واحدا من كل أربعة فتيان بين الحادية عشرة والسادسة عشرة تعاطوا أو كانت لهم تجربة مرة واحدة على الأقل مع المخدرات أو الكحول أو المنشطات أو التدخين.
ووفق الدراسة، فإن 27 % من عينة عشوائية عددها أربعة آلاف طالب وطالبة مرّوا عمليا بتجربة تعاطي أحد أنواع المنبهات، مسكرات أو مخدرات.
وهو الأمر الذي اكتشفته أم علي بعد فوات الأوان؛ إذ لا تتمنى لأي أم أن تعيش التجربة المريرة التي عايشتها هي مع تعاطي أحد أبنائها للمخدرات والتي قادته إلى الانتحار بإحراق نفسه، وتلقي باللوم على نفسها لضعف الرقابة على سلوكيات ابنها منذ البداية ما ترك له الباب مفتوحا للتأثر السلبي برفاق السوء.
وتعود الذاكرة بأم علي التي وافقت بعد تردد على الحديث لـ’الغد’ بشرط عدم ذكر اسم ابنها الحقيقي واكتفت بتسميته علي، 10 أعوام حين أقدم ابنها علي 25 عاما على الانتحار بإشعال النار في نفسه جراء شعوره بالذنب عقب أيام على وفاة والده بنوبة قلبية.
تتحدث الأم أنه وقبل 13 شهرا من انتحاره دخل إلى منزل العائلة، وهو في حالة سكر شديد، فقد ‘بدأ في حالة من ضعف التركيز وثقل في اللسان مع احمرار بالعينين وعصبية غير طبيعية حيث قام بشتم شقيقه ودفعه بكلتا يديه’.
وتقول الأم المكلومة بزوجها وابنها، أنها خشيت إخبار والده بما حصل ذلك اليوم، ومع تكرار هذه الحالة بدأ شقيقه الأكبر بالسؤال عنه لتكتشف العائلة أنه لم يكن في حالة سكر وإنما تحت تأثير الحبوب المخدرة، وأنه بدأ يتعاطاها قبل تخرجه من الجامعة بعام حسبما أخبره مجاورون وأصدقاء لعلي.
وتقول إنها واصلت إخفاء حقيقة الأمر عن زوجها على أمل أن يعود عبدالله إلى رشده من تلقاء نفسه، فما كان من شقيقه إلا أن أخبر والده، الذي أصيب من هول الصدمة بجلطة قلبية أدخل على إثرها إلى المستشفى وأمضى فيها 8 أيام رفض خلالها أن يتحدث أو أن ينظر إلى عبدالله.
وتضيف بعد خروج زوجي من المستشفى قررت العائلة الاقتراب أكثر من علي ومناصحته، فاصطحبه والده وإخوته للمسجد لأداء الصلاة في وقتها وهو ما أثمر بصورة ايجابية، إلا أنه سرعان ما عاد إلى التعاطي في أول فرصة سنحت له، وهي بدء الفصل الدراسي الثاني، حيث اكتشف شقيقه أنه ما يزال يتعاطى الحبوب المخدرة في السكن الجامعي مع أصدقائه، وأنهم هم من قادوه إلى طريق المخدرات.
وأضافت، أن سلوك (علي) انحرف أكثر وتردى مستواه التعليمي حيث بدأ ببيع أغراضه الشخصية ومن ثم بيع كل ما يمكن بيعه في المنزل، إلى أن قام والده وشقيقه بضربه ومن ثم ربطه بجنزير لمنعه من الذهاب إلى الجامعة، والتواصل مع رفاق السوء حيث بدأت أعراض الإدمان تظهر عليه أكثر فأكثر بعد عزله ومنعه من الخروج من المنزل.
‘لم يجد هذا الحل نفعا مع علي’، كما تقول الأم وهي تبكي وتضيف عاشت الاسرة كلها حالة من النزاع الداخلي والقلق فقررنا السماح له بالعودة للدراسة في الجامعة ومجددا عاد إلى التعاطي بدفع من رفاقه إلى أن عاد في أحد الأيام إلى المنزل وهو تحت تأثير المخدر وقام بشتمي وشتم والده وحطم بعض محتويات المنزل وغادر في ساعة متأخرة، حيث لم يحتمل والده ما حدث وسقط على الارض وقد أزهقت روحه بنوبة قلبية حادة.
لم يكن علي يعلم أنه سيعود إلى المنزل مساء اليوم الثاني ليفاجأ بوجود العديد من الاقارب والمجاورين وتلاوة القرآن الكريم فامسك به شقيقه وقال له ‘ مبروك أبوك مات، انبسطت يا علي، الله لا يسامحك’ تقول الأم لم يحتمل علي الخبر فركع على الارض وبدأ بالشهيق والنواح كالأطفال وعندما علم أن جنازة والده تمت ظهر اليوم في غيابه قام بضرب رأسه بالحائط إلى أن أمسك به أخواله وقاموا بإدخاله إلى غرفته.
وتروي الأم ما جرى في ذلك اليوم وتقول، أمضى علي 5 أيام في غرفته وفي اليوم السادس نزل منها وقام بالسلام علي ومن ثم دخل إلى المطبخ وتناول’ بابور الكاز’ وقام بسكب الكاز على كامل جسده وأشعل النار في نفسه، وسمعت صراخه وهو يخرج من المنزل ولم أعرف ما جرى إلا عندما خرجت على صوت الجيران وهم يقولون إن’ علي أحرق نفسه’، وهذه كانت آخر مرة أشاهد فيها ابني .
تبكي الأم بحرقة وتقول علمت من بعض المجاورين أنه خرج إلى الشارع بعد أن أشعل النار في نفسه وكان يتدحرج على الأرض ‘من حلاوة الروح’ وأن فرق الدفاع المدني قامت بجمع أشلائه التي تناثرت قبل وضعه في كيس الجثث.
وقصة (علي) ليست وحيدة في هذا السياق، لكن ‘الغد’ نقلتها على لسان الأم المكلومة بولدها، لكن مواطنين رووا قصصا شبيهة لانتشار الحبوب المخدرة والحشيش بين طلبة الجامعات وطلاب المدارس من الجنسين، لكن ضبط هذه العملية أمر صعب لأسباب عديدة، ما يستدعي وفقا للمختصين إلى إعادة النظر بالتشريعات والقوانين ومراقبة الجهات التي تعمل على التصدي لهذه الظاهرة.
الطالب الجامعي (علاء) وقع تحت براثن الحشيش ‘ووقوعي في فخ الإدمان كان بسبب تعرفي إلى رفاق السوء، حيث كنت اتصل مع والدي واخبره بمبيتي عند الشباب من اجل الدراسة وفي شقة احدهم كنا ندخن الحشيش’، كما يقول.
ويرجع (علاء) اللجوء إلى تدخين الحشيشة إلى سهولة الحصول عليها من كشك القهوة، إذ كان يدفع المال إلى أحد أفراد الشلة، وهم يتكفلون بشرائها، وإحضارها إلى الجامعة أو السكن، وهو أمر يستدعي الاهتمام من الجهات المعنية وفقا لعلاء، الذي قال إن الحشيش بات متوافرا بكثرة في الجامعة ويقبل على تعاطيه الطلبة من الجنسين.
أما ارتفاع عدد المتعاطين فيرجعه علاء إلى التدخين ورفاق السوء ونشاط المروجين على المستوى الأفقي بهدف التوسع وزيادة أعداد المتعاطين الجدد.
تعاطي المخدرات بدأ يخرج إلى العلن وبدأ الكلام عنه يخرج شيئا فشيئا من دائرة المحظور ليشمل الفتيات أيضا، حيث تقبل الفتيات ‘المدمنات’ على الحبوب المخدرة، أكثر من إقبالهن على الحشيش.
(ميساء) هي إحدى الطالبات اللواتي انجررن وراء أوهام النشوة أو الهروب من الواقع أو البحث عن ثقة متوهمة بالنفس، عبر تعاطي الحبوب المهدئة والمخدرة، لينتهي بها المطاف فريسة للإدمان والضياع والانحراف النفسي والاجتماعي.
وتقول إحدى صديقاتها، تعرفت على ميساء في السنة الاولى وكانت تهتم بدروسها أكثر من أي شيء، حتى أنها كانت ترفض الجلوس في المطاعم والمقاهي المجاورة للجامعة، إلى أن تعرفت على إحدى الطالبات وتدعى ‘الأفعى’ التي لا تتوانى عن أي فعل مخل وكانت تتقصد الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا.
استغلت هذه الطالبة طيبة ميساء وبدأت بالتقرب إليها بذريعة المذاكرة معا، وكانت تدعوها إلى زيارتها في السكن الجامعي وبعد 8 أشهر تغيرت ميساء وبدأت تعاني من شرود الذهن، وعدم التركيز في المحاضرات’.
ولأن مجتمع الجامعة صغير تقول الصديقة، علم الجميع أن ميساء تتعاطى الحبوب المخدرة بعد أن أقنعتها ‘الأفعى’ بأنها باب للحصول على نشوة وثقة عاليتين، وتضيف أن ميساء التي كانت تنزعج من رائحة السجائر بدأت بالتدخين علنا في الجامعة، حيث علمت فيما بعد أنها بدأت تتعاطى الحشيش الذي توفره لها ‘الأفعى’ بسعر مرتفع.
لم تقف هذه الصديقة مكتوفة الأيدي وقررت الاتصال مع والد (ميساء)، وإخباره بما آلت إليه أوضاع ابنته من باب الحرص عليها، حيث قام الأب المصدوم بإخراجها من الجامعة، دون أن يقدم شكوى بحق ‘الأفعى’، وعلمت فيما بعد أنها تعالجت في أحد المراكز وسافرت خارج المملكة.
ويقول ضابط أمن في إحدى الجامعات لـ’الغد’، وهو ضابط سابق في الأمن العام، إنه يتم بشكل مستمر ضبط طلبة وطالبات يتعاطون المخدرات والحشيش داخل أسوار الجامعات، وكتابة تقرير بذلك إلى عمادة شؤون الطلبة ليصار إلى اتخاذ إجراءات مناسبة.
وحاولت ‘الغد’ معرفة الإجراءات التي تتخذها الجامعات في حال ضبط طالب يتعاطى المخدرات، غير أن ما توصلت إليه لم يخرج عن نصوص ‘نظام التأديب’، الذي يمنح بحالة الطالب مع محاضر التحقيق بقرار من الرئيس إلى المدعي العام المختص، أو المحكمة المختصة للسير في القضية وفقاً لأحكام القانون.
وكانت نتائج دراسة أعدها المجلس الأعلى للشباب وجامعة مؤتة العام 2010 حول ‘عوامل الخطورة في البيئة الجامعية لدى الشباب’ وشملت عينة من 4000 طالب من 19 جامعة خاصة وحكومية، أن العشر يتناولون الكحول، في حين إن 5 % من عينة الدراسة تناولوا المخدرات قبل دخولهم إلى الجامعة.
ويقول الخبير التربوي الدكتور زياد التميمي، إن ‘تنامي ظاهرة تعاطي الحشيش والحبوب المخدرة، يشير إلى تطور خطير للواقع الاجتماعي الأردني’، غير أنه أوضح أن ‘حالات الضبط التي يتم الإعلان عنها لا تعكس واقع الحال’، واصفا ما يعلن عنه بـ’قمة جبل الجليد وما خفي كان أعظم’.
ويؤكد ضرورة تطوير التشريعات والقوانين لتتواءم مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وتوسيع عمل الجهات التي تعمل على مكافحة هذه الظاهرة.
وأكد التميمي، ضرورة الإبلاغ المبكر في حال ظهور علامات التعاطي والادمان وأبرزها سرعة الانفعال والنرفزة وعدم النوم مع عدم القدرة على التركيز والاستيعاب والميل للاكتئاب.
ويقول مدير صحة محافظة الزرقاء الدكتور تركي الخرابشة، إن الدور الوقائي الأساسي للحفاظ على الأبناء من هذه الظاهرة الخطيرة يقع على عاتق الأسرة بالدرجة الأولى؛ إذ يجب الاهتمام برعايتهم، وتربيتهم واختيار الصحبة الصالحة لهم مع عدم إطلاق الحرية لهم دون رقابة من قبل الأسرة، ومن ثم دور المدرسة على أن تبدأ التوعية والوقاية في الصفوف الأساسية الأولى صعودا إلى الجامعات وضمن مناهج دراسية إجبارية.
وقال الخرابشة إن الأدوية والعقاقير المخدرة تصرف وفق آليات خاصة وتحت رقابة شديدة وبخلاف ذلك يتم إغلاق الصيدلية وتحويلها إلى القضاء، عدا عن الرقابة على الأطباء؛ إذ أن الطبيب الذي يكرر صرف وصفات هذه العقاقير تقوم كوادر الرقابة الصحية والدوائية في المديرية بطلب السيرة المرضية لأصحابها ودراستها دراسة معمقة.
وبين العماوي خلال الاجتماع الذي ترأسه المحافظ رائد العدوان في دار المحافظة أن الأجهزة الأمنية في الزرقاء تقوم بواجب وقائي للتصدي لهذه الظاهرة من خلال المجالس المحلية للمراكز الأمنية، ودورات أصدقاء الشرطة، مضيفا إن إدارة التدريب في مديرية الأمن العام أعدت كتيبا من 100 صفحة يتناسب مع جميع الفئات العمرية بعنوان ‘التوعية المرورية والجنائية والوقاية من المخدرات’، وكانت تأمل باعتماده كمقرر في المدارس والجامعات ‘إلا أن هذا الأمر لم يتم إلى الآن’.
وقال مدير شرطة لواء الرصيفة العقيد جمعه التويجر إن اكتشاف قضايا تعاطي المخدرات من المهام الصعبة وعادة ما تتم عن طريق بلاغ، أو عند ملاحظة سلوكيات الحالة، أو من خلال المضبوطات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.
وكان محافظ الزرقاء الدكتور رائد العدوان دعا مديريات الشرطة، والصحة، والتربية والتعليم، والأوقاف، والجامعات في المحافظة إلى إعداد خطة وقائية تنفيذية خاصة بالمدينة للتصدي لانتشار المخدرات في المدارس والجامعات، تكون رديفا للخطط العلاجية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية.
وأكد العدوان ضرورة قيام مراكز البحث في الجامعات بدراسات ميدانية حول واقع وأسباب انتشار هذه الظاهرة، قائلا إن مكافحة المخدرات ليست مشكلة أمنية فحسب بل لها جذور تربوية وسلوكية واجتماعية واقتصادية متشابكة، مؤكدا على دور المؤسسات التعليمية في نشر التوعية بطريقة علمية بأضرار المخدرات العضوية والنفسية والعقلية والاجتماعية والاقتصادية.
وطلب العدوان من ممثلي الدوائر ضرورة إعداد برنامج عملي محدد بهدف توعية الشباب والأهالي بمخاطر المخدرات وآثارها المدمرة على المجتمعات، من خلال عقد ورشات عمل وندوات، ومحاضرات في المدارس والمعاهد والجامعات ومؤسسات المجتمع المدني.
وشدد على أن الدور الأساس في ذلك يقع على المؤسسات التعليمية والأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات الدينية في تسليط الضوء على تلك الظواهر وطرق علاجها مشيرا إلى ضرورة التواصل ما بين جهاز الأمن العام والمجتمع المحلي بكل فعالياته للتعاون والتنسيق فيما بينهما بما يخدم المصلحة العليا.
الغد – حسان التميمي التعليقات
التعليقات مغلقة.