سورية…البحث الصعب عن الحل السياسي / د. خيام الزعبي
د.خيام الزعبي * ( سورية ) الجمعة 23/1/2015 …
*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق
في الوقت الذي إزداد فيه الحديث الديبلوماسي عن مؤتمر موسكو لجمع أطراف من المعارضة السورية بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة فيما بينها، عاد الحديث عن الحل السياسي والحوار بين السوريين لإنهاء الأزمة التي إقتربت من عامها الرابع يطفو على السطح مجدداً، إذ يحظى الدور الروسي في تسوية الأزمة السورية بإهتمام كبير في المجتمع المصري، إنطلاقا من أن روسيا تمثل جزءاً من حل الأزمة عن طريق الحوار السياسي بين الأطراف المتنازعة، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية ووضع حد لنزيف الدم، وتجنيب سورية من أن تكون ملاذاً للعناصر الإرهابية ومرتعاً للتنظيمات المتطرفة، في إطار هذا نتساءل، هل باتت الأزمة السورية مهيأة للحل السياسي فعلاً؟ سؤال يطرحه المهتمين بالشأن السوري على ضوء إعلان النظام السوري المشاركة في حوار تشاوري مع المعارضة في موسكو.
من الواضح بات الحل السياسي محل إجماع كل الأطراف الدولية والإقليمية، وكذلك النظام السوري والمعارضة، والسوريون يدركون أن صراع الأطراف الدولية والإقليمية في سورية وعليها، كان من أهم العوامل التي أعاقت، ولم تزل، التوصّل إلى حل سياسي، فضلاً عن أن المجموعات المسلحة لم تخرج عن كونها أدوات مرتهنة لمصادر التمويل، ففي هذا المشهد المركّب، تتعرض الدولة السورية وبنيتها الإقتصادية ونسيجها الإجتماعي لتدمير ممنهج، من هنا، بات الحل السياسي متفاوت بين أطراف متناقضة ومتصارعة، فالمجموعات الإسلامية ترى أن الحل السياسي ينحصر في إقامة دولة إسلامية، التي تحاول تعزيز وإرساء دعائمها الغريبة عن تقاليد وثقافة السوريين وتراثهم الإسلامي المعتدل، أما أطراف المعارضة الخارجية فإنها تعاني من فشل سياساتها ورهاناتها الدولية، وتلاعب الأطراف الدولية بمكوناتها وآليات إشتغالها السياسية، هذه الأطراف ومن يمثلّها من مجموعات مقاتلة، لا تزال تتمسك بالآليات والأهداف السياسية نفسها التي أثبتت مجريات الأزمة فشلها، ومع ذلك، لا تزال تلك القوى المعارضة ترى أن المدخل إلى الحل السياسي ينحصر في إسقاط النظام، فيما بعض المجموعات المتقاتلة ترى أن مصالحها تكمن في إستمرار الصراع، ولا يعنيها أي توافق سياسي، أما في ما يتعلق بتيارات المعارضة الداخلية فإن بعض أطرافها تسعى للمشاركة في أي حوار سياسي، وتوافق على المشاركة السياسية أياً يكن مستواها وشكلها ونتائجها السياسية للحفاظ على مستقبل سورية، كما أضيفت سلسلة من التعقيدات التي تشكل عثرات جديدة أمام حوار موسكو السوري المرتقب أواخر الشهر الحالي، غداة بروز بوادر طلاق بين دمشق والأكراد بعد إندلاع مواجهات عنيفة بينهما في مدينة الحسكة، إذ إعتبر محللون أنها تطوي تفاهماً ميدانياً إستمر عدة سنوات وفتح جبهة جديدة في الصراع السوري، وبالتزامن لوحت تركيا بما أسمته توسيعاً للمنطقة العسكرية على الحدود السورية – التركية مع توافر انباء إستخباراتية تركية عن وجود علاقة لثلاثة آلاف شخص مع تنظيم داعش، فضلاً عن الإعتداء الإسرائيلي الأخير على مجموعة من المقاومة في مزارع الأمل بالقنيطرة السورية الذي يهدف إلى تعطيل أي حل سياسي في المنطقة وجر المنطقة إلى أزمة إقليمية.
اليوم تشهد العاصمة المصرية حراكاً سياسياً ومؤتمرات لبلورة رؤى وتطلعات الشعب السوري حيال مستقبل بلدهم والسبيل الأنجع لوضع قطار الحوار الوطني على سكة الحل السياسي الشامل للأزمة، من خلال إستضافة كل أطياف المعارضة السورية، بهدف توحيد موقف هذه الفصائل والتيارات، والتوافق بشأن صياغة وثيقة سياسية لحل الأزمة والتمهيد لإجراء لقاء تشاوري موسع متوقع أن تستضيفه القاهرة في وقت لاحق، ويأتي حوار المعارضة المقرر خلال الفترة من 22 إلى 24 من الشهر الجاري، لبحث الأزمة في سورية وكيفية الخروج منها، وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، إن “حل الأزمة السورية لا بد أن يتم بشكل سلمي ومن خلال الحل السياسي، فما يحدث في سورية اليوم ليس من مصلحتنا أبداً، ويجب أن يكون هناك عمل جاد من أجل إنهاء الأزمة هناك”، وعن وضع الرئيس بشار الأسد في الحل السياسي، قال الرئيس السيسي :” أن وضع الرئيس الأسد سيكون جزءاً من عملية التفاوض والاتفاق إذا ما تم الاتفاق والتوافق بين جميع الأطراف، وما دام سيكون هناك حوار بين النظام والمعارضة”.
وبالرغم من التغيير الذي طرأ على معطيات الأزمة السورية، هناك دول تلعب لعبة مزدوجة، إذ أنها في العلن تؤيد الحل السياسي، بينما تحت الطاولة هي تساعد المسلحين، وبالمقابل باتت متضررة من الإرهاب، رغم ذلك هي لا زالت تدعم هذه الجماعات لتصفية حسابات مع دول إقليمية ومع شخص الرئيس الأسد، كما إن تركيا لا زالت متمسكة بموقفها المعادي للنظام، وبالرغم من التفاؤل الإيراني، فإن تركيا لا تزال ماضية قدماً في خياراتها، أي خطوة تفضي الى تعزيز موقف النظام سواء على الصعيد العسكري أو على صعيد إتمام نوع من المصالحات كما جرى في ريف دمشق وحمص وأجزاء من حلب، فإن الأتراك معارضين لها، كونهم لا يحبذون أي خطة تجميد القتال في حلب، لأن ذلك يعني بالنسبة اليهم تفرّغ الجيش السوري لقتال المسلحين في جبهات اخرى.
إنطلاقاً من فكرة التوافق الدولي بشأن الأزمة السورية، يبدي النظام السوري إيجابية ملحوظة تجاه المسعى الروسي ويعلن أن “لديه توجيهات من الرئيس ببذل كل جهد ممكن لانجاح لقاء موسكو، بحسب وزير الخارجية السوري وليد المعلم، حتى أنه لم يغلق الباب في وجه دي مستورا على الرغم من عدم قدرته على إنتزاع ضمانات جدية من الأطراف الأخرى، لكنه في الوقت عينه يستكمل بشراسة معركته في الميدان، في المقابل، يعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن مبادرة موسكو قد تكون مفيدة، في وقت تلمّح فيه بلاده إلى قناعتها بأن “لا حل من دون الأسد”، لكنها في الوقت نفسه ترسل السيناتور جون ماكين للقاء ولي العهد السعودي، سلمان بن عبد العزيز، والأمير تميم بن حمد في الدوحة، لبحث مسألة تدريب المعارضة السورية، مما يعكس ذلك إدراك أطراف النزاع السوري، أن مرحلة الميدان لم تنته بعد، وبالتالي فإن المرحلة السياسية الفعلية التي تسبقها عادة لم تبدأ بعد.
وأخيراً يمكنني القول إن التوازن الحالي في المنطقة غير مستقر، على الرغم أنه يسير لمصلحة سورية وروسيا ومصر حالياً، والرهان يبقى على قدرة الجيش العربي السوري ميدانياً على تقويض أي أمل لدى الغرب وحلفاؤه بأن الدولة السورية يمكن إسقاطها عسكرياً من الداخل، وعلى قدرة روسيا ومصر على الوصول لتفاهمات مع الدول الفاعلة في الأزمة، بإختصار شديد أرى أن الحل معقد وشائك ما لم يتم الضغط على كل من السعودية وتركيا وقطر واسرائيل وحلفاؤهم في المنطقة وبقوة كي يتوقفوا عن التدخل في الشأن السوري، كون معظم السوريين يدركون أن مصالحهم ومستقبلهم تندرج في سياق لعبة دولية، وأنهم تحوّلوا إلى وقود للصراعات الدولية، وهذا يفرض عليهم أن يقبضوا على زمام تقرير مصيرهم، ويتوحدوا في مواجهة الأحادية السياسية وضد المجموعات الجهادية التي تُعتبر إحدى أدوات المشروع الغربي، وهذا يكتنفه صعوبات بالغة نتيجة تشابك وتداخل أطراف الصراع مع المشهد الإقليمي والدولي، وبإختصار شديد أرى إن سورية باتت برميل بارود سينفجر أكثر ويحصد المزيد من الأبرياء إذا تأخر الحل السياسي وفشلت التسوية السياسية، لذلك اتمنى بأن يؤسس المؤتمر لحوار سوري – سوري يُفضي إلى توقف الحرب والسير بالحل السياسي.
التعليقات مغلقة.