إسرائيل وغبار جنون الأسطورة .. هل الجنون بالجنون يفلح ؟ / نارام سرجون

 

نارام سرجون ( سورية ) الخميس 24/12/2015 م …

يبدو لي أن التعامل مع جنوح اسرائيل الى العربدة والجنون وسلوكها الصلف لايفيد فيه الا جنون يفوقه .. تبدو اسرائيل غير مبالية بما تفعل لأنها تعتقد أنها تواجه العقلاء وأهل الرأي الحصيف ..الذين يؤجلون المواجهة الى لحظة حاسمة لاجدال في أن نتائجها لصالح العقلاء .. الاسرائيليون يعرفون أن سورية وحزب الله يحاربون في كل الأرض السورية وأنهم يحاربون جهدا دوليا عسكريا واستخباراتيا ضخما على أرضهم .. ولذا يعتقد الاسرائيليون أنهم في وضع متفوق يغريهم بالنزوع الى التحدي لأنهم يدركون أن الطرف الآخر ليس معنيا بالرد على التحدي بالتحدي الأجوف بل باتباع عقيدة (اننا نمهل ولانهمل) ..

الاسرائيليون يبنون تحركاتهم العسكرية ونقلات الشطرنج السياسي بناء على قناعة وثقة عمياء أن الطرف الآخر من الشرق العربي مشغول بحروب انطلقت نحوه من جماجم وعظام القرن السابع للميلاد الذي مات منذ 14 قرنا والذي دفن في مقابر التاريخ ولكن بعض الخبثاء نبشوا القبر وأطلقوا منه العظام الرميمة وكل الأرواح .. ولذلك فان الشرق مضطر للغياب من أجل السفر بضعة قرون الى الخلف كي يعيد ضبط ساعة الزمن وايقاع الثواني الهجرية والميلادية ولردم القبر المنبوش الذي خرجت منه عقارب الزمن عن السيطرة .. أي أن من الحصافة أن من يقاتل في هذه المعركة عبر الزمن ألا يرد على عربدة اسرائيل وأن يتحلى بالعقل والصبر والحكمة .. الى أن تعود عقارب الساعة في الشرق العربي من الماضي الى هذا الزمن .. فمن الجنون أن تحارب في زمنين .. وأن تخوض حربين في اتجاهين مختلفين كما فعل أدولف هتلر .. الذي حارب شرقا وغربا .. فانتهت الحرب في عاصمته ..

في نموذج العقل الاسرائيلي يوجد خلل لايوصف وهو أن اسرائيل نفسها قادمة مما قبل القرن السابع للميلاد بثلاثة آلاف سنة الى هذا الزمن .. وأن الغبار يتناثر منها في كل الشرق وهي لاتزال تنفضه عنها منذ أن خرجت من رحم القرن العشرين .. وأن مغامرة انشائها كانت نوعا من أنواع الجنون الذي لايصدق .. ولذلك فان معادلة تدميرها لاتحتاج ممن يواجهها الا بعض الجنون أيضا والخروج من منطق الحسابات الاستراتيجية والربح والخسارة .. الى منطق الجنون الذي يتحدى الجنون ..

أنا هنا لاأريد أن أحرض المشاعر ولاأن أدعو الى الانفعال العبثي بسبب ماتقترفه اسرائيل من استفزازات ولا أن يستدرجني الغضب الى الفخاخ والتهور .. فكل مافعلته منذ بداية الأزمة قام على معادلة استغلال الظرف الذهبي لها وهو أن السوريين وحلفاءهم عقلاء جدا .. والعقل والحذر والحكمة يعرفون أن الطيش الاسرائيلي يجيء في زمن يمتلئ فيه ظهرنا بالخناجر والرماح الغادرة وتسيل الدماء على ظهورنا .. وأن ماتفعله اسرائيل ليس بطولة ولاعبقرية وهي تتباهى بالتحرش ببلد يخوض حروبا متعددة في وقت واحد لايليق بها الا تسمية مجموعها “حربا كونية” .. ولكنه طبعا ذكاء العدو واستئساد الثعالب في اقتناص اللحظة والثغرة والانشغال وادارة الظهر لمواجهة الغدر ..

ولكنني أريد أن أقول ان ماتفعله اسرائيل هو الجنون بعينه .. لأن العقلاء يعرفون ايضا أن الجنون لايوقفه الا الجنون ..وأن اسرائيل تعودت على عدم توقع المفاجآت فصدمتها المفاجآت الكبرى .. فلا هي توقعت حرب تشرين ولاهي توقعت مقاومة لبنانية عنيقة ولاهي توقعت حزب الله ولاهي توقعت انتفاضتين فلسطينيتين .. ولاهي توقعت هزيمة نكراء في صيف 2006 .. ويبدو أن استخلاصها للعبر معدوم اذا هي توقعت أن الطرف الآخر اليوم على حدودها الشمالية لايحتفظ بمفاجآت وقدرة على ادهاشها بردة فعل خارج كل الحسابات والمنطق ..

اسرائيل اغتالت الشهيد عماد مغنية .. واغتالت ابنه جهاد .. واغتالت حسان اللقيس .. ثم اغتالت القنطار .. واسرائيل قامت بعدة غارات على تخوم دمشق وفي قلب دمشق .. وهي لن تتوقف في مشروع اصطياد الرموز لضرب أعمدة الرفض المعنوي بها .. .. ويبدو العقلاء بيننا اليوم في لحظة اختيار بين الجنون الأدنى والجنون الأقصى .. ولاخيار ثالث بينهما .. ويبدو أن حسابات المغامرة للمقاومة اللبنانية هي التي أنتجت ردع اسرائيل منذ معركة عام 2006 لأن المقاومة ثبتت معادلة “المغامرة المحسوبة” واستعدت لها .. ولم يكن فيها معادلات الراحل صدام حسين التي كانت كلها قائمة على حسابات خاطئة جدا وخداع للنفس وفيها القليل من المغامرة ..وعندما تكون الحسابات خاطئة وخداع النفس كبيرا فان نتائج المغامرة واللامغامرة تستوي وتتساوى ..وتوصل الى نفس الكارثة ..

على الاسرائيليين القادمين من قبور الألف الثالثة قبل الميلاد ومن لحظة جنون صهيونية أن يدركوا أن العقلاء بيننا سيضطرون لأن يستمعوا لأول مرة لمن يحبون الجنون بيننا .. وهناك من يقول بأن ذروة العقل الآن ألا يتحدث العقلاء الى مجانين اسرائيل .. بل أن يتحدث اللاعقلاء الى مجانين اسرائيل كي يتولى عقلاء اسرائيل ضبط ايقاع الزمن فيها بدل المجانين .. وضبط ايقاع الثواني العبرية .. حيث يتم ردم قبور الأساطير المنبوشة منذ ثلاثة آلاف عام ..

وأنا أتحدث وكلي يقين وعلم أن اسرائيل لاتريد حربا وهي من يرسل المراسيل ومعهم علب المهدئات والمخمدات .. الا أن مجانينها لايصدقون أن على الطرف الآخر في الشمال قادة عقلاء جدا ولكنهم قادة يجيدون لعبة الجنون الأقصى أيضا اذا كان الحفاظ على العقل هو اشهار الجنون .. وأنه آن الأوان لأن يكون هناك ثمن باهظ يدفع .. على طرفي المواجهة .. كي تستيقظ اسرائيل من وهمها بأن دمشق مترددة بعد أن تجاوزت أحلك مراحل الحرب الكونية وأنها أقدر على الانتقام اليوم وقد ارتاحت جبهة الشمال بوجود الحليف الروسي .. وكي تفيق اسرائيل من وهمها بأن ردع دمشق عن مشروع مقاومة الجولان واسترداده بالنار سيكون بقصف خواصر الشام وأكتافها ..

والدليل أن الجولان يستعد لمهرجانات النار شاءت اسرائيل أم أبت .. وهو على موعد مع رائحة البارود التي غابت عنه طويلا شاءت اسرائيل أم أبت .. فربما سيفهم القادمون العابرون من عصور الزمن السحيق أن الغبار الذي على أكتافهم ورؤوسهم وأهدابهم وكتبهم وداخل عقولهم وقلوبهم لايجب أن يعميهم عن حقيقة أننا (نمهل ولانهمل) .. وعن حقيقة أقوى هي أننا مع المجانين نتجاوز ذلك الى الشعار العقلاني ونرفع شعار: لن نهمل .. ولن نمهل .. ولكل جريمة عقاب .. ولكل مجنون رادع .. قد يكون أكثر منه جنونا وتهورا ..وان الجنون بالجنون يفلح ..

في حساباتنا الدقيقة .. نعرف أن اسرائيل هي التي تقامر .. لأنها تبني سلوكها على حسابات خاطئة جدا .. وأن العقلاء بيننا .. يعرفون معنى: وداوها بالتي كانت هي الداء .. وداء الجنون الاسرائيلي يريد دواء من جنسه .. وقد جربته معنا مرارا عندما حاربنا وحدنا في لبنان وعندما تحدينا جنون الكاوبوي وأبقاره في العراق حينما كان التحدي جنونا في عالم جورج بوش وجرح 11 سبتمبر .. ولكن اسرائيل نسيت طعمه .. فهل تتذوقه من جديد ؟

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.