لا محل من الإعراب / عفيف دلاّ

 

عفيف دلاّ ( سورية ) الأحد 27/12/2015 م …

اجتمع مجلس الأمن .. حضر وزراء الخارجية الأعضاء .. ارتفعت أسهم اللغة الدبلوماسية بين أطراف الصراع المحتدم منذ خمس سنوات في الشرق الأوسط .. وبات تفعيل المسار السياسي بقيادة الولايات المتحدة الساعية لتصدر المشهد الدولي هو الغاية .. ليس بسبب صحوة اعترت الضمير الأمريكي بعد الويلات التي سببتها لشعوب العالم، بل لأن العقل الأمريكي تنبه لضرورة استباق وقوع الكارثة المتمثلة في انتصار الجيش العربي السوري وبدعم الجيش الروسي في الميدان السوري وبالتالي أن يقطفا ثمرة مكافحة الإرهاب وحدهما مما يجعل العالم برمته مديناً لهما في تخليصه من آفة الإرهاب .. فضلاً عن أن الإرهاب يجب أن لا يخرج من سيطرة اليد الأمريكية حتى عندما يحين وقت توقف توظيفه تماشياً مع معطيات المرحلة وتطوراتها في بقعة ما من هذا العالم وانسجاماً مع المصلحة الأمريكية العائمة حول العالم .

غصت حناجر وزراء حلف العدوان بسموم حقدهم على سوريا وشعبها ورئيسها، فبعد سنوات طويلة من التخطيط وخمس سنوات من التنفيذ وكل الإمكانات المسخرة لخدمة أهدافهم وجميع الرهانات المعلنة وغير المعلنة والخطابات المتراكمة على المنابر الإقليمية والدولية، كان من بالغ الصعوبة أن يقروا بفشل أو هزيمة وخاصة أنهم باتوا في سباق مع الزمن الذي يتحكم بساعته الجيش السوري والروسي في ميدان مكافحة الإرهاب، فصبوا جام سمومهم في الخطابات التي تلت إقرار القرار /2253/ فأفصحوا عن أمنيات لم تتسع فقرات القرار لها التي ضاق بها واقع انتصار الدولة السورية وحلفاؤها فجاء القرار خالياً من بند رحيل الرئيس الأسد وثبت حقيقة الخيار والقرار للشعب السوري بعيداً عن أي إملاءات خارجية، وأقر بضرورة مكافحة الإرهاب بكل تنظيماته وكل من يدعمه سواء كان أفراداً أم منظمات أم كيانات وضرورة ضبط الحدود وإيقاف التمويل والدعم عنه، الأمر الذي يعني سقوط الرهان حول التمييز بين إرهابي جيد وإرهابي سيء ولو بشكل نسبي من حيث المبدأ، كما استعيض عن البند المتعلق بهيئة حكم انتقالية في سوريا بما أسموه عملية انتقال سياسي تتم بسبل مختلفة إحداها يمكن أن تكون هيئة حكم انتقالي يشترط بها توافق الطرفين عليها، الأمر الذي يؤشر لمسار سياسي قد يكون طويلاً نتيجة ضعف احتمالات التوافق من حيث المبدأ .. أي أن هذا القرار ثبت ما كانت الدولة السورية تطالب على الدوام بتثبيته دولياً وترك الأمور الخلافية والإشكالية رهن التوافق الإقليمي والدولي وأطراف المعارضات السورية من جهة والدولة السورية الوطنية من جهة أخرى .. الأمر الذي هو في الواقع لن يكون محكوماً بعوامل التوافق بل بعوامل المتغيرات والتطورات العسكرية والسياسية، فهم لم يكونوا في أي مرحلة سابقة مؤمنون بأي حل سياسي أو أي توافق مع الدولة السورية بل كانوا يراهنون على سقوطها الذي اعتبروه حتمياً ومسألة وقت وإذ بهم اليوم يتخبطون بين عبارات السياسة وصيغ الحل التي تقلل من خيبتهم السياسية الإستراتيجية وتحفظ ما أمكن تماسك تحالفاتهم التي باتت متصدعة نتيجة الفشل في الساحة السورية .

ومن حيث النتيجة ربما يمكننا الوقوف فقط عند التحول الدولي نحو المسار السياسي الساعي إلى إيجاد حل سياسي والذي يحسم مسالة الخيارات العسكرية التي كانت مطروحة في مراحل سابقة ويقلب صفحة الفصل السابع في ميثاق مجلس الأمن ويكسر عصاه الغليظة التي كانوا يلوحون بها بين الحين والآخر للتهويل والوعيد .. كما يؤشر ذلك إلى انحسار الرهان الدولي على ورقة الإرهاب وآلته في حسم الصراع، لا بل ضرورة التخلص منها اليوم نتيجة انعدام جدواها على مستوى الساحة السورية بالمعنى الإستراتيجي، فالإرهاب الذي لا يحقق الأهداف يصبح عالة وعبئاً على متبنيه لأنه يظهر ضيق أفق المشغل له و قصور إدارته في توظيفه لتحقيق الأهداف المرجوة فضلاً عن تداعيات تفكك بنية الإرهاب برمتها، الأمر الذي يهدد إمكانية إعادة توظيف الإرهاب مجدداً في مراحل محتملة قادمة . 

وفي الوقت الذي كان ساسة ” المجتمع الدولي ” منشغلون في الكتابة والصياغة والتنقيح والنسخ واللصق لمضمون القرار المرتقب حول سوريا ومستقبلها ، كان الرئيس السوري بشار الأسد بين أبناء شعبه في كنيسة سيدة دمشق وفي ظل التحضيرات لأسبوع الميلاد المجيد باعثاً برسالة عميقة المعنى، وهو أن سيد سورية غير عابئ بما سيخرج به مجلس الأمن فهو موجود حيث يجب أن يكون ، حيث القوة ، حيث القرار الوطني ، حيث الرفض لإملاءات الخارج ، مع الشعب السوري الصامد الصابر المسلح بروح التحدي وثقافة الحياة ، هذا الشعب الذي يعطى أمثولة المدنية والحضارة بذاته وبتاريخه الذي بدأ حين بدأت قصة الإنسان ، غير منتظر لقرار أممي يحدد له هويته وطريقة عيشه ، فهو السابق والحاضر ، وهو المستبق والأول والأخير ، وهو المبتدأ والخبر والباقي لا محل له من الإعراب .

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.