لن أعيركم عقلي …/ سمير الفزاع
سمير الفزاع ( الخميس ) 24/12/2015 م …
هل تريدون أن تعرفوا إلى أي حدّ نحن منافقون؟ إلى أي حدّ نحن نتآمر على أنفسنا؟ إلى أي مدى نحن بارعون في تحطيم كلّ جميل في حياتنا وهويتنا؟
إلى أي درك من الجهل والأميّة وصلنا؟… لا علاقة بين القلم والورقة والكتابة والوعي… فليس كلّ متعلم واع ولا كلّ أمي جاهل… هل تريدون الدليل؟! هناك سيدة فلسطينية “أميّة” داومت على زيارة الشهيد سمير القنطار لسنوات طوال، وغمرته بذات المشاعر التي كانت تغمر فيها ابنها –جبر- الشريك لسمير في سجنه وقيده… أم جبر الوشاح، ببصيرة واعية ووعي مكتمل البصيرة، عرفت أن سمير وجبر إخوة في القضية، وتوأم ذات الطريق، وشركاء في الخطوة والهوية والنهاية… لم يزغ بصرها ولم تضل بصيرتها… ثمّ تجد فتاة هنا أو شاب هناك، وقد أكملا دراستهما الجامعية، لتسأل: سمير القنطار بقي في السجن لثلاثين عاماً، فمتى ناضل؟ بصدق، يتوقف العقل عن القدرة على العمل أمام هكذا فصيلة من البشر، وأمام هذا النوع من الشباب… نعم يا “آنسه”، قضى سمير في السجون الصهيونية ثلاثة عقود تقريباً، ولم يكن في شوارع الجامعة، ولا في جنبات “الكوفي شوب”… لقد أمضى أجمل سنوات عمره بين القيد وقضبان السجن وساديّة المحتل… عندما يمارس أحدنا “الصيام” لثلاثين أو أربعين يوماً عن الأكل والشرب أو بعضهما، ينهي صيامه بعيد وفرحة غامرة… سمير صام طويلاً جداً عن كل ما يحبه أي إنسان في عمره… صام عن شبابه وزهرة سني عمره، صام عن أرضه ووطنه، صام عن حريته وسلاحه ورفاقه، صام عن قطعة خبز من يد أمه أو شربة ماء من أخته، صام عن مشوار يذهبه مع شقيقه أو صديقه، صام عن صبية تحبه ويحبها، صام عن طفل يأتي في موعده، صام عن بسمة من طفل يحمل إسمه… أتعرفين كم صام عن كلّ هذا وغيره؟! فقط 27 عاماً، أرجوك أن تقومي بالعدّ حتى الرقم 10000، يشبه الرقم مجموع الأيام التي قضاها سمير القنطار في السجن!.
وأما ذلك “الشاب” المتخم بالمعلومات والمثقل بالقراءة والقلم، فله حكاية ثانية، يقول: ليت هؤلاء الشهداء سقطوا على أرض فلسطين، وليت هذه المواجهات كانت مع العدو الصهيوني الغاصب في الجولان ويافا وحيفا والقدس… وليست في دمشق وحلب وحمص… .
نعم يا صديقي، يا ليت. لكن المعركة، أي معركة، يكون فيها طرفين أو أكثر، ولست وحدك من يحدد ميدان هذه المعركة… إذا فرضت عليك المعركة في وطنك، ومع بعض من أبناء شعبك الذين باعوا أنفسهم لعدوك، وتعاونوا معه على خراب هذا الوطن، فما العمل؟! صديقي، المواجهة تكون حيثما وجد العدو، وعلى أي شكل جاء… العدو ليس من يحتل الأرض فقط، العدو من يُسهل له إحتلالها بإضعاف وطنه، وتمزيق وحدته، وتخريب مقومات صموده، والعبث بنسيجه… العدو ليس جغرافيا فقط؛ بل فكر وفعل ونتيجة… أبا لهب، عم الرسول محمد “ص” ويهوذا الاسخريوطي واحد من تلاميذ المسيح “ص” الإثني عشر … الأول، تبت يداه إلى يوم يبعثون. والثاني، لن يُذكر إلا بــ الَّذِي صار مُسَلِّماً إلى يوم ينفخ في الصور… لا يا صديقي، سنحاربهم في كل زاوية وشارع وزقاق، سأحاربهم لو كانوا في بيتي، سأحاربهم لو كان فيهم أخي… وكما هُنّ القدس ورام الله وحيفا ونابلس… عزيزات على قلبي، فإن دمشق وحلب وحمص وطرطوس واللاذقية والرقة… عزيزات على قلبي… وإذا ما فرغت من حثالة تأكل لحمنا كما الضباع، سنتفرغ لأسيادهم… أخيراً، أعذرني عن سؤالي، أليس غريباً يا صديقي بعد كل هذه السنوات من التعلم والدراسة أن تكون بأمس الحاجة إلى الصعود إلى وعي أم سمير القنطار، الفاضلة أم جبر الوشاح؟! أرجوك، كُن معنا على ذات الطين كي ترى أفضل… عندها ستقول: لن أُعيركم عقلي، ولن تسرقوا مني وعيي
التعليقات مغلقة.