بكائية زهران علوش بعيون عثمانية ودموع وهابية وبيت عزاء امريكي / عابد الزريعي

 

عابد الزريعي ( الخميس ) 31/12/2015 م …

التصريح الذي ادلى به مارك تونر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية حول مصرع زهران علوش يستدعي التوقف لمسألتين:

اولا من حيث التوقيت فقد جاء متأخرا عن الحدث. وثانيا من حيث المضمون الذي يحاول ان يتبرأ من اية علاقة تجمع امريكا بعلوش وممارساته من ناحية ، ومن ناحية ثانية يشيد ” بجيش الاسلام لمحاربته داعش ” ويشارك في الحوار السياسي بهدف إنهاء الحرب في سوريا .ليمر بعد ذلك الى الهدف الرئيس من اعلان الموقف وهو اعتبار استهداف علوش وغيرة “يعقد الجهود الرامية الى مفاوضات سياسيه” ويستطيع المرء ان يستنتج من بنية التصريح انه جاء بعد اتصالات بالإدارة الامريكية لتشكو ما قامت به سوريا. ولا يحتاج المرء الى تقصي طويل لمعرفة تلك الجهات اذا وضعنا في الاعتبار حالة الاضطراب التي ضربت كل القوى التي تقف خلف الارهاب في سوريا.والتي ادركت قبل غيرها خصوصية اللحظة التاريخية التي نفذت فيها العملية. كونها لحظة وسط بين ما قبل وما بعد. فما قبلها كان انعقاد مؤتمر الرياض وما انبثق عنه من ” هيئة عليا للمفاوضات وصدور قرار مجلس الامن رقم 2254 كناظم للعملية السياسية في سوريا.وما رافق ذلك من خلاف حول تصنيف وتحديد المجموعات الارهابية. بينما يندرج ما بعدها في دائرة التوقع التي تتحدد في امكانية بدء الجلسات التفاوضية في شهر يناير 2016 من ناحية. بما يعنيه ذلك من ان الامور تمضي باتجاه صيغة مبهمة من المفاوضات السياسية بين الدولة السورية معروفة الاسم والعنوان وأطراف معارضة يتم تشكيلها وتركيبها في خضم جملة من التناقضات بين اطراف دولية وإقليمية عديدة. وبما يعنيه ذلك من ان اللحظة التاريخية المشار اليها ستكون بالضرورة لحظة تصعيد وصدام بالسلاح والنار وسباق مع الزمن من قبل كل الاطراف من اجل تثليم وتكسير ادوات الطرف الاخر.

وفي ظل الادراك العميق للمعنى السياسي لهذه اللحظة اكدت قيادة الدولة السورية امتلاك زمام المبادرة السياسية والعسكرية ، فهي من ناحية لم تتردد في الترحيب بقرار مجلس الامن وإبداء الاستعداد للتفاوض، ومن ناحية ثانية واصلت تقدمها في الميدان العسكري بشكل متسارع وبالية تفرض تغييرات استراتيجية ميدانية لا لبس فيها. سواء من جهة استعادة الارض وتضييق المساحة التي تسيطر عليها القوى الارهابية الأمر الذي يقود بالضرورة الى تضييق مساحة التفاوض بالنسبة لمشغليها. او من جهة ارسال بعض رؤوس وقيادات هذه القوى الى الجحيم. وعلى هذه الارضية يمكن النظر الى عملية التصفية بوصفها تدخل عسكري جراحي في لحظة حاسمة من تطور الصراع ، يترتب عليها الاقرار بقدرة الدولة السورية على التدخل الحاسم في لحظات محددة وذات اهمية في مجرياته. وتحقيق اهداف مكثفة ومركبة لصالحها. يمكن تلخيصها في مستويين:

المستوى الاول يرتبط بشكل مباشر ببنية التنظيم الارهابية وحدود سيطرته في الغوطة الشرقية سواء على السكان او على تنظيمات ارهابية اخرى. هذه البنية ستتعرض للخلخلة اولا بسبب ارتباك الوضع الداخلي للتنظيم ذاته لأسباب تتعلق بالوضع الامني والاختراقات من ناحية والتأثير المباشر لتصفية قائدة. وثانيا على مستوى العلاقة مع التنظيمات الاخرى المنضوية تحت سيطرته قسرا حيث ستجد الوضع مناسبا للتمرد على القبضة الحديدية التي فرضها زهران علوش. وثالثا على مستوى البنية السكانية المقهورة بقوة السلاح والإرهاب التي ستبدأ في التحرك المعلن لرفع قبضة التنظيم عنها الامر الذي يمنح القوى الاجتماعية الدافعة والداعية للمصالحات زخما جديدا وقويا. كل ذلك سيقود بالضرورة الى اضعاف قبضة التنظيم وهز الثقة بقدرته.

المستوى الثاني ويرتبط بشكل مباشر بهندسة طاولة التفاوض حسب ارادة وتصور النجار السوري من خلال ازاحة كل العقد التي يمكن ان تعترض حركة منشار الدولة السورية. اولا بكسر العصا والذراع السعودية التي يلوح بها النظام السعودي على تخوم دمشق.وقطع الطريق على امكانية استفادة تركيا من جيش علوش الذي حافظ على صداقته مع تركيا على الرغم من ارتباطه بأولياء نعمته السعوديين الذين سارعوا بدعوة اردوغان للقاء عاجل بعد التصفية للبحث عن مخارج . وثانيا بوضع مسمار صغير تحت دولاب مؤتمر الرياض . وهنا نجد تفسيرا لصراخ «المُنسق العام للهيئة العليا للتفاوض» رياض حجاب الذي نعى علّوش، ورأى في مقتله «تهديداً للتفاوض». وفي ظل هذه المناحة لم تجد امريكيا بدا من نصب بيت العزاء حتى ولو بشكل متأخر لتطييب خاطر المكلومين بالقول “أن تنفيذ ضربة مثل هذه لا يبعث بالرسالة الأكثر ايجابية ” وإنها “تأمل ألا تؤخر التقدم الذي تحقق نحو المفاوضات “. محاولة ان تداري ادراكها بان هذه المفاوضات اذا قدر لها ان تتم فإنها ستدور على ضوء وقائع الميدان وليس على حسن النوايا. وبصيغة تكاد تشبه المفاوضات الامريكية الفيتنامية حيث كان الحوار والتفاوض تتغير معطياته بين لحظة وأخرى ارتباطا بما يفرضه الثوار الفيتناميون على ارض المعركة الى ان جاءت اللحظة التي قال فيها المفاوض الفيتنامي لوزير الخارجية الامريكي وبصرامة ” كش ملك”

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.