الديمقراطية والسياسات الامريكية / فؤاد دبور
فؤاد دبور* ( الأردن ) الثلاثاء 29/12/2015 م …
*الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي الأردني
الديمقراطية بمعناها العام والشامل تعني أن يكون الشعب مصدر السلطات وهو صاحب السيادة والحق في اتخاذ القرارات ومراقبة تنفيذها والمحاسبة على نتائجها بوسائل سلمية من خلال قواعد وأسس ومؤسسات يتم الاتفاق عليها بين مكونات الشعب تؤدي إلى التداول السلمي للسلطة بين جميع هذه المكونات من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة. كما أن الديمقراطية ضرورة للارتقاء بالمجتمع وتقدمه وتطوره حيث لا يستقيم أي تقدم بدونها وذلك عبر إطلاق الحريات المسؤولة في السياسة والاقتصاد والثقافة والتعبير ضمن محددات وقوانين ناظمة بحيث يتم الالتزام بهذه القوانين وعدم الخروج عليها تحت طائلة المساءلة بمعنى أن الديمقراطية السليمة هي طريقة حياة وأسلوب يعتمد إدارة المجتمع بوسائل سلمية. لكن هل المفهوم الأمريكي للديمقراطية والتي تدعي أمريكا انها تعمل من اجل تطبيقها في منطقتنا وبالذات في الأقطار العربية وخاصة تلك التي تشهد ازمات ينسجم مع المفهوم الحقيقي للديمقراطية؟ أم أن الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة الأمريكية لأقطار امتنا وفقا لسياساتها هي عبارة عن أيدلوجية غزو واحتلال وقتل وخلق فتن وصراعات داخلية بين أبناء الشعب الواحد وأداة سياسية لتحقيق مشروعها الذي يخدم مصالحها ومصالح الشريك الاستراتيجي لها في المنطقة وهو الكيان الصهيوني وتعتمد فيه على التدخل العسكري المباشر مثلما حصل في العراق عام 2003 وما قبله أو بالاعتماد على الأداة الصهيونية مثلما حصل في شهر تموز 2006م في لبنان أم غير مباشر بالاعتماد على قوى محلية منشقة عن الوطن والشعب هوية وانتماء مثلما يحصل في سورية وغيرها من أقطار الوطن العربي؟
الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي تعني وضع الأمة العربية بكاملها في دائرة الاتهام والاستهداف وتجعل من نفسها حكما وحاكما، ولكن ظالما، تحاكم المقاومة وفكرها وثقافتها وطرق نضالها وتبذل الجهود والضغوطات من اجل جعلها ترضخ لسياساتها تنفذ ما هو مطلوب منها وبخاصة عدم المواجهة مع مشاريعها وأهدافها الإستراتيجية في المنطقة وأولها توفير الأمن والحماية والتفوق للكيان الصهيوني وتسهيل نهب ثروات الامة وبخاصة الثروة النفطية كمادة إستراتيجية تخدم شركاتها العاملة في هذا المجال مثلما تخدم سياساتها الهادفة إلى التحكم بدول العالم لتصبح المتحكم الأوحد في هذا العالم، اوليس هذا هو النهج الذي اتبعته مع سورية عندما طلبت من قيادة الدولة القبول بالنهج الأمريكي في المنطقة والتوقف عن التصدي للمشروع الأمريكي والتوقف عن دعم المقاومة التي واجهت احتلالها للعراق والمقاومة في فلسطين ولبنان التي تواجه الاحتلال والعدوان الصهيوني؟ الم تطلب من القيادة السورية عدم الاقتراب من مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف أقطار الأمة العربية وتحويلها إلى كيانات هزيلة تدور في فلكها؟ أي أن الديمقراطية كما تفهمها الولايات المتحدة هي وسيلة لتحقيق المشروع الامبريالي الأمريكي الصهيوني وبمعنى أدق فإن الديمقراطية التي تدعيها أمريكا هي وسيلة لاستعباد شعوب المنطقة. وبالتأكيد عندما ترفض سورية أو غيرها هذا المفهوم السياسي الاستعبادي للديمقراطية الأمريكية وتتمسك بالديمقراطية السليمة باعتبارها المعطي الإنساني للحرية والكرامة والتقدم وليس أداة لاستعباد الآخرين وجب عليها العقاب عبر اتخاذ إجراءات الحصار وتحريك الأدوات والعصابات الارهابية المسلحة المأجورة لخلق الفوضى وعدم الاستقرار وضرب الاقتصاد وإضعاف النظام والشعب وتعريض الوطن للأخطار.
إننا نعود لنؤكد على أن الديمقراطية التي تريدها أمريكا في منطقتنا لا تعترف بالقيم الإنسانية وان كل ما تهدف إليه هو السيطرة على هذه المنطقة وجرها إلى فوضى واقتتال داخلي وخنق حرية الشعوب وإدخالها في دوائر الصراعات الدموية. وهذا يؤكد ما نذهب إليه دائما والمتمثل بالوصف الحقيقي للادعاءات الأمريكية المزيفة حول دعمها لما يسمى بالتحركات من اجل التغيير في الوطن العربي ، وهذا قمة الزيف لان أهداف المواقف الأمريكية ما هي إلا استهدافات لامتنا وللمنطقة لتنفيذ المشاريع والمخططات التي تخدم مصالحها والمشروع الاستعماري التوسعي لحليفها الصهيوني على حساب الأرض والمصالح والحقوق العربية وبخاصة في فلسطين.
نحن هنا لسنا بصدد إيراد الدلائل الكثيرة على مثل هذه السياسات الأمريكية ولكن نتوقف عند الأبرز والاهم، إذ كيف يمكن لعاقل أن يثق بادعاءات قادة الولايات المتحدة حول الديمقراطية في منطقتنا وهو يشاهد الشراكة الإستراتيجية مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض الآخرين في فلسطين وسورية ولبنان والذي يمارس كل أشكال العدوان والقتل والبطش والإرهاب والحصار وانتهاك ابسط حقوق الإنسان هذه الشراكة القائمة على توفير كل أسباب وأشكال الدعم التي تشجع هذا الكيان على ممارسة كل هذه الأشكال من الجرائم؟ ثم هل لعاقل أن يصدق أو يثق بالديمقراطية الأمريكية التي تشن الحروب وتحتل الدول تقتل المواطنين وتدمر المؤسسات لتحقيق أطماعها وإشباع شهواتها المالية مثلما هو الحال في العراق وأفغانستان؟ وهل الديمقراطية تعني فرض القبول بالقواعد العسكرية الأمريكية على ارض الآخرين ومياههم؟ ثم، كيف يمكن لعاقل أن يصدق الادعاءات الأمريكية بالدفاع عن حقوق الشعوب بالديمقراطية وهو يرى كيف عملت الإدارات الأمريكية على تقسيم السودان وخلق كيان بمواصفات صهيونية في جنوبه؟ وكيف يثق عاقل بالديمقراطية الأمريكية وهو يشاهد ويرى دعم الإدارة الأمريكية لعصابات الإرهاب والقتل والإجرام التي تحاول تقويض امن سورية وزعزعة استقرارها؟ وكيف يمكن لعاقل أن يثق بالديمقراطية الأمريكية التي تحرك ما يسمى بالمحكمة الدولية التي أقامتها لأهداف سياسية محضة فيما يتعلق باغتيال الرئيس الحريري، حيث تذهب الديمقراطية الأمريكية مرة إلى استخدام هذه المحكمة للضغط على سورية ومرة أخرى لاعتقال ضباط لبنانيين وثالثة تستهدف من خلال هذه المحكمة المقاومة الوطنية والإسلامية في لبنان وجر لبنان لفتنة واقتتال طائفي يصب في خدمة مشاريعها وسياساتها وتوفير الأمن للكيان الصهيوني الذي ذاق الأمرين على يد هذه المقاومة في حرب تموز عام 2006م، مع العلم بأن معظم من أوكل إليهم أمر قيادة التحقيق والقضاء معروفة علاقتهم بمخابراتها أو بحليفها الصهيوني؟ وهي التي تشارك الكيان الصهيوني في التخطيط لاغتيال قادة المقاومة؟
ونقول، لتتوقف الإدارة الأمريكية عن عرض مسرحية الديمقراطية الأمريكية في المنطقة بعامة وفي سورية العربية المقاومة بوجه خاص كما على ابطال هذه المسرحية من الخارجين على الوطن والذين أعمت بصرهم وبصيرتهم الدولارات الملطخة بالدم، فشكلوا عصابات إرهاب وقتل وحولوا المسرحية إلى مأساة سياسية واجتماعية وإنسانية حقيقية بالتسبب في حمام من دماء المواطنين وبخاصة رجال الأمن والجيش كانت تنتهي بجريمة التمثيل الوحشي بحثت العسكريين الذين يدخرهم الوطن للدفاع عنه وحمايته من أعداء الوطن والأمة.
ونؤكد على أن المسار الديمقراطي السليم قد اخذ يتعزز في سورية عبر مشاريع القوانين الناظمة لهذا المسار والتي وضعت أسسها اللجان المشكلة والمتمثلة أساسا في قانون انتخاب مجلس الشعب، وفي قانون أحزاب سياسية وقانون إعلام ودستور، وانتخاب مجلس الشعب، وانتخاب الرئيس وقوانين أخرى ناظمة للحياة السياسية والديمقراطية والهادفة للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القطر العربي السوري بعيدا عن المفهوم الأمريكي الإجرامي للديمقراطية.
التعليقات مغلقة.