حين يتحدث أنور ياسين وأحمد أبرص.. عن الشهيد سمير القنطار
الأردن العربي ( الثلاثاء ) 29/12/2015 م …
ليس هناك أفضل ممن عرف طريقًا شبيهًا في المقاومة والأسر، ليكلّمنا عن سمير القنطار، الشهيد الذي يحمل في كل حرفٍ من اسمه، كل مفردات الصراع الطويل مع الكيان الصهيوني، فضرب عمقه شابًّا، وصارع عنجهيته معتقلًا لثلاثين سنة، وأرّقه حرًا فأخافه حتى الإغتيال.
الأسير المحرر أنور ياسين، وأحمد أبرص عضو اللجنة المركزية في جبهة التحرير الفلسطينية وقائد عملية نهاريا الذي كان أحد منفذيها الشهيد سمير القنطار، يتحدثان الى “بيروت برس” عن سمير المقاوم الذي بلغ أعلى قمم التضحية التي يمكن لإنسانٍ مؤمن بقضيته أن يبلغها.
لم يتفاجأ الأسير المحرر أنور ياسين بخبر استشهاد سمير القنطار، وإن كان للخبر وقعه على ياسين الذي يقول: “كان أمرًا متوقعًا بأي لحظة، أن يحصل ذلك مع إنسان كسمير، الذي إختار بنفسه طريق المقاومة. أمامنا عدو غادر، مما يضع احتمال الشهادة دائمًا أمام أعيننا، فعدونا يستغل أي فرصة تتيح له اقتناص أي مقاومٍ أو كادرٍ أو قائد. أحيانًا كثيرة يفشل، وأحيانًا ينجح، واليوم للأسف تمكن هذا العدو من الوصول إلى سمير، مستفيدًا من ثغرةٍ ما بعد طول محاولات.
ويتابع ياسين حديثه عن القنطار ومحطات حياته التي “إنتقل فيها سمير من مقاومٍ، إلى مقاومٍ داخل الأسر رغم جرحه والفترة الطويلة التي قضاها في الأسر، نحن نتكلم عن ثلاثين عامًا في السجون، بقي صامدًا وكان له بصمته في الحركة الوطنية الأسيرة، وبعد خروجه عاد مقاومًا يكمل مسيرته، والتحق بصفوف المقاومة الإسلامية ليحقق هذا الحلم، حلم الشهادة. وهو الآن وصل لقمة المجد بهذه المسيرة التي اختتمها بأفضل طريقة ممكنة”.
يروي لنا ياسين كيف التقى بالشهيد القنطار في الأسر مستعرضًا مقتطفات من اللحظات التي جمعتهما خلف القضبان، فيقول: “حين دخلت أنا إلى المعتقل كان سمير هناك منذ ثماني سنواتٍ تقريبًا، إذ كان عنوانًا للمقاوم الأسير منذ ذلك الحين. حين دخلت السجن، كان أحد الصهاينة وهو للأسف عربي من عرب الـ48، إسمه يوسف خنيفس، سجّانًا قاسيًا جدًا مع الأسرى، وبسبب وساخته هذه، ترقّى إلى أن أصبح مسؤولًا عن الأمن في معتقل نفحا الذي كان يتواجد به سمير.
هذا السجن إنتقل إليه سمير بعد أن كان في معتقل بئر السبع، حيث فرضت حركة الأسرى على سلطات الإحتلال نقل سمير من عسقلان إلى نفحا، بسبب المشكلة الصحية التي كان يعاني منها القنطار في رئتيه، وطبيعة سجن عسقلان الواقع في منطقة رطوبة طقسها مؤذٍ لسمير وللذين يعانون مشاكل صحية مشابهة. حين انتقلت أنا إلى سجن نفحا هذا، رحب بي السجان العربي، فقلت له بأني غير سعيد بمجيئي إلى هنا، وأني قدمت طلبًا لنقلي من سجن نفحا مباشرةً وإلا ستتحمل أنت عواقب الأمر، فاستغرب قائلًا إنه سيضعني في نفس الزنزانة مع “صاحبي”، أي سمير، مما يشير بوضوح إلى مكانة ورمزية سمير حتى عند العدو، الذي كان يعلم جيدًا مكانة القنطار عند الأسرى. تميّز سمير بحسّه الأمني الفريد، كان دائمًا يحاول أن يبقي كل ما لدينا داخل الزنزانة بعيدًا عن السجانين. أذكر حين أخبرني عن هاتفٍ جوّال كان الأسرى في حركة فتح قد أدخلوه وتركوه لسمير في مكانٍ آمن، وكيف كان حريصًا جدًا على مداراة هذه الأمور، وشديد الرصد والمراقبة لكل التفاصيل”.
لا يجد ياسين فارقًا في استشهاد القنطار بسوريا، عن امكانية أن يكون الإستهداف في لبنان او في أي مكان آخر غير سوريا، فباعتبار ياسين أن تكون “”إسرائيل” التي لا تميز بين سوري او لبناني أو فلسطيني، هي التي استهدفت القنطار، فهذا يدعونا نحن أيضًا لأن نعمل على قاعدة الحدود المفتوحة”. ويضيف ياسين: “إن كان هناك جدل في البداية حول ما يحصل في سوريا بين أن يكون شأنًا داخليًا أم لا، فإنّ الوقت كان كفيلًا بتوضيح ما حصل ويحصل هناك، والذي يندرج في سياقٍ هدفه أبعد بكثير من تغييرات داخلية أو إصلاحات. الهدف هو إبعاد سوريا عن المقاومة، وبالتالي صار واجبًا على كلّ مقاومٍ شريف أن يدافع عن سوريا”.
وعن الدور والمهمات التي كان الشهيد القنطار موكلًا بها، يجد ياسين أنّ “المكان الذي عمل به سمير، فيما يخص تأسيس مقاومة شعبية سورية لتحرير الجولان، فيه ما يكفي من الناحية العاطفية تجاه أهل الجولان. فقد شعرنا في سنين الإحتلال أنهم فئة تنتمي بحق إلى نسيج المقاومة في المنطقة، وأنهم مختلفون تمامًا عن بعض الخونة العرب في الداخل الفلسطيني. ربما لدى حزب الله الكثير من القيادات والكوادر التي تمتلك خبرات العسكرية وقدرات بدنية أفضل مما لدى سمير، لكن رمزية القنطار، الأسير الذي خرج لمواصلة ذات النهج، أمام العناصر التي يمكن أن يقودها لتحقيق تحرير الجولان، ستعطيهم الكثير من القوة والصبر للسير على الطريق الصحيح. هذا ما أراد حزب الله تحقيقه والإستفادة منه، وهذا ما أظنّ أنّ سمير حققه في الفترة التي عمل بها مع المقاومين السوريين. ومن الأمور التي شجعت الحزب حسب رأيي لإرسال سمير إلى الجولان، هي صعوبة إخفائه داخل لبنان. فهذه الرمزية الكبيرة التي حققها القنطار، فرضت واقعًا يصعب فيه حماية سمير أمنيًا داخل لبنان، فتم إرساله إلى مكانٍ يعمل فيه بفعالية وبعيدًا عن الأنظار أيضًا”.
يرى ياسين أن العدو الإسرائيلي ما زال يتوهم بإضعاف مسيرة المقاومة، كما هو الحال مع كل اغتيال نفذه بحق قيادي في المقاومة، “أما الحقيقة فهي أنّ كل شهيد أو جريح يسقط على تراب فلسطين ينبت آلاف المقاومين، فالقناعة تزداد بوجوب القضاء على المشروع الصهيوني في المنطقة، وحين يسقط الشهداء وتسيل الدماء، يصبح لدينا الإرث العظيم لتربية الأجيال القادمة على متابعة هذا الطريق. رمزية الشهيد الذي يستشهد في المعركة الأولى له على الجبهة هي رمزية كبيرة جدًا عند الناس، فما بالك بمن يحمل تاريخًا كتاريخ سمير في المقاومة؟ “إسرائيل” تحاول أن تقول أيضًا بما فعلته، بأنّ ثأرها مع من يقاتلها لا ينتهي، على طريقة العرب البدو، وأنها ستنتقم مهما طال الزمن. ولكن أنا أبشّر هذا العدو، بأنّ مسألة زواله هي مسألة حتمية، المسألة مسألة وقت فقط، لأنّ الضعف الذي كان ينتاب هذه الأمة بدأ يتقلّص، وسيبقى يتقلّص حتى نغلق جميع الثغرات في جسمنا، ونحقق النصر النهائي”.
ويختم الأسير المحرر “أنا أفتخر بأنني عشت مع مقاومين كسمير القنطار، ومع مناضلين فلسطينيين خاضوا الإنتفاضة الأولى والثانية، واليوم قلبي وعقلي مع الأبطال الذين يخوضون الإنتفاضة الثالثة بمقود السيارة وبالسكين وكل الأساليب المتواضعة التي لا يمكن للعدو أن يواجهها. النضال والمقاومة هي عملية تراكمية، ونحن نسير نحو الإنتصار، العدو هو في مرحلة خسائر متتالية وإن كان له بعض الإنتصارات الآنية فإنّ المشروع الصهيوني إلى اندحار وهذا أمر حتمي”.
بدوره، يحدثنا المقاوم “أحمد أبرص”، رفيق درب سمير في انطلاقة مسيرته، عن علاقته بالقنطار، لاسيما عن عملية نهاريا التي جمعتهما، فيروي تفاصيلها متطرقًا لما جرى بعدها مع الشهيد سمير القنطار: “كنا أربعة رفاق في عملية نهاريا. كان الهدف أسر دام هيران، مدير مفاعل نووي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وصلنا إلى منزله وخرجنا به، لكننا لم نرض بأن نعود فقط بهذا الأسير. بعدها، اشتبكنا مع سيارة شرطة، ورمينا قنابل على نادي ضباط تابع لجيش العدو. بعد عدة اشتباكات دامت من الحادية عشرة ليلًا وحتى السابعة صباحًا، باعتراف العدو، أصيب سمير برئته، أنا أصبت بأربع طلقات واحدة منها في عيني. وبعد عدة أيام من التعذيب، أرسل الشيخ طريف شيخ عقل طائفة الدروز في الأراضي المحتلة، وفدًا للقاء سمير، عرض عليه بأن يتم تخفيف الحكم عنه مقابل خطوات تظهر ندم سمير على ما قام به. فكان رد سمير واضحًا، بأنّه لم يفعل ما فعله أبدًا لكي يندم بعد حين. هكذا بدأ سمير بمسيرة جعلت منه رمزًا عربيًا كبيرًا. واليوم بعد استشهاد سمير، نحن على ثقة بأنّ ما كان يقوم به الشهيد لأجل الجولان، مع مجموعة من العسكريين الخبراء، هو أمر ممتاز وسيستمر. وسيبقى كل مناضل كسمير القنطار، مشروع شهادة بوجه كل أعدائنا من خارج منطقتنا ومن داخلها”.
التعليقات مغلقة.