الصين والرهان الأخير لتجاوز الأزمة السورية / د.خيام الزعبي

 

د.خيام الزعبي * ( سورية ) الخميس 24/12/2015 م …

* كاتب سياسي

تشهد منطقة الشرق الأوسط تغييرات سياسية متسارعة وتحالفات جديدة قد تعيد تشكيل الخارطة السياسية للمنطقة، ومن التطورات الإيجابية في المرحلة الراهنة التحول الملحوظ على مستوى الأطراف والنخب السياسية  للحديث عن مبادرات ومخارج للأزمة السورية، وتمثل ذلك في طرح العديد من المبادرات والحلول لرأب الصدع ووقف القتال في سورية، ما أظهر إرتفاع أسهم الحل السياسي هناك.

يحظى الملف السوري بإهتمام بالغ في الأوساط الصينية، التي تراقب أولاً بأول التطوّرات في الشأنين الداخلي والخارجي لسورية، لما لها من إنعكاسات مباشرة على المنطقة، ومن هذا المنطلق ترى بأن إن إيجاد حل للأزمة السورية، يساهم كثيراً في مواجهة الإرهاب، ولهذا لا بد وأن تترافق الخطة الجديدة لمحاربة الإرهاب مع التحرّك السياسي، وقد أكدت بأن حل مشكلة داعش مرهون بحل الأزمة في سورية، وما يؤيد هذا الإعتقاد، تعزيز المساعي الصينية لتخفيف حدة التأثير الذي تنتهجه دول معينة مثل تركيا وقطر والسعودية على مسار الأحداث في سورية بالإضافة الى دعم الغرب لجهود الصين الرامية إلى جمع شمل الأقطاب السورية  من خلال عقد جلسة حوارية مع المعارضة والحكومة السورية في العاصمة الصينية قريباً لإيجاد حلّ للأزمة في سورية، ما يُمكن أن يجمد من الإقتتال بين قوّات النظام والجماعات المسلّحة، وفي هذا السياق قال “هونج لي” المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية مستشهداً بكلمة وزير الخارجية وانج يى أمام الأمم المتحدة إن الصين ستدعو قريباً الحكومة السورية وشخصيات من المعارضة لزيارتها فى إطار جهود بكين للقيام بدور إيجابى لتشجيع حل سياسي للأزمة، مؤكداً مشاركة وزير الخارجية السوري وليد المعلم فى بكين فى إجتماع مع نظيره الصينى وانج لي فى الفترة من ٢٣ إلى ٢٦ من ديسمبر الحالي، وإنطلاقاً من ذلك أعلن ريال لوبلان المتحدث باسم الأمم المتحدة إن المحادثات المقبلة حول سورية ستجري مطلع العام الجديد 2016 فى جنيف برعاية الأمم المتحدة، و فى السياق نفسه أكد وزير الخارجية الأردني ناصر جودة ان هناك إجماعا فى مجموعة الـــ ١٧ حول سورية والمكلفة بوضع قائمة بالمجموعات الإرهابيةعلى أن تنظيمي “داعش وجبهة النصرة إرهابيان”، وسيتم اقصاؤهما من مباحثات السلام.

في هذا الإطار يمكنني القول إن الموقف الصيني له دور كبير في لجم الإندفاع والتهور الغربي تجاه العديد من الملفات الدولية المعقدة، وتجاه العديد من المواضيع المثارة على كل المستويات الأممية، وقد كانت الأزمة السورية واحدة منها، حيث سقطت سياسة التهديد العسكري الغربي ضد سورية وهو ما دفع بالرئيس الأمريكي أوباما لتفضيل الخيارات الدبلوماسية، وتركيزه على العمل مع حلفائه سياسياً ودبلوماسياً كبديل عن استخدام القوة، في رؤية لا يستطيع من خلالها تجاهل الدور الصيني في معالجة معظم القضايا الدولية.

إن ظهور تنظيم داعش في سورية جعل العديد من الدول تعيد حساباتها إزاء ما يجري في سورية، فسورية باتت المفتاح لوضع المنطقة على المسار السليم، وفي هذا الإطار أدركت هذه متأخراً أن سورية ليست معزولة وأنها دولة مركزية في المنطقة، وما يجرى فيها له إرتداداته على الإقليم بأكمله، فاليوم الجميع بات مقتنعاً بحاجتهم لتسوية الأزمة في سورية وتوحيد الجهود بإتجاه إنتاج خطة مواجهة شاملة هدفها تدمير إيديولوجية التنظيمات المتطرفة وتجفيف مصادر تمويلها، وإنطلاقاً من ذلك من المتوقع أن يشهد التطبيع الدبلوماسي مع دمشق خطوات متقدمة بداية العام الجديد وذلك لتزايد وتيرة الخوف الدولي من المدّ الإرهابي، والذين كانوا يراهنون على الحل العسكري باتوا الآن يبحثون عن مخرج سياسي للأزمة فيها، وخصوصاً أن معظم التقارير الغربية تشدد على أهمية الجيش العربي السوري وقدرته على مواجهة التنظيمات الإرهابية برياً، وما جرى في مدينة حلب مؤخراً أكبر دليل على ذلك.

وأختم مقالي بالقول إنه على الدول التي تريد سوءاً لسورية، أن تعيد قطار سياستها الى سكته الأصلية، وأن تعيد نظرتها في الرهانات السياسية الخاطئة تجاه سورية قبل فوات الأوان وذلك ليس لمصلحتها بل لمصلحة الإقليم بأكمله،  فسياسة التسلح للمجموعات التكفيرية والعزف على الوتر الطائفي، لتحقيق أهداف سياسية هي سياسة عقيمة أثبتت التجربة فشلها، وقد جربتها بعض الدول من قبل، وإرتدت عليها ودفعت بسبب ذلك ثمن باهظ من أمنها وإستقرارها،  وفي هذا السياق ندعو الجميع الذهاب الى الحوار والسلام من أجل سورية مشمرين سواعدهم للسير بها الى الأمام تحت مظلة واحدة وهي مظلة سوريّة، وبإختصار شديد تمر سورية اليوم بلحظة مفصلية وفاصلة من تاريخها وهي بحاجة بدلاً من العنف والسلاح إلى إصطفاف وطني من قبل كافة أبنائه لمواجهة التحديات الراهنة لأنه ليس هناك شخص قادر على حل مشكلة سورية غير السوريين أنفسهم وبمساعدة حلفاء دمشق من أجل ان تكون  سورية دولة واحدة موحدة.

[email protected]

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.