الهبة الفلسطينية الثالثة .. ظروف نشأتها .. ومستقبلها

 

محمد شريف الجيوسي ( الجمعة ) 25/12/2015 م …

توشك الهبة الفلسطينية الثالثة على الدخول في شهرها الرابع ، كاسرة بذلك خوف الخائفين المراهنين على طي صفحتها، وعلى عودة السلطة الفلسطينية إلى المراهنة مجددا على وهم المفاوضات العبثية ، وتشبث (إمارة غزة ) الإسلاموية على دويلة مؤقتة فيها .

لكن الهبة التي اشتعلت في الضفة الفلسطينية وغزة والقدس وفلسطين المحتلة سنة 1948 والمثلث ،في معزل عن أي مرجعية سياسية فلسطينية قائمة ، هي بقدر ما بدا ذلك نقطة ضعف كانت مركز قوة حال دون إجهاضها،تحت تأثير(بوس اللحى ) والضغوط التي مورست وتمارس على المرجعيات ( الرسمية المتعددة) لوقفها او تحجيمها أو تجييرها لصالح مكاسب وقتية تافهة ، قد تجنيها تلك المرجعيات . 

لقد نشبت الهبة في ظروف مناسبة سمحت لها بالإستمرار، من بين تلك الظروف فشل المفاوضات على تعدد مرجعياتها الفلسطينية فشلاً ذريعاً ، إلى حد أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية أوصى بوقف المفاوضات والتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني والتركيز على دخول المنظمات الدولية ورفع دعوى امام المحكمة الجنائية الدولية .

هذا الفشل جعل المرجعيات الفلسطينية في حيرة من الهبة ، فلا هي قادرة على الإنخراط فيها لأنها خارج قوسها .. ولاهي قادرة على العمل ضدها ، أو التورط في فضيحة اجهاضها، الأمر الذي وفّر للهبة عنصري عدم الوصاية عليها من جهة ، وعنصر الإفلات النسبي لتلك المرجعيات من ( العقاب الصهيوني الأمريكي البريطاني ) وبالتالي مكن المرجعيات من ممارسة موقف مضطرب خجول ومتباين على صعيدي الضغط والتشجيع .

الظرف الإيجابي الآخر ، تقدم محور المقاومة في المنطقة بمواجهة العصابات الإرهابية وداعميها سواء في سورية او العراق أو اليمن أو ليبيا ، واقتراب مصر نسبياً من سورية ، وتكشف كذب التحالف الأمريكي بمحاربة الإرهاب ، وافتضاح التنسيق التركي العثماني مع ( إسرائيل ) ومع النيتو، ما يعني ان المراهنة على حالة الفوضى الخلاقة والمحور الأمريكي وتابعيه ، هي مراهنة عبثية لا طائل تحتها ،  وبذلك لا بد من المقاومة التي يقدر الشعب العربي الفلسطيني على إجتراحها ، في ضوء التفاوت الكبير الصارخ في السلاح.

وفي ضوء الانتفاضتين الأولى 1987 والثانية 2000 ، وما أسفرتا عنه من نتائج ، تأكد أن االحجر الفلسطيني كان أجدى من السلاح ، وأن العمليات التفجيرية المسلحة بالطريقة التي نفذتها حماس ، أسفرت عن نتائج سلبية مدمرة ، فيما أستلبت الاولى وجيّرت إيجابياتها لصالح عقد مفاوضات وصولاً إلى معاهدة أوسلو المذلة .

ومن هنا كان على الشعب الفلسطيني تطوير أدوات مقاومته ، فاجترح الى جانب الحجر ؛ السكين ، والدهس بالسيارات ، فضلا عن المظاهرات والاعتصامات .. على الأقل ، إلى حين امتلاكه السلاح ، ولكن بعيداً عن استهداف مدنيين ، وإنما جنود وشرطة ورجال أمن ومخابرات ومستوطني الاحتلال الصهيوني.  

ولا بد أن إقتراب روسيا وإيران من المنطقة وآخرين ، خلّص المنطقة من إستفراد المحور المعادي لها ، وأعطى ( نفساً ) واملاً للمقاومة .

كل ما سبق يعني أن الهبة اللفلسطينية امتلكت ظروف استمرارها ونجاحها، لكن هذا يعني أيضاً ، أنها مع امتدادها زمانيا وجغرافياً ستكون في حاجة لبرنامج سياسي وقيادة ثورية وحكيمة في آن ، وفي آن على تواصل وتنسيق مع محور المقاومة ، لضمان مدها بعناصر إستمرارها .

وبعض النظر عن التحاق قوى مقاوِمة قائمة بالهبة ، أو إفراز الهبة قياداتها من داخلها ، ينبغي أن لا يتم سرقتها من مجاميع جهالية تكفيرية إسلاموية ظلامية ؛ هي على اتصال وتنسيق وتفاهمات مع المحور المعادي للأمة بكل أو بعض أطرافه ، وتلك مهمة ليست آجلة بحال .

بكلمات ، الهبة الفلسطينية الحالية مستمرة وفي إتساع ، وستعيد رسم موازين القوى داخل الصف والساحة الفلسطينية ، وستكون لها تداعياتها على الساحة الإقليمية كما لم يسبق ، وسيكون رابحاً كل من سيلتحق بها عاجلاً ، وفي آن لا يدعي أنه كان خلف قيامها ، فذلك أدعى لنجاحها من جهة وانخراط المزيد من القوى بها ، وفي آن تجنيب المنخرطين الضغوط التي قد تمارس عليهم ، وفي كل الأحوال فإن ميادين العطاء متعددة الأوجه ؛ هي التي ستكرس التفاصيل وعناصر القيادة ومستلزماتها . 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.