إضاءةٌ على المَشهدِ في فلسطين

 

د سمير ايوب ( الثلاثاء ) 12/1/2016 م …

*التفريطُ الرسمي – بين تطاولِ الأستمرارية وتَنوع الأبْعاد

من قال إن حكام العرب لا يقرأون التاريخ ، ولا يتعلمون من سخريته المُرَّةِ، كان مُحقاً فى وقتها ، ولا يزال مُحقاً حتى الآن . لِتتأكد من صحة ذلك ، إسأل نفسك ، اوأي عربي فى فلسطين ، عن أهم ما يفعله أشباه الرجال ، ممن يتصدرون المواقع السيادية في المشهد الفلسطيني . وأظن أن جُلَّ الأيجابات ، ستكون بكل تنويعات الأسى ونبراته :

– أن ما يَقترف المغتصبون لمناصبهم من آثام ، ما هو إلا تكرار متراكم للبلاوي باسم وطنية كاذبة . بلاوي تشي ، بأن التخاذل الرسمي ، بات ثقافة ، يحاولون عبثا ترويجها ، في كل معارج الواقع الفلسطيني المعاش .

– وفي ظل هذا التخاذل الرسمي ، لن تجد شيئاً مما أعلنه ومارسه ، الرواد ألأوائل من المجاهدين ، في مساقات التحرير بكل اشكال القوة . وعلى رأس هؤلاء الرواد ، من سبق من الشهداء وألأسرى ، ومن يلحق بهم الان . بل ستجد ، أن المبررات الوطنية للتحرير ، قد بادت أو أزيلت نهائياً من قواميس ، لصوص المكاسب والمناصب هؤلاء .

في دهاليز السلطه وأجهزتها وهياكلها ، هناك بالتأكيد مجاميعٌ ، تُبصر وتَسمع وتَستوعب ما يحدث . تَتفق حينا وتختلف أحيانا ، مع كثيرٍ أو قليلٍ من تبريرات إقطاعيي اوسلو . ولكن كل هؤلاء قِلَّةٌ ، لا يُسمع صوتُها . مع أن قراءة ما يقترف دهاقنة التفريط من آثام يومية ، واجب على كل مهتم بقضايا القوة والتحرير . وعلى وجه الخصوص ، المُتشدقون لفظياً من الفصائليين ، والشكلانيين من مالكي منصات في الظلم الوطني ، او المرتزقة فيها .

فلسطين اليوم في أسوأ حالاتها ، رغم كل شلالات الدم الواعِد ، النابع من شرايين من سبق من خيرة بنيها وبناتها ، وممن لا زالوا على العهد باقون . تبدو حال فلسطين ، أسوأ مما كانت عليه ، فى أى يوم مضى . إنها موشاة بكل اشكال الألم المتعسف ، وهي تقضم يوميا .

شاخ فيها النضال المؤسسي ، دون ان يتجدد . ودون أن تعلن وفاته السريرية رسميا ، لأغراض ديكورية فولكلورية . ولن يُسمح لهذا العبث الأوسلوي ، بالتجدد أبدا ، او بالموت ولا بالدفن . بل سيمكن من التعايش مع شيخوخته العاجزة . بما يكفي لأبقاء قضايا ومقتضيات التحرير، مشلولة ومتأتأة . لتدجين الوعي الجمعي ، وتعويده بالأحتواء الممنهج ، على إبقاء كل تلك القضايا ، مُقْعدةٌ على كرسي من كراسي أصحاب الأحتياجات السياسية الخاصة .

لقد أفسدت الأستمرارية السياسية ، المُنبهرة بكل تجليات العدو الصهيوني ، كل المُتْعَبينَ والمتخاذلين في المنظومات الفصائلية ، المُرتَشينَ بالأُعْطِياتِ والشَرْهاتِ المالية ، والمكاسب المرتبطة بالمناصب ، والألقاب الورقية . وللأسف الموجع ، باتت تلك الأستمرارية بكل فجاجةٍ تعيث فسادا وقِحاً ، بكل ما يُنْتِجُه دمُ الشهادة ، وسلاسل الأعتقال ، وعَزْمِ كل أهل فلسطين شِيباً وشُبانا ، رِجالا ونساء . الذين بِفَخرٍ تُومِئُ اليهم ، الموجاتُ المُتتالية من الأنتفاضاتِ المُعاصره .

إن شيئاً من مرض فلسطين المزمن ، المُعاصرِ منه والموروث ، يكمن جُلُّه ، في المُتَنفذين من مُغتَصبي مِقودِ القيادة فيها . الذين يقاومون بكل ضراوة ودموية ، كل تغيير نحو الأفضل . يُحَنطون شِعاراتِ البدء وطُهرِ النوايا ، وأقصد هنا ، تحرير كل فلسطين ، من البحر الى النهر ، أرضا وإنسانا . كل ما يُحَنِّطون ، يُفقِد طُهرَ سِلاحهم ، ويُفْقِد وجودَهُم وإستمراره ، كل مُبرراته .

لذلك فإن فلسطين اليوم ، أرضا وشعبا وقضية ، مركونة بالتَّعَمُّدِ الرسمي ، فلسطينيا وعربيا ودوليا ، فى زواريب الأحباط الضيقة والمغلقة الآفاق . وما الأزمات المتوالدة ، التي يُحْشَرُ حاليا فيها ، اهلنا في كل فلسطين ، هي للأسف الشديد ، بعد العدو الصهيوامريكي ، بفضل هياكل وأطر مريضة ، يسكنها بفجاجة ، متزعمون مرضى متفسخون . يحكمهم جميعا بالعصى الغليظه ، وببعض فتات الجزر ، عُصبةٌ شاخت وهرمت جسديا . ومُهَيمَنٌ عليها نفسيا ، من قِبَلِ تراتبيات ألأعداء وجوقاتهم الاقليمية .

في وجه هذه الحالة المرضية المُركبة ، المُستشرية بالتراكم الكمي والنوعي المُعيب ، ليس أمام المُترنحينَ في كل الفصائل ، المُبْتَعِدينَ عن منابع التأسيس والبدايات ، وقبل الأستقرار في الحضيض او ما دون الحضيض ، إلا تَزَعُّمِ ثورة فعلية عملية على النفس ، لتجديد العزم ، بلا مساومات جزئية ترقيعية مشبوهة ، ( هذا ، إن سُمِحَ لهم بالتغيير الايجابي ) قبل ان يُطاحَ بهم عاجلا او آجلا ، بانفجار يَرُجُّ سفينة نوح ، التي تُقلهم في هذا الطوفان السياسي ، المُحتَقن بكل الأحتمالات . والذي بات مع قِلَّةِ الحيلة ، يَعُم بشكل مفضوحٍ المنطقة بِرِمتها ، بتسارع لا يشي بأيِّ خير .

وإن لم يفعلوا بعد كل هذا العار ، الممتد مكانيا وزمانيا ، والمرفوض لعديد الأسباب ، تعالوا وطنيا وأخلاقيا ، نهيل معا ، عليهم كثيرا من التراب ، بلا مراسم تَشييعٍ ولا حتى قراءةَ للفاتحةِ أو تَقَبُّلٍ للعزاء بهم .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.