رسائل ساخنة في بريد دمشق…… ماذا تضمنت؟ / د. خيام الزعبي

 

د. خيام الزعبي * ( سورية ) الأحد 27/12/2015 م …

* كاتب سياسي

داعش والقوى المتطرفة الأخرى, عبارة عن دمى, لكنها تتحرك من خلال خيوط خارجية، فإن كانت هناك رغبة لإيقافها فما على من يحركها, إلا أن يقطع تلك الخيوط، وعلى المقلب الآخر تبدو سورية مدعومة من حلفائها قد فهمت اللعبة جيداً وأعدت العدة لكل الإحتمالات القادمة، فقد بعث الرئيس الأسد برسائل متزنة، ولكنها صارمة إلى الجميع، مشدداً على أن سورية  مستمرة فى مكافحة الإرهاب وتنظيماته المتعددة أينما وجد على الأرض السورية ولن تتوقف حتى تُستأصل شأفة الإرهابيين أو يعودوا من حيث جاءوا.

لقد إنكشفت الدول المصدّرة للإرهاب والداعمة له، فبعد أكثر من خمس سنوات مِن الحرب الباردة وسِباقات التسليح على سورية، أخطأ الغرب وحلفاؤه ببحاسباته مرة أخرى تجاه دمشق، فدُخول روسيا الحرب في سورية سبقه دعم أمريكي عربي  للفصائل المتطرفة والمجموعات الأخرى، ومع أنهم جميعاً لم يُسقطوا نظام الأسد ومؤسساته، إلا أنهم نَجحوا بتأسيس إرهاب دولي عابِر للقارات، فسورية وحلفاؤها ضَربت بقوة الإرهاب وداعميه في كل المناطق السورية، وأوجعت ضرباتها الدول الداعمه له، وقلصت أحلامهم وامنياتهم في تقسيم سورية وسرقة ثرواتها.

ربما كان التهديد المباشر التي وجهه الرئيس بوتين الى بعض الدول وخاصة  قطر وتركيا عبر تقرير سربته بعض الصحف الرسمية العالمية وتلويحه فيه بهجمات صاروخية انتقاما منها بسبب رعايتها ودعمها للمجموعات المتطرفة، ربما يشعل فتيل حرب اقليمية او حتى حرب عالمية ثالثة ، وقد تفعلها روسيا اذا اقتضى الأمر، ودلالات ذلك، إن روسيا لديها علاقات متوترة مع قطر منذ سنوات طويلة وخاصة بعدما قتلت روسيا المجاهد الشيشاني زيليمخان ياندرابيف والذي قام بغزو داغستان عام1991م،  بعد اختفائه في الدوحة، حيث إمتنعت قطر تسليمه لروسيا إلى إن تمكنت موسكو من تصفيته عام 2004م، بالإضافة الى الخلاف بينهما بشأن الازمة السورية، فالموقف الروسي يستند في تصوره للحل إلى القرار الأممي في نيويورك ومخرجات لقاء فيينا الأخير، فيما يبقى الموقف القطري جامدا إزاء نقطتين: مصير الرئيس الاسد، وفرز قوائم المجموعات الإرهابية في سورية، فروسيا، اذن، لها أسباب موجبة لشن الحرب على قطر، أما بالنسبة لتركيا فقد قامت بالاعتداء على مقاتلة سوخوي-24 الروسية وهي تحلق فوق الأراضي السورية، مما يعطي الحق لروسيا باستخدام كافة الوسائل للدفاع عن نفسها ومصالحها في المنطقة، في هذا الإطار اتخذت روسيا سلسلة اجراءات أدت الى شبه قطيعة تجارية بين البلدين، إضافة الى الغاء أو تجميد كل المشاريع الاستثمارية المشتركة بينهما وإيقاف العمل في إنشاء أول محطة نووية في تركيا، وفرض تأشيرات دخول على المواطنين الأتراك، وايقاف الرحلات الجوية الى تركيا، لذلك فإن تهور تركيا في إسقاط الطائرة الروسية أدت الى نتائج عكسية تماماً لكل ما سعى اليه أردوغان طوال الأزمة السورية،  فبعد اليوم لن يستطيع من إسقاط النظام السوري، خاصة بعد قرار روسيا تعزيز وجودها العسكري في سورية، بالإضافة الى أن الاقتراح التركي بإنشاء منطقة عازلة في الشمال السوري لم تعد على طاولة البحث بعد اليوم.

من الواضح أن الرئيس الأسد وبوتين بعثوا برسائل ساخنة وخطيرة إلى دول إقليمية تدعم الإرهاب وتستخدمه بكافة الوسائل والإمكانيات، ورسائل أخرى إلى دول  كبرى تمارس نفس الشىء، ولا تستكان عن استخدام الإرهاب وإستثمار نتائجه لتحقيق مصالحها وأهدافها في المنطقة، كل ذلك على أرضية دعوة مشتركة لدمشق وموسكو إلى إيجاد أشكال أكثر فاعلية للتعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب بكل أنواعه المختلفة الذي أصبح يهدد مصالح الدول ومواطنيها، ويخلط الأوراق ويثير الشكوك بين الدول التي يجب أن تقف بالفعل وقفة حقيقية ومنهجية ضد هذا الخطر الحقيقي على وجودنا وحياتنا.

مجملاً….إن الرئيس بوتين حسم الموقف وإتخذ قراره ولم يأت إلى سورية كي ينهزم وينكسر بل ليربح ويثبت للعالم قوة روسيا في مواجهة الإرهاب ودحره في سورية المنطقة بأكملها، وأن روسيا لديها قدرة هائلة وهي قادرة على خوض عدة معارك في نفس الوقت على مستوى دول الإقليم، لذلك يبدو أن روسيا بدأت فى العمل جدياً على إستعادة نفوذها فى المنطقة من خلال دعم الدول التى تعاني من التنظيمات الإرهابية التى تهدد الأمن والسلم الدولي، فتدّخل موسكو عسكرياً فى سورية قلب الطاولة على أمريكا وحلفاؤها ولم يعد وارداً لدى دول العالم التغاضي عن أهمية دور روسيا والجيش العربي السوري بالتصدي لظاهرة الإرهاب، والمعطيات على الأرض السورية تقول ان ما نشهده من مصالحات في دمشق وعودة السوريين المغرر بهم الى حضن الوطن سيعزز من صمود سورية وسحق الإرهاب أينما كان على أرضها، وبإختصار شديد إن المنطقة تعيش اليوم مرحلة مفصلية وحاسمة وما سيحدد وجهتها هو صمود الشعب السوري في وجه ما يتعرض له من مؤامرات ووقوف الدول الصديقة إلى جانبه إضافة إلى قناعة أطراف إقليمية ودولية أخرى بخطورة الإرهاب على إستقرار وأمن المنطقة والعالم وصولاً إلى تعاون دولي حقيقي وصادق في وجه هذه الآفة الخطيرة التي تهدد وطننا العزيز على قلوبنا “سورية”.

[email protected]

 

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.