تل أبيب تحولّت إلى سجنٍ كبيرٍ
الاردن العربي – زهير أندراوس (الاربعاء ) 6/1/2016 م …
*ارتفاع منسوب الهلع والفزع لدى الإسرائيليين من مُنفّذ العملية الذي ما زال طليقًا والإعلام الاسرائيلي يعتبر ذلك إخفاقًا مُجلجلاً للشاباك والشرطة…
بعد مرور ثلاثة أيّام على تنفيذ العملية الفدائيّة في قلب تل أبيب، وعدم تمكّن قوات الأمن الإسرائيليّة من إلقاء القبض على المُشتبه بتنفيذ العملية، نشأت ملحم (29 عامًا) من قرية عرعرة في المثلث الشمالي، داخل الخّط الأخضر، بدأ الإعلام العبريّ بحملةٍ واسعة النطاق ضدّ الشرطة الإسرائيليّة وضدّ جهاز الأمن العام، حيث اختارت صحيفة (يديعوت أحرونوت) أنْ تُعنون صفحتها الأولى وبالبنط العريض وبالخّط الأحمر: إخفاق، لافتةً إلى أنّه بعد إلقاء القبض على ملحم، سيتحتّم على قادة هذين الجهازين أنْ يُجيبا على الأسئلة الصعبة، وعن كيفية تمكّن شاب عربيّ-فلسطينيّ من التهرّب من آلاف عناصر الشرطة والشاباك، والماكينة المخابراتيّة، التي تملك أكثر الأجهزة تطورًا وتقدّمًا في هذا المجال؟
علاوة على ذلك، صبّ أهالي تل أبيب، وهي ثاني أكبر مدينة في الدولة العبريّة، صبّوا جام غضبهم على الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، التي بحسب تعبيرهم، أفقدتهم الأمن والآمان، علمًا أنّ حوالي مليون من سكّان تل أبيب ما زالوا مُحاصرين في بيوتهم، ولا يُرسلون أولادهم إلى المؤسسات التعليميّة، خشيةً من أنْ يقوم ملحم بتنفيذ عملية أخرى، وشدّدّت المصادر الإسرائيليّة على أنّ الأجهزة الأمنيّة لا تملك أيّ طرف خيط قد يقود إلى مكان اختفاء الشاب العربيّ، الأمر الذي يزيد الأمر تعقيدًا. علاوة على ذلك، كشفت المصادر في تل أبيب النقاب عن وجود علاقة ما بين عملية تل أبيب وبين قيام “مجهولين” بقتل سائق التاكسي العربيّ، أحمد شعبان (41 عامًا) في مدينة تل أبيب يوم الجمعة الفائت بعد ساعات من العملية في النادي. وشعبان، هو مواطن من مدينة اللد، قُتل بدمٍ بارد، ونقلت الصحيفة العبريّة عن أفراد عائلته قولهم إنّ السلطات الرسميّة في تل أبيب لم تقُم بإبلاغهم أيّ شيء عن مسار التحقيق في قضية قتل ابنهم، علمًا أنّ المحكمة أصدرت أمر منع نشر حول التحقيق في القضية. ويُمكن القول والجزم أيضًا إنّ عملية تل أبيب رفعت مستوى القلق من آفاق مسار، تتسع فيه دائرة نطاق العمليات، لتضرب في قلب العمق الإسرائيلي.
وعزّزت المخاوف من سيناريو “نقل ثقل العمليات” إلى الداخل الإسرائيلي، وهو أمر لا يستطيع الإسرائيلي تحمّله كثيرًا. ولا يُتوقع أنْ يؤدي استمرار الانتفاضة، وإنْ اتسّع نطاقها، إلى تليين الموقف السياسي للحكومة الإسرائيلية، على مستوى المفاوضات مع السلطة. والمفارقة في المنطق الإسرائيليّ أنّ الهدوء الأمني يعني بالنسبة إلى القيادة السياسية مؤشرًا على إمكانية الإصرار على خياراتها السياسية القائمة على التسويف وتخليد الوضع القائم، ما دام لا يوجد أي مفاعيل وأثمان مؤلمة. وفي حال الضغط الأمني، فإنّ أي مرونة سياسية في ظل العمليات، تشكّل رسالة ضعف للطرف الفلسطيني، وتعزيزًا لمنطق الضغط المجدي، وبالتالي سيُشكّل دفعًا لاستمرار واتساع الضغط الشعبي الفلسطيني.
أمّا المفارقة الأخرى، في الواقع الإسرائيلي، فأنه رغم إخفاق رئيس وزراء الدولة العبريّة، بنيامين نتنياهو، وحكومته في قمع الانتفاضة، فإن معارضة سياسية تستطيع الاستفادة من هذا الواقع الأمني المتدهور، لم تتبلور بعد. بل إنّ معسكر اليمين، عامة، ونتنياهو، خاصة، لا يزال يتمتع بنسب تأييد لا تختلف كثيرًا عن المراحل السابقة. بل لا يكاد يوجد منافس جدّي لنتنياهو على قيادة الحكومة. يأتي ذلك كله، في ظلّ استمرار النزف الإسرائيلي، الذي بلغ نحو 30 قتيلاً في أقل من أربعة أشهر، وهو ما يشكّل بالمقاييس الإسرائيلية، وفي ظل الظروف المحيطة، ارتقاء في مفاعيل العمليات الفلسطينية التي استُخدمت في معظمها الوسائل البدائية. والأخطر من هذه النتائج، حالة الرعب والقلق التي اتسّع نطاقها في الساحة الإسرائيلية، وبرزت معالمها في استطلاعات الرأي والإقبال المتزايد لدى الجمهور الإسرائيلي، على امتلاك وسائل الحماية الذاتية.
في مقابل كل ما تقدم، يشير استمرار الانتفاضة وطبيعة العمليات، التي يغلب على الكثير منها طابع العمل الاستشهادي، إلى حقيقة أنّ الشعب الفلسطيني، بالرغم من المحيط العربي والإقليمي، لا يزال يتمتع بإرادة صلبة وتمسكًا متينًا بخيار المقاومة والانتفاضة، بما توافر من وسائل. في الجهة المقابلة، يكشف الواقع القائم عن حجم نجاح إسرائيل، من خلال أجهزتها الأمنية وعلاقاتها الإقليمية، في فرض طوق حول فلسطين، ويحول دون وصول السلاح إلى هذا الجمهور، الذي لو توافرت له أدنى الإمكانات لغيّر مجرى الأحداث في فلسطين وأحدث تحولاً تاريخيًا في حركة الصراع.
علاوة على ذلك، أقرّت حكومة نتنياهو، ولو بشكلٍ غيرُ رسميٍّ بأنّ احتجاز جثامين الشهداء لم يردع الفلسطينيين، كما أنّ هدم بيوت منفذّي العمليات لم يردع الآخرين من مواصلة تنفيذ العمليات، وبات الآن السيناريو الذي يقُضّ مضاجع صنّاع القرار في تل أبي هو لجوء الفلسطينيين إلى السلاح الحيّ واستخدام القناصّة، كما حدث أمس في الخليل.
التعليقات مغلقة.