تقييمنا لقرار مجلس الأمن رقم 2254 / د.عاصم قبطان

 

د.عاصم قبطان ( الأحد ) 27/12/2015 م …

بشأن سورية ، أخيراً تمخض مخاض مجلس الأمن عن الجوهرة التي انتظرها الجميع  في قراره رقم 2254 يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2015 ،  و لأول مرة منذ زمنٍ بعيد  نال القرار التصويت بالاجماع ليرسم خارطة الطريق التي طال انتظارها من الجميع و في مقدمتهم السوريون ، الذين عانوا و ما زالوا يعانون من عواقب الحرب البينية التي اكتوو بنارها و التي قضت على الأخضر و اليابس .

نحن لم نتأخر في التعليق على القرار و لكن كان لا بد من القراءةِ المتأنية  فخمسة سنوات من القتل و الدمار و التخريب و الخطف و التعذيب و امتهان الكرامات  و التهجير القسري و محاولات النغيير الديموغرافي تتطلب اتخاذ المواقف الشجاعة من الجميع  ، قد لا نكون متفائلين جداً و لكن إجماع أعضاء مجلس الأمن بكاملهم على هذا القرار ، يعطي إشارات بأن القوى العالمية و الاقليمية قد وصلت إلى طريق مسدود في اعتمادها الحقيقي للحل العسكري و تحقيق انتصارٍ ناجز لأيٍ منها ، لقد فشلت كل القوى المحيطة التي ساهمت في إذكاء نار الحرب السورية البينية في جهودها لتحقيق أي انتصار حاسم ، و بات على الجميع الاعتراف بعدم جدوى الاستمرار في هذه الحرب القذرة التي لم تخلف سوى القتل و الخراب و تدمير البنية التحتية ، و لم يكن المستفيد منها أي من المتقاتلين السوريين ، بل كان في حسابات القوى العالمية مكاناً لتحقيق المصالح الخاصة التي لم يخفيها أحد فروسيا  أعلنت مراراً و تكراراً على لسان رئيسها بوتين بأنها تخوض حربها في سوريا لحماية شعبها من الارهاب المتمثل في المقاتلين الاسلاميين الذين أرهبوا الشورع و السكان في المدن الروسية الكبيرة ، و أمريكا و من ورائها إسرائيل لم تكن معنية إلا باستمرار هذه الحرب القذرة التي باتت تستنزف المسلمين السلفيين الذين باتوا يشكلون خطراً حقيقياً على الأمن و الأمان في الدول الغربية فكان لا بد من استنزافهم  و استهلاكهم في الحرب السورية بدلاً من أن يشكلوا خطراً على الأوربيين و الأمريكان في عقر دارهم  .

المهم كيف نقيم هذا القرار و ما سينتج عنه بالنسبة لنا كسوريين سواءٌ كنا في المعارضة أو الموالاة ، النقطة الأولى أن القضية السورية بعد هذا القرار باتت على سكة الحل السياسي الذي يمثل طريق الخلاص للسوريين قبل غيرهم ، لا بد للجميع من الإفادة من هذه الفرصة  للوصول إلى حل فسوريا لكل أبنائها و حان الوقت  للجميع لقبول هذه الحقيقة فهي لم تؤخذ بحد السيف و لم تورث لأحد و لن يكون هناك صوتٌ يعلو بعد اليوم سوى صوت العقل و الحقيقة ، بدون شك سوف تحاول كل القوى التي تعتقد أن في انتصار السوريين على آهات و عذابات الحرب خسارةٌ لها و ستعمل هذه القوى على إفشال الوصول إلى سكة السلامة ، و لكن اكتشاف القوتين الأعظم أن مصلحتهما باتت في التوافق سوف يجهض فيما نعتقد المحاولات الآسنة الهادفة لاستمرار الحرب و ازهاق الأرواح ، و امتصاص دماء و أحلام المقهورين الذين وقعوا ما بين سندان و مطرقة القوى المتقاتلة .

ليس لنا إلا التفاؤل  ؟ بدون شك المأمول  و المطلوب اعتباراً من الآن و من كل الوطنيين السوريين العمل بجدٍ و نشاط لاختصار المراحل لاستعادة سوريا لعافيتها و من المؤكد بأنه لن يكون من السهل الوصول إلى النتائج الايجابية بسهولة فعلى ضفتي الموالاة و المعارضة تتمترس القوى التي ستفقد بريقها و ربما امتيازاتها و سوف تقاتل من أجل الحفاظ على ما حققته من امتيازات و أرباح ، و لكن دورنا جميعاً نحن السوريون الوطنيون العمل على جسر الهوة العميقة التي أحدثتها الحرب الأهلية ما بين الفرقاء على مدى خمسة أعوام ، و من خلال مبدأ الرمال المتحركة أصبح لزاماً على جميع القوى  التي شاركت و ما زالت تشارك في هذه الحرب القذرة أن تعيد النظر و تتوقع النتائج و ستبقى نتائج الكر و الفر ماثلة في الأذهان لدى الجميع  فليس هناك انتصاردائم يقابله في مكان آخر خسارةٌ مرعبة ، لأن القرار الذي اتخذته القوى العالمية بالركونِ إلى الحل السياسي  ، و قد يكون الايحاء بالإنتصار فخاً لا ينتج عنه إلا سراب في وقتٍ لاحق إن جدلية استمرار الحرب و إزهاق الأرواح لن تكون في مصلحة أحد ، و على المخلصين و العقلانيين من ضفتي المعاناة السورية و نعني بذلك الموالاة و المعارضة العمل على اتخاذ المبادرة و تقديم الشكر لكل من حمل السلاح و مخاطبتهم من باب المواطنة و الوفاء لأرواح الشهداء ان عظم الله أجركم و شكر سعيكم و رحم شهدائكم .

المطلوب الآن من جميع المخلصين التنادي للعمل معاً و خلال فترةٍ قصيرة  قد لا تتجاوز السنتين للوصول إلى سورية الجديدة  التي نرومها و نعمل من أجلها ، سوريا الديمقراطية الحرة العزيزة القوية صاحبة القرار و الموقف و مرجعية كل العرب و الأصدقاء ، و لن يتحقق ذلك إلا بتوفر الحرية و تأمين مساحة وافرة من الأمان لكل أبناء الوطن و تحقيق وقف إطلاق النار على كل الجبهات ما عدا القتال ضد الارهاب بكل أشكالهِ و مكوناتهِ و مصادره ، و يستطيع السوريون المناداة  بأعلى صوتهم أن ارفعوا أيديكم عن سوريا و دعونا نستعيد بناءها بأيدينا ،

 

إن وقف القتال سوف يعني الاختكام منذ الآن إلى الحجة و العقل ، و إن الصراع على السلطة من محبي السلطة سوف يتحول إلى صراع سياسي سلاحه الكلمة بدلاً من القتل و سفك الدماء .

لا شك أن المشكلة السورية كبيرة و طريقة حلها وعرة و لكن لا بد من الخطوة الأولى و الولاء لسوريا قبل و بعد كل شيء و للحديث بقية ، كل عام و أنتم بخير .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.