عشرة أيام قبل جنيف 3 – الأسد لاجئـــاً .. حجاب رئيســــاً

 

كتب م. سامر عبد الكريم منصور ( الأحد ) 17/1/2016 م …

لم يكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، ينهي مقابلته مع صحيفة « بيلد » الألمانية ، حتى انبرى خبراء حركات الجسد وتعابير الوجه ، ومحللوا ما بين السطور وما بين بين الكلمات ، واختصاصيوا التأويل وفك الشيفرات ، وقارئوا الكف والفنجان والرمل والكواكب ، كلهم صرخوا بصوت واحد : لقد جاء موسم الحصاد ، أتت لحظة البيع والشراء ، قبل أن يضيفوا بلهجة تأنيبية : ألم نقل لكم أن الصبر مفتاح الفرج. كتب أحدهم « صمود المعارضة يضطر بوتين إلى المرونةٌ». وآخر علّق أن بوتين معتاد على ترك عباراته قابلة للتفسيرات والتأويلات المتباينة ، ليوظفها لاحقا ، أو يتجاهلها!. بينما كانت قنواتهم وصحفهم ومواقعهم تبرز بخط عريض جدا ، جملة واحدة : « بوتين سيمنح الأسد حق اللجوء ».

إن قراءة بسيطة جدا لما قاله بوتين ، ردا على سؤال افتراضي من الصحيفة ، حول إمكانية أن تمنح روسيا اللجوء للرئيس السوري ، تكفي لمعرفة السياق والرسالة الحقيقية التي أرادها. الرئيس الروسي قال بأنه يجب أولا اعطاء الشعب السوري فرصة تقرير مصيره بنفسه ، أي أن يكون قرار مستقبل سوريا بيدّ الشعب السوري وحده ، وليس أن يكون محددا سلفا من قبل الدول الداعمة للإرهاب. وأضاف بوتين بتأكيد حاسم ، أنه مهما كانت نتائج العملية الديمقراطية ، فإن الأسد لن يكون مضطرا للذهاب إلى مكان. وأكدّ بوتين أن تصاعد العنف في الأزمة السورية كان نتاج دعم لامحدود منذ البداية ، من الخارج ، بالسلاح والمال والمقاتلين ، وأن “الأسد كان يقاتل الذين قدموا إليه حاملين الأسلحة” ، وأن “الحكومة السورية الساعية للحفاظ على سيادتها ، لا تتحمل مسؤولية معاناة المدنيين الأبرياء ، بل أولئك الذين ينظمون العمل المسلح ضد الحكومة”. أما عن اللجوء ، فكان بوتين يعبّر عن استعداد لا محدود لمواجهة كافة التحديات ، وأن من واجه الولايات المتحدة ، حين منح في العام 2013 ، حقّ اللجوء لـ «إدوارد سنودن» الموظف الأميركي في وكالة الأمن القومي الأمريكي ، لن يكون صعبا عليه فرضية منح اللجوء للأسد.

“هل تستطيعون تخيل الحياة خارج المكتب الرئاسي أو خارج سوريا ؟” يسأل التلفزيون التشيكي، الرئيس الأسد ، في تشرين الأول الماضي. يجيب الأسد بأنه ” ونحن في وسط الحرب لن أغادر ، ما لم يرغب الشعب السوري بمغادرتي “، السوريون وحدهم الذين سيقررون ذلك عندما ستجري الانتخابات. “الناس يقاتلون من أجل بلدهم ، ولا يحاربون لإبقائي رئيسا ، وأنا لا أحارب كي أبقى في هذا المنصب”. أما وكالة الأنباء الاسبانية فتسأله سؤالا افتراضيا ، “هل يمكن أن تقبل باحتمال مغادرة سوريا في المستقبل إلى بلد صديق ، إذا كان ذلك شرط التوصل إلى تسوية سياسية نهائية؟”. فيرد الأسد بأنه لا يفكر بمغادرة سوريا تحت أي ظرف كان ، وأنه ملتزم برغبة وقرار الشعب السوري فقط.

بعد أن أتفقت « قوى الثورة والمعارضة السورية » ، في ختام اجتماعاتها في الرياض ، على أن هدف التسوية السياسية هو “دولة المواطنة” الخالية من الأسد وأركان ورموز نظامه ، وعبّروا عن التزامهم بالديمقراطية والنظام التعددي ، وتوافقوا على تشكيل هيئة عليا للمفاوضات واختيار وفد تفاوضي. كشف موقع “العربي الجديد” عن أعضاء الفريق التفاوضي ، إضافة إلى “فريق مساند” . المعارض المستقل جمال سليمان ، و فرح الأتاسي سيكونان من ضمن 29 شخصا سيخضعون إلى دورة تدريبية في فن التفاوض.

 

القرار 2254 الذي صدر عن مجلس الأمن في كانون الأول الماضي ، حول الأزمة السورية ، شكّل صدمة لمنسق معارضة الرياض رياض حجاب ، رغم ذلك أعلن خلال لقائه مع المبعوث الأممي « دي ميستورا» في الرياض ، بأن المفاوضات خياره الاستراتيجي ، وأن استهداف القادة الميدانيين الذين شاركوا بتأسيس الهيئة العليا للمفاوضات ، وعلى رأسهم زهران علوش ، له تداعيات خطيرة. وأن المعارضة “لن تقبل أن يفرض عليها أي اسم من خارجها”. لم يكن نعي حجاب لزهران علوش ، السبب الذي دفع رئيس « تيار بناء الدولة » لؤي حسين ، إلى الانسحاب من معارضة الرياض ، فهما يتشاركان الحزن على “الثائر” علوش ، لكنّ “بنية هيئة المفاوضات القائمة على المحاصصة” والتي “تضم شخصيات كانوا طوال حياتهم ركنا مركزيا في النظام الاستبدادي” ، وآلية عملها ، كافيتان لانتصار النظام على المعارضة ، هو ما دفع لؤي بناء الدولة للحاق بـ”رئيس الائتلاف السوري” السابق معاذ الخطيب ، والانسحاب من الهيئة العليا للمفاوضات ، بحسب بيانه. لم تنفع تمنيات ميشيل كيلو ، في ثني حسين عن قراره ، فالمفاوضات لا زالت في بداياتها وهي معقدة جدا ، لذلك لا يمكن معالجة الخلاف في وجهات النظر بطريقة “ما لم تتبنوا ما أراه فإني سأرحل” ، هكذا ردّ كيلو. هيئة التنسيق « جناح عبد العظيم» فقد ردّت بقسوة لامست حدّ التهديد بالانسحاب أيضاً ، حين أصدرت “هيئة التفاوض العليا” بيانا مؤيدا لقرار السعودية قطع العلاقات مع طهران ، فهيئة التفاوض ليست جسما سياسيا يصدر بيانات وتصريحات فيها مشاكل ، برأي هيئة عبد العظيم.

في آخر القائمة التي قامت المملكة الوهابية بإعدامهم ، كان رجل الدين السعودي « نمر النمر». مجلس الأمن الدولي أدان بشدة اقتحام محتجين ايرانيين للسفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مدينة مشهد. وطالب طهران “بحماية المنشآت الدبلوماسية وطواقمها”، بينما كان الأمين العام للأمم المتحدة ، يعبّر عن قلقه بشأن طبيعة الاتهامات ونزاهة المحاكمات ، ويتصل مع وزيري الخارجية السعودي والإيراني لحثهما على ضبط النفس. اتخذت المملكة الوهابية سلسلة اجراءات ، ردا على انتهاك أوكارها الدبلوماسية ، فقطعت العلاقات الدبلوماسية والتجارية والرحلات الجوية مع إيران. السفير السعودي في الأمم المتحدة ، طالب إيران بالتوقف عن التدخل في شؤون بلاده. وزراء خارجية الجامعة العربية أدانوا أيضا الاعتداء على بعثات السعودية الدبلوماسية في إيران. نبيل العربي اتهم إيران بالقيام بأعمال استفزازية. وزير الخارجية الإماراتي اتهمها أيضا بالتحريض على الصراع الطائفي. المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية قال بأن مصر أول دولة قطعت علاقتها مع إيران منذ 27 عاما، مؤكدا ضرورة وضع حد للتدخلات الإيرانية في شئون الدول العربية. بينما كان ولي ولي العهد السعودي يبدد قلق العالم من إمكانية حرب مباشرة بين البلدين ، وأن مملكته لن تسمح باندلاعها لأنها ستكون “كارثية على المنطقة”.

لا شيء خارج المألوف في سياسة المملكة الوهابية. في الواقع ، يمكن القول بأنه لا توجد سياسة في المملكة ، بل مجرد ردود فعل غرائزية ، لا هدف لها غير حماية العرش الملكي والمصالح الأمريكية والصهيونية. لا يمكن قراءة الحركة “السياسية” الوهابية خارج هاتين الغايتين. الاتفاق النووي الإيراني شكّل صدمة لم تستطع التأقلم معها حتى الآن. وهو ما زاد من دمويتها تجاه الشعب السورية والدولة السورية ، ودفعها لشنّ عدوانها على الشعب اليمني، وقمعها لشعبها ، في الوقت الذي تنادي فيه بحرية بقية الشعوب في العالم ، ما عدا الشعب السعودي ، فعليه أن يبقى رهينة الغرائز الوهابية والعائلة المالكة. شيئان يؤرقان المملكة ، إيران و الأسد ، وتسعى بغباء مذهل ودموية تنظيماتها الإرهابية ، إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. تريد إعادة إيران إلى عزلتها الدولية ، وسوريا خالية من الأسد وتنعم بديمقراطية على الطريقة الوهابية.

الدبلوماسي الأمريكي دينيس روس ، يقول بأن “السعوديين ليسوا حلفاء لواشنطن ، بل شركاء” ، فالحلفاء بحسب “روس” “يتشاركون القيم ، وليس المصالح فقط”. عن أي “قيم” في السياسة الخارجية الأمريكية تتحدث يا “روس”؟ وأين تصبح “القيم الأمريكية” حين تتعارض مع مصالحهم؟

وزير الخارجية الأميركي ، قال بأن الخلافات بين السعودية وإيران لن تؤثر على المفاوضات الخاصة بسوريا. هذا ما أكدّه وزير خارجية المملكة الوهابية بأن التوترات مع طهران لن تؤثر على مسار الحل السياسي للأزمة السورية ، وكذلك قال وزير الخارجية الإيراني بأن الخلاف الدبلوماسي مع الرياض لن يؤثر على محادثات السلام السورية. بينما كان جون كيري يضبط ايقاع الغباء السعودي ويعلن أن تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران سيبدأ خلال بضعة أيام ، ويحثّ الطرفين على الحوار بما يخدم قضايا المنطقة. الخارجية الأميركية حافظت على “قيمها”، عبر تصريحات متناقضة ، فقالت أن رحيل الرئيس الأسد ليس محدداً ضمن الرؤية الأميركية التي “تتطلع إلى حكومة سورية من صنع السوريين أنفسهم” ، وفي تصريح آخر قالت بأن “واشنطن تريد وضوحا بشأن تنحي الرئيس السوري”. أليست الديمقراطية التي تنادي بها “القيم الأميركية” ، تعني الاحتكام إلى رأي الشعب السوري حول مستقبل بلده واختيار قادته !؟

مجلس الأمن الذي لم يتخذ أي اجراءات ضد استمرار أردوغان بدعم التنظيمات الإرهابية. يطالب خلال اجتماع طارئ يوم الجمعة 15 كانون الثاني 2016 ، بضمان وصول فوري للمساعدات إلى المناطق السورية المحاصرة. فـ”العالم عاش على وقع صدمة الصور المروعة في بلدة مضايا ، ولا يمكن السماح بموت المزيد من السوريين تحت سمع وبصر مجلس الأمن” ، هذا ما نزفته مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية ، بعينين دامعتين ، قبل أن تدعو جميع أطراف النزاع في سوريا لـ”وضع حدّ فوري لممارسة الحصار والتجويع”. نحيب المجتمع الدولي على مضايا ، التي ثبت أن كثيرا من “صورها المروعة” ، لا علاقة لها بمضايا وبالمأساة السورية عموما، ورغم أن الحكومة السورية بالتعاون مع مؤسسات دولية ، سمحت لقافلة مساعدات إنسانية بالدخول إلى مضايا والزبداني ، في منتصف شهر تشرين الأول الماضي. هذا العويل الدولي ، لم يتساءل : أين ذهبت المساعدات التي دخلت البلدة المنكوبة؟ ولم يسمع اتهامات أهلها للجماعات الإرهابية المتواجدة فيها. وكذلك صمّ أذنيه عن أصوات البلدات التي تحاصرها التنظيمات الإرهابية. ولكن ، أليس الحصار الإقتصادي على الشعب السوري ، يتم تحت سمع وبصر مجلس الأمن أيضاً؟ ألا يستحق ذلك نحيبا وعويلا دوليا ؟ يبدو تساؤلا ساذجا ، ولا ينسجم مع “القيم الأميركية”.

عشرة أيام قبل جنيف 3 المقرر في 25 كانون الثاني 2016. ” المبعوث الخاص سيواصل مع فريقه العمل الجاد ، لتوجيه الدعوات من أجل ضمان أكبر عدد ممكن من الحضور ، بغرض أن تبدأ المحادثات السورية في جنيف يوم 25 كانون الثاني”. هذا ما جاء في بيان مكتب دي مستورا. لم تتفق الأطراف الدولية خلال اللقاءات التحضيرية التي تمت في الأيام الماضية ، على تحديد الوفد التفاوضي للمعارضة ، و قوائم الجماعات الإرهابية. الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن وفد معارضة الرياض هو وفد المعارضة السورية، بينما ترى موسكو ضرورة تشكيل وفد شامل للمعارضة السورية ، مما يعني إضافة تيارات معارضة أخرى إلى وفد الرياض ، كجبهة التغيير والتحرير (قدري جميل) ، وتيار قمح (هيثم مناع) ، وحزب الإتحاد الديمقراطي.

رياض حجاب ومعارضة الرياض، وانسجاما مع ايمانهم العميق بالديمقراطية والنظام التعددي كما ورد في بيانهم ، فإنهم يرفضون ضمّ أية أسماء أخرى إلى وفدهم التفاوضي ، الذي يعتبرونه وفد المعارضة السورية الشرعي والوحيد الناطق باسم الشعب السوري. حجاب ، الذي اكتشف في وقت متأخر ، موهبة المعارضة الكامنة لديه ، يعتبر دليلا شرعيا ، على بؤس المعارضة “الخارجية”، وناطقا باسم القوة المهيمنة فيها ، المنتمية فكريا وأيديولوجيا و”جهاديا” إلى التيارات التكفيرية الوهابية ، التي تدور في فلك المصالح الصهيونية والأميركية.

دمشق ، التي عبّرت عن موافقتها على المشاركة في اجتماعات جنيف في الموعد المقترح ، و تنتظر قوائم التنظيمات الإرهابية ، وقائمة المعارضين السوريين الذي سيشاركون في محادثات جنيف. لم ولن توقف حربها على الإرهاب ، وهي تحقق مع حلفائها ، انتصارات على كل الجبهات ، دون اكتراث بالضجيج الإعلامي الدولي الذي يحاول رفع معنويات التنظيمات الإرهابية المنهارة ، وكبح الانتصارات المتصاعدة للدولة السورية وحلفائها. فهل يفكّر المنتصرون باللجوء!؟.

 

م. سامر عبد الكريم منصور

 

 

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.