أردني مسلم مسيحي / فايز الفايز
فايز الفايز ( الأردن ) الأحد 27/12/2015 م …
تماما كما لو أن أحدكم يستيقظ كل صباح ليهرول الى غرفة أبيه أو بيت شقيقه ليطرق الباب ويوقظه من نومه ليقول له « أنت شقيقي، أنا أحبك، سأقبّلك، نحن أخوان ، أنت أخي ، أنت أبي» ويسألهم: هل نحن متعايشان؟ فيجبه الطرف الثاني: «إقلب وجهك»، ما الجديد في الأمر ؟..هذا تماما ما يحصل في بلادنا كلما طق كوز الأعياد بجرّة الأيام والسنين، فتفور قضية التعايش الديني الإسلامي المسيحي على سطح أباريق القهوة التي نتناولها جميعا، وتغذيها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي، ليتبارى الكثيرون في إثبات ما هو أصيل في العلاقة بين « أبناء العرب والوطن» ويطلقون عليها وصف التعايش الديني.
التعايش الديني يجب أن يُسأل عنه الغرب في أوروبا وأمريكا، أو في الشرق الآسيوي، وليس في العالم العربي وبلاد الشام التي هي مهد الديانات، فالمسيحيون ليسوا بطارئين في بلادنا، بل هم عرب أقحاح كما هم المسلمون، كل ذهب في اختياره لدين يمثل معتقده وفلسفته ورغبته في عبادة الله ، فإن اختلفوا في العقائد والمذاهب والطوائف والملل، فهذا لا يعني أنهم فريقان واحد كائن أرضي وآخر كائن فضائي، ولكن هناك دائما أشخاصاً ينبشون في تفرعات ليس لها معنى ولا دلالات ولا فوائد تجمعنا على قضية واحدة، بل يسعون لضرب وحدة الأمة والشعوب والأوطان.
لقد بات الموضوع ممجوجا ومسيئا فيما يتعلق بالتفاخر بأننا نعيش جنبا الى جنب مسلمون ومسيحيون، ونطلق عليه وصف التعايش، فيما هناك عائلات وعشائر أصلها واحد وتعود لجدّ واحد وتجد هذا مسلماً وهذا مسيحياً ، وهذا طبيعي جدا في بلاد العرب منذ أربعة عشر قرنّا وأكثر، تماما كما طبيعة الإختلاف والخلاف بين عادات السكان ومصالحهم في نفس الحي والقطر، كما يتقاتل الإخوان ويتخاصم الأزواج، ومع هذا يشترك الجميع بأديانهم في عادة ويختلفون بأخرى، أما قضية عبادة الله وكيفيته والإعتقاد به فتلك قضية كبرى أبوابها واسعة. إن ما يسمى التعايش والتكيف والعلاقة بين المسلمين والمسيحيين في بلادنا والتي خصص لها برامج تلفزيونية وإذاعية على محطات عالمية، هي محاولة لضرب وحدة أمتنا وشعوبنا، فأصلنا واحد، ولساننا واحد وعاداتنا وتقاليدنا، ونحن نأكل الخبز ونشرب الماء ونتنفس الهواء، نجوع ونشبع، ونمرض ونتداوى ونولد ونموت ونفرح ونحزن، ونبارك لبعضنا في الأعياد ، ونعزي في الأموات، تماما كما هم البشر يا رعاكم الله ، وهذا لا يسمى تعايشا ما تصفونه بل هو أصلّ فينا ومنه مشتقات متعددة ، فلا يعيش أحد فينا على مضض، بل نحن لم نعرف التفرقة إلا عندما تمكنت فينا خباثة السياسة التي تعتمد على التفريق بين المرء وزوجه والشقيق وشقيقه، لغايات السيطرة.
لقد مرّ علينا نهاية الأسبوع الفائت في مناسبة متوحدة هي الاحتفال بذكرى مولد الرسول محمد بن عبدالله وميلاد الرسول المسيح عيسى بن مريم عليهما أفضل الصلاة والسلام ، ولعلها المرة الأولى التي يحتفل شعبنا بهاتين المناسبتين في يومين متتالين متلازمين، وهذا يجب أن يذكرنا أن بلادنا هي موطن الأنبياء جميعهم، فلم يكن النبي محمدا أوروبيا ولم يكن السيد المسيح أمريكيا ، ولم يبعث سيدنا موسى عليه السلام في «جنيف»، بل إن اليهود الذين نالهم ما نالهم على يد الأوروبيين والإسبان كما هم المسلمون آنذاك، لم يدينوا بدين عزّير المرسل الى شرق أوروبا ، ولكن القادة والسياسيين هناك هم من نكلوّا بهم. والمسيحيون في الأردن هم أصل وليسوا فرعا، ولعل غالبيتهم من غير المهاجرين طبعا، عمرّوا بلادنا قبلنا جميعا نحن الذين نتشدق بتاريخنا، وكذلك في فلسطين وسوريا التي قطعتها حدود سايكس بيكو وبلفور، ولقد سجل الغساسنة صفحات من البطولات عندما انضمت جيوشهم الى جيوش الفتح الإسلامي باتجاه المغرب العربي، وكان القائد العربي الحارث بن جبلة واحدا من أعمدة التاريخ العربي، فيما كانت أمّنا «مارية القبطية» زوج الرسول عليه السلام وأم إبراهيم ، خير مثال لتآخينا وهي ابنة أحد عظماء المسيحيين الأقباط، فيما دولتنا تعرف الكثير من رجالاتها المسيحيين.
نحن شعب واحد مهما اختلفنا في المعتقدات والأفكار وعلينا نبذ المتطرفين أكانوا مسلمين أو مسيحيين وكفى.
التعليقات مغلقة.