تجديد الخطاب الدينى.. خطوة للأمام / طه أمين

 

طه أمين ( السبت ) 26/12/26/15 م …

يأتى تجديد دعوة رئيس الجمهورية لرجال الأزهر فى الاحتفال بالمولد النبوى بضرورة تجديد الخطاب الدينى، فى إطار سلسلة من دعوات بدأت منذ وقت ليس بالقريب. فقد تعالت الدعوات بالتجديد مؤخرا – ومنذ أحداث ١١ سبتمبر – من الداخل والخارج. تارة فى إطار حرص وغيرة على الأزهر – ممثل الإسلام التاريخى المعتدل – وتارة دفاعا عن الدين الإسلامى الذى يتعرض – ولا شك – لهجمة طاغية فى إطار تيار صراع الهويات والحضارات منذ وقت بعيد، ولقد زاد من قوة هذه الهجمة تطور وسائل الإعلام والاتصال التى جعلت مثل هذه الموضوعات تخرج عن الإطار الأكاديمى أو الثقافى الرفيع إلى حد استعداء شعوب كاملة ضد الإسلام – الدين- ذاته.

ولا نرى ما يمنع الأزهر من اتخاذ موقف عملى علنى من فكرة التجديد إلا وضعه التاريخى والمؤسسى؛ فالمؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة، تحمل على كاهلها ميراثا طويلا اختلط فيه التاريخ بالدين .. والروحى بالواقعى .. والفتاوى فى وقت السلم بالفتاوى فى وقت الحرب والأخطار التى حاقت بواقع المسلمين على مر الزمن .. بل اختلطت فيه الفتوى برأى السلطان والتزاماته السياسية..وبطبيعة الحال فقد أصبح من الصعب أن يتخلى الأزهر – حارس التراث الدينى- عن كل ذلك دفعة واحدة، فهو لا يستطيع أن يرفع حمايته عن تاريخ الأمة، مهما اختلفنا فى مدى جدوى التمسك به كتراث أو التمسك به باعتباره من الثوابت الدينية، وهنا يجب أن ندرك أن المؤسسات الدينية الكبرى لا يمكنها أن تكون قاطرة التغيير التاريخى والثقافى فى الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى.. فهى فى حد ذاتها جزء من التاريخ ومتحركة معه .. ويبقى أفضل الحلول فى رأيى هو أن يأتى التغيير فى صورة طرح أكاديمى متعمق لدارسين من خارج المؤسسة .. تكون لديهم الدراية الكافية والقدرة على الدرس والمقارنة .. وصبر العلماء فى البحث عن الحقائق وتدقيقها مع التمسك بنبل الغاية وهو تنقية الدين لا عادة تقديمه كجزء هام من حياة الإنسان على مر العصور، وليس رغبة فى التخلص منه باعتباره معوقا للتقدم والتطور.. فستبقى الأديان جزءا من ثقافة الإنسان الروحية التى طالما أعطت إجابات عن علاقة الأرض بالسماء وعن غاية الحياة وما بعدها دون تزيد فى السيطرة الكهنوتية على الحياة اليومية للإنسان المعاصر .

وهنا يأتى دور الإعلام، الذى هو -شئنا أم أبينا- محرك أساسى لكل التغيرات السياسية والثقافية فى العالم…فهو إما يتجاهلها فلا تأخذ حيزا من النور، أو يسلط الضوء عليها بقوة ليشكل هويتها وماهية معالجتها والعمل عليها. وهنا نرى أن الإعلام لابد أن يتحمل مسئوليته، ليس فقط فى الرصد والمتابعة ولكن فى الاقتراب بشكل أكثر مسئولية من قضية تجديد الخطاب الدينى.. وعليه أن يتخلى عن أى رغبة فى تحويل القضية إلى مناظرة بين خصمين وإنما لابد على النص صراحة ومنذ البداية، بل مرارا وتكرارا على أن النقاش غرضه الوصول إلى تطوير نتقبل فيه آراء حديثة لزمن وأجيال قادمة نتحمل مسئوليتها أمام الله والتاريخ، وأرى أن يبلور الإعلام- باعتباره مصدراً الثقافة الأوحد لكثير من المسلمين الآن – معادلة جديدة يجعل فيها تطوير الفكر- بعمومه – متضمنا تطوير الخطاب الدينى والسياسى والاجتماعى والاقتصادى هو الهدف … حتى لا يتحول الأمر إلى صراع ديكة نتناوش فيه سخرية وسبا لبعضنا البعض، بينما الأجيال القادمة تنتظر منا الكثير وأكثر مما ينتظره منا الحاضر الآنى .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.