معجزة فلسطينية … “كفيف” يقود الدارجة النارية والهوائية , يركب الخيل ويعزف البيانو
الأردن العربي ( الإثنين ) 28/12/2015 م …
ما أن تراه يقود الدراجة النارية حتي تعتقد جازماً أنه يمتلك عينان مبصرتان يري بهما أمامه, ولكن ما أن تركز أكثر حتي تري شاباً في العشرينات من العمر يمتلك اصراراً وعزيمة علي مواصلة حياته بالرغم من الاعاقة البصرية التي يعاني منها منذ الطفولة.
محمد الغلبان صاحب الـ(23) عاما يعرفه الكبير والصغير في المنطقة, وهو يجوب شوارعها برفقه شقيقه عزام الكفيف أيضاُ, حيث يضع يده علي كتف شقيقه وينطلقان يجوبان الشوارع التي يحفظانها عن ظهر قلب.
ما أن تنادي عليه حتي يعرف من أنت وما هي المسافة التي تبتعد بها عنه, ويحضر إليك دون أدنى مشكلة كأنه يراك أمامه مباشرة.
يفتح “محمد” صاحب البشرة القمحية قلبه لمراسل” دنيا الوطن” قائلاً :”إن الله حرمني من نعمة البصر ولكنه أعطاني عوضاً عنها بصيرة, لا يجدها كثير غيري وهم يتمنون أن تتوفر لهم”.
ويتابع متناسياً ما يمر به من أوضاع صعبة “: أول مشوارنا كنا نخجل من مواجهة الناس وكنا نجلس في البيت لفترات طويلة, لكن ما ان تغيرت الأوضاع وبدأنا بالذهاب إلي المدرسة الخاصة بالمكفوفين حتي بدأنا بالاختلاط مع الناس واصبحنا نتعامل معهم بكل راحة”.
ولم يكن فقدان البصر منذ الصغر عائقاً أمام محمد, صاحب الابتسامة العريضة التي لا تكاد تفارق وجهه والتي يعرفها كل أهالي الحي, ولسان حاله يقول:
ليس الكفيف الذي أمسي بلا بصر… إني أرى من ذوي الأبصار عميانا.
وأنهى الشابان المحبوبان دراستهما واجتازا المرحلة الثانوية, لينتقلا إلي المرحلة الجامعية, حيث يدرس محمد تخصص خدمة اجتماعية ولكن تم اغلاق التخصص في الجامعة نظراً لقلة المسجلين فيه بعد أن درس سنة كاملة , ويدرس عزام تخصص دبلوم تأهيل دعاة, والذي وللأسف لم يتمكن ايضا من اكمال دراسته نظراً لحالتهم المادية الصعبة.
ومع اخذه نفساً عميقاً وابتسامة خافتة يختفي بين طياتها الحزن يقول محمد الشهير بـ”حمودة”:” كنا نتمنى أنا وشقيقي عزام أن نكمل دراستنا الجامعية, ولكن الفقر وقلة الامكانيات وعدم القدرة علي توفير المصروف الخاص بالجامعة لم تسمح لنا بإكمال دراستنا وتحقيق طموحاتنا واحلامنا”.
ويعيش الشابان مع أسرة متواضعة بين حواري منطقة معن في الشرق من محافظة خانيونس, مع والديهم وشقيقيهم الآخران اللذان يعانان من الإعاقة البصرية ولكن بشكل جزئي.
ويقضي محمد وشقيقه عزام يومهما بالتنقل بين شوارع المنطقة ويتناولان الحديث والدعابة مع كل من يقابلانه من الأقارب والأصحاب.
وبلغة بسيطة وثقة عالية ولسان حامد لله عز وجل علي ما قدره له يتحدث حمودة:” أحب المغامرات وركوب الخيل, وكل يوم أحب اعمل شيء جديد, حتي لو وقعت اكثر من مرة ما يهمني, وبسبب حبي للمغامرات استطعت الآن اركب الخيل واقود الدراجة النارية واسوق السيارة واعمل كل شيء ارغب فيه”.
ويتمني صاحب الملكة القوية في الحفظ أن يصبح عازف علي آلة البيانو الموسيقية, التي عشقها عندما كان يذهب إلي غرفة الموسيقي الخاصة بالمدرسة التي كان يرتادها.
وعلي سبيل الدعابة يقول محمد الذي يملك احساس عالي جداً:” كنت جالس مع ابناء عمي وفجأة قطعت الكهرباء, ولا يوجد شمع او حتي كشاف, فمسكوا يدي حتي اخرجهم من العتمة والظلام الدامس”, لدرجة أنه في حالة انقطاع التيار الكهربائي فإن أهله وأقاربه يستعينون به في توفير الضوء اللازم بعد ان يكون قد حفظ مكانه.
ويتعامل محمد مع أجهزة الجوال الحديثة بكل سهولة حسب تعبيره, ويقول:” أتمني شراء جوال لمس مثل الناس, فأنا احفظ البرامج علي الجوال عن ظهر قلب, واستطيع التعامل مع أي جهاز ينزل جديد في الأسواق, لكن الأوضاع الصعبة والظروف التي نعيشها في العائلة تقف عائقاً علي اقتنائه”.
أما عزام صاحب الـ(25) عاماً فله نصيب ايضاً من الموهبة حيث يلعب كرة القدم الخاصة بالمكفوفين, وقد تم التعاقد معه من قبل نادي المجمع الاسلامي لمدة خمس سنوات للعب ضمن فريق خاص بهم.
ويتمني لاعب الوسط بالفريق الذي يتكون من ثلاثة أشخاص ان يشارك في بطولات عالمية, ليمثل بلده ويرفع علم وطنه عالياً, كما يتمني أن يفتح نادي خاص به لممارسة رياضته المفضلة.
هذا التقرير يروي قصة محمد الغلبان مع شقيقه عزام, الذين جمعتهم الإعاقة البصرية ولم تفرقهم الإرادة والإصرار والعزيمة علي تحقيق طموحهم وأمنياتهم.
التعليقات مغلقة.