النفط و تداعياته على الخريطة السياسية / فادي عيد
فادي عيد ( مصر ) الأربعاء 6/1/2016 م …
كثيرا ما لعب النفط دور السلاح الاستراتيجي الذى يغير مسار المعارك العسكرية و كثيرا ما كان أداة للضغط و لوي ذراع الخصوم السياسيين، و بعد تدني اسعار النفط بالاونة الاخيرة كان يجب علينا معرفة اسباب ذلك و تداعياته، و ما شكل خريطة مصادر الطاقة الجديدة و تأثيرها على سياسات و تحالفات الدول فى ظل حالة أحتدام سياسى و تربص عسكري بين اقطاب العالم .
فبعام 2014م انخفض طلب الصين ثاني اكبر مستهلك للنفط على البترول مما أدى الى انخفاض تدريجي فى اسعار النفط العالمية و بعدها مباشرة قامت كلا من روسيا و الهند و البرازيل ( أعضاء منظمة البريكس و من اكبر 7 مستهلكين للنفط عالميا ) بتقليل استيرادهم للنفط و بالتزامن قررت الولايات المتحدة و كندا بمضاعفة انتاجهما المحلي من استخراج النفط الصخري و تقليل استيرادهم للنفط من الخارج، و بتأكيد كان لذلك تأثير شديد على أسعار النفط و هنا أنتظر مصدري النفط قرار منظمة أوبك ( منظمة البلدان المصدرة للنفط ) لاعادة الامور لطبيعتها بأتخاذ قرار وقف انتاج النفط كي يرتفع الطلب و السعر مجددا و لكن جاء قرار المنظمة فى نوفمبر 2015م على عكس ما تشتهي السفن حيث قررت أوبك رفع انتاج النفط و هنا بات النفط المتدني سعرا يهدد الاحتياط النقدي العالمي بالاستنزاف السريع و هنا وجدت المملكة العربية السعودية نفسها مضطرة لبيع البرميل بسعر 106 دولار كي تتجنب الانفاق من احتياطها النقدي الذي يقدر بـ 750 مليار دولار فى ظل أن سعر البرميل بات 37 دولار، و هنا يتضح أن الاحتياطى النقدي السعودي مهدد بالاستنزاف اذا أستمر الحال لما هو عليه خاصة و أن استمرت الولايات المتحدة فى منافسة اسعار النفط مع اوبك فقد يصل وقتها سعر البرميل الى 10 دولار مع العلم أن عائدات الولايات المتحدة من النفط لا تتخطى 2% من مجموع الناتج المحلي فى حين أن 85% من الاقتصاد السعودي معتمد على عائدات النفط .
الى أن جائت الساعات الاولى للعام الجديد و أعلنت الولايات المتحدة أنهاء الحظر المفروض على تصدير النفط منذ أربعون عامًا و تعلن تصديرها اولى الشحنات من نفطها عبر شركة كونوكو فيليبس الأمريكية بعد مغادرتها لمدينة كوربوس كريستي بولاية تكساس متجه للموانئ الإيطالية، فالولايات المتحدة ( أكبر منتج للنفط في العالم ) تعتزم تصدير 600 ألف برميل من النفط الصخري بميناء هوستون جنوب ولاية تكساس فى ظل سعيها للتطور التقني فى عمليات استخراج النفط الصخري لكي تكون تكلفته مثل تكلفة استخراج النفط التقليدي، فحجم احتياطى النفط الصخري بالولايات المتحدة يُقدَّر بـ 78 بليون برميل ما يعد كافياً لاستهلاك الولايات المتحدة لـ10 سنوات، بجانب أحتفاظها بـ17 تريليون متر مكعب من الغاز تكفي استهلاك الولايات المتحدة لنحو 20 سنة، مع العلم ان بالعام الماضي أنتجت الولايات المتحدة 4.2 مليون برميل يومياً من النفط الصخري بالإضافة إلى 1.8 مليون برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي و350 بليون متر مكعب من الغاز، و هنا لم يكن امام أغنى الدول باحتياطات النفط الصخري كروسيا الاتحادية و البرازيل و الصين و الأرجنتين و المكسيك و أستراليا سوى الاسراع فى تفعيل تكنولوجيا التكسير الهيدروليكي التي توظفها الشركات ألامريكية للاستفادة من هذه النوعية من النفط، و فى ظل التنافس للحصول على مصادر الطاقة يعتزم الخبراء الروس مع نهاية العام الحالي ظهور اول بطارية نووية روسية بعد أتمام نشوء كمية كافية لنظير النيكل – 63 لكي تدخل بنا موسكو الى عالم جديد من الطاقة .
و فى سياق متصل أعلنت سلطنة عمان عن خطة 2016-2020 لخفض اعتماد اقتصادها على صناعة النفط بمقدار النصف فى ظل انهيار اسعار الخام و ما يشكله من أعباء على مالية السلطنة و العمل على تنويع مصادر الاقتصاد العماني من خلال الصناعات التحويلية و السياحة و التعدين و النقل و غيرها، و بتأكيد جميعا نتذكر كم المشاحنات و المشادات التى حدثت بين القوى السياسية الجزائرية و احتجاجات شعبية بعد ان اتخذت الحكومة الجزائرية قرار بالتنقيب عن النفط الصخري بجنوب الجزائر الى أن تجمدت كافة الامور بفعل فاعل، فالجزائر تمتلك احتياطات مخزون من النفط الصخري تفوق ما تمتلكه الولايات المتحدة .
و أذا كانت أسعار النفط بالاونة الاخيرة و صعود النفط الصخري الى السوق اعاد جدولة الكثير من اسواق الاقتصاد العالمي و خريطة مصادر الطاقة فكان للغاز الطبيعي بشرق البحر المتوسط دورا واضح فى نشوب تحالفات علنية و تحركات سرية بغرف اتخاذ القرار بدول شرق المتوسط لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة بتلك الثروات، فتحتوى منطقة شرق البحر المتوسط على 381 تريليون مكعب من الغاز الطبيعي و تُعد بذلك المنطقة الخامسة عالميًا من ناحية كمية المخزون و ما يقدر 1.7 مليار برميل من النفط فتشمل هذه الاحتياطات 223 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض المياه الاقليمية المصرية و 122 تريليون قدم من الغاز في منطقة حوض المشرق قبالة شواطئ قبرص ولبنان وسوريا، و 36 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي بالقرب من غزة و إسرائيل و من هنا نستوعب جيدا لماذا اردوغان الذى صرح بعام 2009م أمام الهيئة البرلمانية لحزب العدالة و التنمية قائلا : يجب ان تعلم اسرائيل انى لست زعيما عاديا بل انا زعيم احفاد العثمانيون يصرح رئيس وزرائه الان نحن بحاجة الى اسرائيل، بعد أن كتب كلا من أردوغان و نتينياهو اولى صفحات التطبيع العلني بين البلدين و كان الغاز بالبحر المتوسط هو حجر الاساس لذلك التطبيع لمواجهة التحالف المصري اليوناني القبرصي، و بعد أن عقدت أنقرة أملها الاقتصادي على الصناعات الدفاعية بعد الاحتدام الروسي التركي قامت كلا من الرياض و أنقرة بتدشين مجلس تعاون مشترك و اتفاق السعودية مع تركيا على شراء صفقات سلاح تتضمن دبابات و مدرعات فى صفقة تبداء بـ 2.5 مليار و تصل الى عشرة مليار دولار .
و بما أن الخريطة الجيوستراتيجية للشرق الاوسط الجديد و سايكس بيكو2 تم ترسيمها مع بدايات عام 2011م بداية بليبيا فبات القلق الان يسيطر على شركات استخراج و استكشاف النفط الاوربية المتواجدة بليبيا مثل أيني الايطالية و توتال الفرنسية و ريبسول الاسبانية و غيرها بعد توغل داعش و انتقال مركز عملياته من سوريا الى ليبيا، حتى بات الغرب يتعجل تشكيل حكومة توافق بليبيا بأي شكل و تحت أي أسم تمهيدا للتدخل العسكري و تغيير مجريات الداخل الليبي للمرة الثانية، و اعتقد الان أن خريطة النفط باتت ترسم العديد من الخطوط الواضحة فى ملامح سياسات الاعوام المقبلة و مخططات الشهور القريبة القادمة خاصة و أن بعض الدول المصدرة للنفط مقبلة على مرحلة جديدة و شكل مختلف تماما من المتغيرات التى عرفها التاريخ من قبل .
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط
التعليقات مغلقة.