ماالذي يجمع رنا قباني مع عبد الله المحيسني؟ الغازي والسبيّة… / نارام سرجون

 

نارام سرجون ( سورية ) السبت 9/1/2016 م …

اذا لم تكن الأحلام بذورا للضوء مطمورة كالحنطة في لحم القلب وأعماق الأحداق وعلى ضفاف الجرح فانها لاتستحق الا أن تكون نوعا من الحصى لايخرج منها شيء مهما رواها ماء المعرفة .. بذور الضوء في القلب والعقل كلما سقاها دم المعرفة وحبر القلم أورقت ضياء ونورا وشموسا وأقمارا ..

وأما من يزرع الحصى في قلبه وقلبه فانه لن يكون له الا قلب حجري .. وهو لن يكون الا صنما لايتحرك ينقله صاحبه من ركن الى ركن ومن ناصية شارع الى ناصية شارع آخر .. ولو شققتم قلوب كثير من الناس في هذا العالم لرأيتم انها مملوءة بالحصى والحجارة وليس فيها بذرة من ضوء .. ولو فتحتم الجماجم لتناثرت منها الحصى وتدفق الرمل ..

فمنذ عدة أيام داهمنا العالم فجأة بقصة جديدة من قصص ألف ليلة وليلة العربية .. وهذه المرة كانت قصة الف ليلة وليلة من مضايا المدينة الريفية السورية .. حيث تحدث العالم عن الضحية وعن القاتل كالعادة .. ولكني كعادتي بحثت عن بذور الضوء في حكايات العالم فلم أجد فيها الا الرمل والحصى ..

لانريد هنا أن نتدخل في تفاصيل الرواية التي تتحدث عن مضايا المحاصرة ولانريد تفنيد رأي أحد أو دحض وجهة نظر بل نريد أن نمعن التدقيق في هذه الظاهرة التي يجب على العاقل أن يتأملها وهي كيف أن العالم كله استفاق فجأة على محنة مضايا كالممسوس .. وفي خلال ثلاثة ايام صار العالم كله يسمع بمضايا كما يسمع عن نيويورك .. تفتح الانترنت .. الايميل .. الغوغل .. الفضائيات .. الوكالات .. تصريحات السياسيين .. الكتاب .. الخ .. العالم كله صار يتحدث عن مضايا .. وهذا يذكرنا بالمرحلة الاولى لما سمي الثورة السورية التي كانت أحداثها اليومية تعزف مثل الاوركسترا الموحدة في العالم كله تبدأ صباحا بلحن جنائزي حزين ثم ينتقل عند الظهر الى لحن غاضب ليترجم في المساء في نشرات الاخبار الى تصريحات من نوعية الأيام المعدودة والفصل السابع التي سمعناها .. والغاية من هذا هو تصنيع المزاج العام لقبول فكرة شريرة هي تحطيم الدولة السورية بأي ثمن ..

أنا وكثيرون لم ندخل مضايا ولكننا نعلم علم اليقين أن بها كميات كبيرة من السلاح والذخائر والارهابيين .. والرهائن المدنيين .. والدروع البشرية .. وكذلك الحواضن الارهابية الوهابية .. ومع هذا فان الجيش فضل تحييدها بالحصار .. وهو قرار مفهوم بكل المقاييس في معركة مفروضة على الجيش الذي ان لم يطوق المسلحين طوقوه وطعنوه في الخاصرة .. ولكن الجيش لم يمنع أحدا من المدنيين غير المسلحين من مغادرتها حتى ولو كانوا من بيئة حاضنة وهو الذي ترك المدنيين يغادرون كل المدن التي حوصر فيها المسلحون عندما تركهم المسلحون يغادرون فلماذا سيغير الجيش نهجه في مضايا؟؟ .. وهذا الحصار أدى الى منع المسلحين من التدخل في معركة الزبداني لصالح المقاتلين المحاصرين .. وجعل معنوياته متراجعة وهم يرون الزبداني تتركهم عاجزين عن عمل شيء ولم يبق امامهم الا الاستسلام خاصة أمام تذمر الأهالي من وجودهم الذي صار عبئا عليهم .. ولكن الأوامر من الرياض جاءت بعدم الاستسلام ..

الا أن حكاية مضايا تم الاقلاع بها دون أن يسأل أحد عن دور المسلحين في المحنة وابتزازهم للمدنيين ولم يسأل أحد عن سبب استعمالهم دروعا بشرية ..

لكن هذا التداعي المنسق والمتناسق والبكائيات العالمية يجب أن تلفت الانظار لأنها لايمكن ان تكون بريئة وعفوية .. وهي تأتي مباشرة بعد تنفيذ السعودية حكم الاعدام بالشيخ نمر النمر والذي سلط الضوء على سلوك السعوديين المخجل الذي يدعم الثوار الديمقراطيين في سورية وليبيا والعراق ولكنه في المملكة يقطع الرؤوس لمجرد المعارضة دون سلاح .. كما أنه يأتي بعد قرار المملكة التصعيد الدموي العنيف ضد الشعب اليمني والقيام بعمليات ابادة منهجية للسكان في بعض القطاعات يقال انه بدأ فيها باستخدام أسلحة محرمة دوليا وقنابل عنقودية لنشرها في مناطق واسعة لخلق حالة شلل في النشاط السكاني .. وكان الغطاء الذي يحتاجه الهجوم السعودي هو محنة سكانية في مكان ما يغطيها باسم أعدائه ويستأنف من خلالها عملية التحريض على الشيعة (ويقصد حزب الله) الذين يحاصرون مضايا مع النظام السوري على حد زعمه .. والغرفة الاعلامية السوداء استجابت بسرعة للنداء السعودي وهي تتحرك وفق آراء خبراء يهود موالين لاسرائيل التي وجدت في اختلاق محنة مضايا طريقة لتشتيت الانتباه عما تفعله اسرائيل في الضفة الغربية أيضا من اعدامات ميدانية على الأرصفة لأطفال ومراهقين وشبان فلسطينيين .. أي أن مضايا صنعت منها حكاية كبيرة ووجبة اعلامية سريعة من أجل أن تبرر السعودية جرائمها وحربها الطائفية الموجهة ضد حلفاء ايران والشيعة واعدام رجل دين “شيعي” .. وبنفس الوقت ينسى العالم الفتك الاسرائيلي لمئات الفلسطينيين الذين قضوا أو جرحوا في بضعة أسابيع وقتلوا على الأرصفة كالأغنام وبعضهم اختطف بوحشية من سريره في المشفى حيث يتلقى العلاج من جراحه .. أوليقتل لاحقا ..

وهذا التنسيق الاعلامي يذكرنا بكل مجزرة فعلتها المجموعات المسلحة سابقا ونسبتها الى النظام السوري من مجزرة الحولة الى مجزرة الغوطة ورددت التهمة كل وسائل الاعلام في العالم في تنسيق غريب حتى كأن كاتب الخبر واحد كتبه بمئة لغة .. وهي تذكرنا أيضا بحكاية الطفل السوري الغريق “ايلان” الذي تم استعماله كجسر لنقل آلاف المهاجرين الى أوروبا وتحول جسده الى صندوق تبرعات لتركيا بيد أردوغان كي تنفق منه على اللاجئين والتي خصصت جزءا من المليارات الثلاثة التي ستمنحها لها أوروبا لدعم المسلحين ومعسكرات التدريب ..

المشكلة هي أن هذه التجارب المتكررة تجعلنا أمام حالة تحتاج الى تحليل لأن كم الناس المنخرطين والمتبرعين بحماس في الحرب السوداء الاعلامية ونوعياتهم المتناقضة تحرضنا على أن نسأل ان كان الامر مجرد صدفة أم أن أزمة عقلية هائلة تلم بالعالم العربي .. وتجعلنا نسأل ان كان هذا العالم شديد الغباء ولم يتعلم من كل أكاذيب الماضي من كذبة مجاهدي الحرية الأفغان الى كذبة أسلحة الدمار الشامل العراقية وخدعة السلاح الكيماوي في الغوطة .. وخدعة مضايا واضح في أنها مصممة لانقاذ السعودية من ورطة اخلاقية وتشتيت للانتباه عن سلوك الجيش الاسرائيلي تجاه المنتفضين الفلسطينيي .. ولكن هذا الوقوع في الفخ من جديد يجعلنا نسأل ان كان العقل العربي هو عقل يصلح للفئران أم للأغنام في مختبرات التجارب .. لأن الفئران تتعلم في التجربة بعض حيل الباحثين وتحاول تفاديها .. أما عقولنا فلاتتعلم ولاتتردد في الوقوع في نفس الحفرة ..

ولأننا نبحث الأمر كظاهرة على فشل العقل العربي في تفسير الحادثة فان علينا أن نجد فيه فرصة لدراسة الوقائع التي تفسر الظاهرة ولتسجيل ملاحظات علمية بحتة وحالة اللاشعور الاجتماعي.. أي مايتحكم في عقل المجتمع في لاوعيه .. وهنا اسمحوا لي أن ألتقط فأرين من العينة العشوائية وأسجل ملاحظتي عليهما .. فمثلا تجد من بين المحرضين المذهبيين على الشيعة وايران بحجة محنة مضايا شخصان متناقضان كليا ولايمكن أن يجتمعا الا في حالة واحدة هي حالة “الغازي والسبية” .. وهما الارهابي الوهابي التكفيري السعودي عبدالله المحيسني .. والسيدة رنا قباني .. ولو قرأ أحدنا ماكتبه المحيسني من حقد وتهديد وشتائم بحق الكفار الروافض الذين يفتكون بأهل “السنة” في مضايا وكيف أن على المسلمين ابادة الفوعة “الشيعية” من أجل مضايا .. لاعتقد أن الأمر مصدره عقيدة وهابية مهاجرة الى الجهاد .. ولكن لو قرأ أحدنا فحيح رنا قباني من حقد مذهبي مبطن ومقنّع على حزب الله الذي تراه يحاصر أهل مضايا لما وجدنا أن هناك فارقا أو خطا شفافا بين الخطابين .. حتى أن ماكتبته رنا قباني عن “النظام السوري” وماتوزعه وتوافق عليه وتتبناه على تويتر من تحريض مذهبي يكاد يتجاوز ماكتبه المحيسني في كراهيته وتكفيريته ..

ولكن العقل يصاب هنا بالحيرة .. فماالذي يجمع المحيسني برنا قباني فكريا وايديولوجيا؟؟ أرجو ألا تقولوا لي بأنه الوجع الانساني المشترك على مضايا لأن الانسان في اليمن والعراق وياللأقدار والصدفة لايلاحظه اي منهما .. كما أن الانسان الفلسطيني لم تجذب رائحة دمه على الرصيف انف أي منهما الا ببرود لرفع العتب وبشكل عابر كمن يتحدث عن خناقة في المكسيك ..

مالذي يجمع بينهما اذا؟؟ الأول وهابي .. تكفيري .. سعودي .. لايؤمن بالحرية ولابحقوق المرأة الا كسبية أو ماملكت الايمان .. أما رنا قباني فهي سيدة تعيش في الغرب وكانت متزوجة من صحفي غربي شهير وهي ابنة عائلة عريقة دمشقية .. ومع هذا فانها مهووسة بتشجيع حرب المذاهب والفحيح الطائفي وتجريم حزب الله وهي التي رفضت يوما وغضبت أن يقوم ممثل سوري من الساحل بتمثيل شخصية دمشقية تاريخية .. ورنا المثقفة الناطقة بالانكليزية لا تقول رأيها فيما تفعله السعودية من ابادة لليمنيين الفقراء رغم أن مافعلته السعودية في اليمن يفوق مئات المرات مايحدث في مضايا .. ورنا لايهمها انتشار الوهابية عدوة الانثى وقاتلة الحريات في مضايا والزبداني وفي كل مفاصل سورية .. بل همها أن حزب الله وايران هما عدو السوريين والعرب .. في تطابق تام مع وجهة نظر المحيسني وبندر بن سلطان .. وبنيامبن نتنياهو ..

هذا التلاقي الفكري والايديولوجي بين المحيسني ورنا قباني هو مثال عن الانشقاق بين العقل والضوء في الشرق حيث أن العقلين (عقل الفأر السعودي وعقل الفأرة السورية) ليس فيهما الا بذور الحصى والرمل .. وعلاقة الغازي بالسبية .. وكل مااعتقدنا أنه يقظة ونهضة وبذور للنور والنجوم ماهو الا هراء .. فهذه حالة عربية شاملة وتعبر عن هزيمة ثقافية شاملة وتحد حضاري لنا في الشرق .. وعلينا أن نعترف أمام هذه الهزيمة التي تتجلى بلقاء عقل المحيسني الوهابي المظلم وعقل رنا قباني المغترب الغارق في النور.. لقائهما في نقطة الدين والمذهب مع السعودية واندماجهما اللامتناهي اننا لسنا امام مشكلة عادية .. بل نحن أمام كارثة أخلاقية ومعرفية نتحمل مسؤوليتها جميعا ولانستثني منها أحدا .. ويجب أن نملك الشجاعة للاعتراف بأننا ونحن في هذه الحالة من الاستلاب الديني لانملك الوسائل الكافية لمواجهة اسرائيل والصهيونية ناهيك عن عملية تحدي الحضارة الغربية التي عاشت فيها رنا قباني وامتصتها ولكن عقلها الديني عجزت عنه الحضارة الغربية لأن البذور الحجرية التي نثرت في تراب قلبها وعقلها أورقت فحيحا طائفيا وسما زعافا .. ولم نقطف الضوء من أشجار عينيها .. بل قطفنا عبدالله المحيسني الذي يتدلى ممسكا بها من شعرها الغجري المجنون .. والذي اختلط شعر لحيته بأهداب عينيها .. ويصيبني الرعب احيانا أن هذه نموذج للمرأة المتحررة العربية التي تعيش في الغرب وتنتمي الى عائلة نزار قباني مفجر ثورة الحرية والجسد وطليقة الشاعر الفلسطيني الثائر محمود درويش وأرملة صحفي بريطاني .. تنهمك في خدعة اعلامية سعودية اسرائيلية من أجل التغطية على مغامرات مملكة آل سعود وسلوكها الطائش الدموي بدل توجيه اللوم للمال السعودي والجهادية الوهابية في هذه المحن .. فلماذا ألوم المسلحين الذين يذبحون الناس في مضايا والرقة وحلب وحمص؟؟ولماذا ألوم الهمجيين والبرابرة من المجاهدين العرب على نكاج الجهاد وسبي السبايا؟؟

هذه حالة تعيدنا الى مقولة صائبة جدا لمحمد عابد الجابري في كتاب نقد العقل العربي بأن المجتمع العربي لاتزال علاقاته الاجتماعية ذات طابع عشائري وقبلي وطائفي وهي لاتزال تحتل موقعا متينا وصريحا في حياتنا السياسية .. وهذا ماتسبب في أن العقل السياسي (أو اللاشعور السياسي الجماعي) العربي يوجهه من الخلف التعصب القبلي والتمذهب الديني كما توجه دفة السفينة كل جسد السفينة ..

*************************************

يكاد هذا العالم العربي المشلول بأثقال المذاهب يجسد حكاية الأمير السعيد والسنونو .. فهو تمثال هائل من الحجر تسكنه ملايين الأرواح الطائفية التي ترى كل شيء في هذا الزمن الاسلامي الرديء ولاتقدر الا على الندم الذي يتلوه استسلام للبكاء .. فالعالم العربي تمثال مصفح بالذهب زرعت ساقاه الحجريتان في الزمن السحيق ولاتقدران على التقدم خطوة واحدة .. عيناه من الزمرد وسيفه الحجري القديم مرصع بالياقوت الأحمر وحبات اللؤلؤ .. ولكن الفقراء حوله في مكان .. والمشردون حوله في كل مكان .. والموت في كل مكان .. والأوطان الفارغة من السكان في كل مكان والمدن مقفرة وشوارعها مهجورة والناس سكنوا قوافل اللجوء وتحولوا الى بضائع في شاحنات البشائع الرخيصة .. وجثث الغرقى ملأت حلق البحر حتى اختنق بها وملت أسماكه مذاق اللحم العربي .. وسيوف الحجر العربية مرصعة بالياقوت الأحمر وحبات اللؤلؤ .. ولكن هل يجعل الياقوت حواف السيف أكثر حدة؟؟ .. وهل يحيل الياقوت سيف الحجر الى سيف كالفولاذ؟؟

منذ سبعين عاما تنقل أسراب السنونو كل صور الشقاء الى التمثال الحجري ثم تبات لياليها بين قدميه على نية الرحيل فجرا الى بلاد دافئة .. وتستيقظ منذ سبعين عاما على دموع تنهمر من عيني التمثال العاجز فتؤجل رحلتها الى المستقبل الدافئ ..

بكى التمثال الحجري على شعب فلسطين ولم يفعل شيئا ولم تفعل طيور السنونو شيئا .. ثم بكى على شعب العراق ولم يفعل التمثال شيئا ولم تفعل طيور السنونو شيئا .. ثم بكى على شعب ليبيا .. ثم على شعب سورية وشعب اليمن .. وتنتظر شعوب كثيرة شرقية بكاءه .. وبكى التمثال على اهانة النبي ولم يفعل شيئا .. وعلى سرقة الكعبة ولم يفعل شيئا .. فالاسلام كله مسروق لعائلة وهابية توزعه كالهدايا والسبايا على الأمراء والمجاهدين .. والنبي وأصحابه موظفون عند رئيس اتحاد علماء المسلمين يرسلهم كل يوم في مهمة غزو .. مرة لمصافحة الناتو ومرة لشرب دم الزعماء في الأنخاب حتى انتفاخ الأعناق .. والمفتي الموظف أيضا مكلف بتبرير المذابح والنكاح والسبايا ومضاجعة الموتى وبيع حكاية الاسراء والمعراج لروتانا ..

كل أسراب السنونو لم تكن قادرة على عمل شيء لتمثال عملاق أقدم من أبي الهول مصبوب من الاسمنت .. اسمنته الجهل .. واسمنته الدين .. واسمنته التناقض الأخلاقي .. واسمنته الانبهار بالغرب والفشل في تحديه عقليا أو مبارزته فكريا وعلميا .. والتمثال لم يتحرك منذ قرن رغم أن الجبال حوله تحركت وتململت من الهيمالايا والالب الى جبال الآنديز ..

هذا التمثال العاجز الصخري الذي لم تحركه كل توسلات طيور السنونو اقترب منه طائر غريب اللون والصوت اسمه برنار هنري ليفي الذي همس له بالسحر المذهبي فحركه وجعله يترك منصته فجأة على غير توقع ولحق بتمثال صدام حسين الذي اقتلع من منصته في ساحة الفردوس عام 2003 وترك ساقيه معلقتين وخرج هائما على وجهه .. ولكن خرجت من حذاء تمثال صدام حسين الطوائف والمذابح واللحى والمجاهدون والوهابيون والاخوان المسلمون والجواسيس والعملاء الشيعة والعملاء السنة .. ومن حذائه الأيمن خرج نموذج عبد الله المحيسني .. ومن حذائه الأيسر خرج نموذج رنا قباني ..

التمثال المجنون .. مرّ على كل المدن وسحقها بقبضتيه وحطم بيوتها كعلب الكبريت ونام على وسائد حمراء محشوة بلحوم آلاف البشر .. وغسل وجهه الحجري كل صباح بدموع ملايين الآباء والأمهات والصبايا .. وأخذ دوشا بالدم الساخن الفوار كل مساء ..

من يعيد التمثال الى منصته؟؟ ومن يعيده الى ساقيه المعلقتين على المنصة ؟؟ تقول كتب العرافين أن هذا العالم العربي المجنون لن يعود الى ماكان عليه الا اذا عاد تمثال صدام حسين الى منصته في ساحة الفردوس في بغداد ليس بما يعنيه صدام حسين بل بما يمثله من نهاية مرحلة وزمن ولحظة فاصلة مضت كان سادتها من أمثال عباس محمود العقاد وطه حسين وأنطون سعادة وزكي الارسوزي وعبد الناصر ونزار قباني والسياب ودرويش والفيتوري وأحمد شوقي ونازك الملائكة وابراهيم طوقان ..

 

التمثال لن يعود ولن تعود الى حذائه الطوائف والفئران التي خرجت منه الا عندما ننثر النجوم والمجرات مثل البذور في عقولنا وقلوبنا المظلمة وعندما ننثر بذور الضوء في الصحراء بين الرمال لتنهض واحات النور والضوء .. حيث سينتهي عصر سلالات النفط ..

فما أبهى النور الذي يطلع من بذور الضوء المنثورة على ضفاف الجراح والذي يتسلق الروح كعريشة عناقيدها مجرات وشموس ونجوم ..

فلنتابع قطف النجوم من المجرات .. ولننثرها مثل الحنطة في كل مكان .. حتى نعيد أسراب السنونو التي هاجرت على الأقل .. .. فلايهمنا أن يعود التمثال ولكن يهمنا أن تعود أسراب السنونو التي هاجرت وحتى نرد الغزاة ونوقف استعباد السبايا ونطلق سراح السبايا .. طيور السنونو هي مجموعة القيم والشعارات الوطنية التي حكمت المنطقة والتي تقول لنا ان العدو الأول هو اسرائيل وأن صديق عدونا الأول هو السعودية وأن صديق صديق عدونا هو تركيا ..

ولنقل لتمثال الجهل والطوائف والمذاهب:

أيها الأمير .. ان الجبل لو رأى ماترى فانه سيتزحزح .. فمابالك بتمثال من حجر لايتزحزح منذ ألف سنة؟؟ .

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.