من مهين إلى الشيخ مسكين.. الجيش يحضر للهجمات الكبرى
الجمعة 1/1/2016 م …
كتب عمر معربوني …
يتوالى التقدم على كل الجبهات في سوريا من الشمال الى الجنوب مرورًا بالمنطقة الوسطى وجبهات الغوطتين، ليرسم بشكل واضح وجليّ معالم النصر ولو بعد حين.
يوم حرّر الجيش السوري والمقاومة اللبنانية يبرود ومناطق واسعة في القلمون، ارتسمت الخطوط الأولى لهذا الإنجاز الإستراتيجي مع تحطيم أسس مخطط ربط القلمون بحرمون، ويتأمن بشكل كبير طريق الربط الأساسي بين العاصمة والمنطقة الوسطى وتاليًا مع الساحل السوري وحلب.
يومها تأكد العدو قبل الصديق أنّ القادم من الأيام سيكون لمصلحة الجيش السوري وحلفائه لجهة تكوين المعالم الأساسية لهذا النصر، وعلى هذا الأساس تم تحشيد الجماعات الإرهابية تحت مسمى جيش الفتح والسيطرة على ادلب واريافها، وتقدم داعش نحو تدمر وفيما بعد نحو القريتين ومهين، في الوقت الذي سيطرت فيه الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري على بصرى الشام واللواء 82 والشيخ مسكين وشنت بعدها اعنف الهجمات تحت اسم عاصفة الجنوب، وتم تطويق حضَر في الجولان ورُسمت الخطط للتقدم الى دمشق من الجنوب كبديل عن التقدم اليها من القلمون والغوطتين الغربية والشرقية، وكذلك التهويل بالتقدم الى اللاذقية عبر سهل الغاب انطلاقًا من جسر الشغور.
المفاجأة كانت مزودجة وتمثلت بإعلان تشكيل الفيلق الرابع – اقتحام، والدخول الروسي على خط المعارك في سوريا عسكريًا وتقديم الدعم الجوي لوحدات الجيش السوري العاملة في مختلف الجبهات.
اما اساس هذا الإعلان، فكان القرار الواضح والحاسم للقيادة السورية بالصمود والإنتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم على اغلب الجبهات. ولو لم تكن القيادة السورية قد انتهت من اعادة تنظيم الجبهات واعداد الخطط اللازمة للبدء بعمليات الهجوم المضاد، فإنّ الطيران الروسي لم يكن ليحقق هذه النتائج الكبيرة في الميدان، ولكانت مجرد ضربات لا يمكن استثمارها على شاكلة الضربات التي ينفذها التحالف الأميركي.
أما الشمال السوري، والذي تحمل فيه المعارك عنوان اغلاق الحدود مع تركيا بالنار في المرحلة الحالية، يمكن القول ان المعارك فيه قد وصلت الى السيطرة على نقاط الإرتكاز الكبرى التي ستمكن الجيش السوري وحلفاءه من الإنتقال الى الهجوم الشامل باتجهات مختلفة شمالًا نحو غرب حلب ثم نحو ريف ادلب الشرقي، وجنوبًا نحو سراقب وابو الضهور مع سيطرة كاملة على ريف اللاذقية الشمالي، بما فيه المعاقل الثلاثة الكبرى بداما وسلمى وربيعة، التي باتت في وضع ضعيف بعد السيطرة على اغلب قمم الجبال والتلال الحاكمة بما فيها التلال الشرقية التي تشرف على كامل سهل الغاب، ما يجعل المعركة الكبرى القادمة في ادلب واريافها وريف حماه الشمالي.
التطور الأبرز في الميدان السوري هو سيطرة الجيش السوري مجددًا على بلدة مهين ومحيطها، حيث سيطر أولًا على قريتي الحدث وحوّارين من الجهة الشمالية وعلى تلال مهين من الجهة الجنوبية، ليتم الإطباق على مسلحي داعش من محاور متعددة، وهذه المرة في انساق قتال ستؤمن المدافعة عن مهين والتهيؤ للإندفاع لاحقًا باتجاه القريتين. والجدير ذكره أنّ تقدم داعش الى مهين كان بهدف التقدم الى صدد التي تبعد عن طريق حمص دمشق 14 كلم، للسيطرة عليه واحداث عملية ربط مع قوات لداعش موجودة في جرود قارة وجبل الزمراني.
وبالتالي، فإنّ سيطرة الجيش على مهين منعت بشكل كبير تنفيذ هذه الخطة وباتت تؤسس للتقدم نحو مواقع داعش والقريتين، خصوصًا بعد تكبيد تنظيم داعش خسائر كبيرة اضعفت قدرته في المنظور القريب على شن هجمات مباشرة، حيث أنّ الطيران بات يلاحق ارتاله وتجمعاته بشكل منتظم ما سيلحق به خسائر اضافية.
المنطقة التي تجري فيها العمليات في ريف حمص الشرقي من مهين الى تدمر، هي منطقة معقدة وواسعة سيعمل الجيش السوري على متابعة ربط العقد القتالية فيها انطلاقًا من نقاط التثبيت الحالية في مهين وعند مشارف مدينة تدمر، بالتعاون مع الطيران الحربي والمروحيات الهجومية التي تلعب دورًا كبيرًا في الدعم الناري القريب، إضافةً الى صنوف جديدة من الراجمات ومدفعية الميدان دخلت الخدمة حديثًا.
وبعيدًا عن مهين في الجنوب السوري، وبعد سلسلة من عواصف الجنوب التي شنتها الجماعات المسلحة وانكسرت جميعها، تتقدم وحدات الجيش السوري وحلفائه داخل مدينة الشيخ مسكين لتقطع طرق الإمداد بين ريفي درعا والقنيطرة على الجماعات المسلحة، وتُغير المشهد الميداني بشكل سريع وصاعق لم تتوقعه هذه الجماعات في ظل حالة من الإنهيار الكبير في صفوفها.
اما السيطرة على الشيخ مسكين، فتعني أنّ الجيش إضافةً الى قطعه طرق التواصل الرئيسية بين ريفي القنيطرة ودرعا، بات قادرًا على اعادة توزيع اتجاهات الهجوم اللاحقة الى الشمال الغربي نحو تل الحارة ونحو الجنوب والجنوب الغربي.
هذا الإنهيار في الجنوب السوري يدل على أنّ الجيش من خلال معلوماته الإستخباراتية يدرك طبيعة التحولات في مسألتين:
– المسألة الأولى، وهي حالة الإنهيار النفسي في صفوف الجماعات المسلحة بسبب فشل هجماتها السابقة، وبسبب العدد الكبير من الجرحى والقتلى الذي تكبدته، ووصول هذه الجماعات الى مستوى الإنهيار الإدراكي الذي يعد عاملًا أساسيًا في الإنهيار العسكري.
– المسألة الثانية، وهي تغير المزاج لدى البيئة الحاضنة للجماعات المسلحة، وتنامي الرغبة في صفوفها لعقد مصالحات مع الدولة قد تتسارع اكثر اذا ما استمرت وتيرة الضغط الميداني من الجيش السوري.
بشكل عام، إنّ ملامح تكوّن النصر ترجع الى أنّ الجيش السوري أصبح يمتلك عوامل التأثير الناري والحركة والمناورة، وهي العوامل التي اذا تأمنت لقوة عسكرية مكّنتها من تحقيق الإنجازات بشكلٍ متتالٍ، وهو ما ستزيد وتيرته في المراحل القادمة لينقل عمليات الجيش من العمليات الموضعية الى العمليات الشاملة.
عمر معربوني – بيروت برس
*ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
التعليقات مغلقة.