رسالة الملك عبد الله إلى جلوب باشا / الجزء الثالث / د. حسين عمر توقه

 

 

د.حسين عمر توقة* ( الأردن ) الإثنين 26/1/2015 م …

*باحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن القومي

” عزيزي جلوب باشا:

إن أهمية القدس في أعين العرب  ، مسلمين ومسيحيين معروفة جيدا ، وأي كارثة تحل بعرب القدس على يد اليهود – سواء بالقتال أو الطرد من منازلهم – سيكون لها آثار سلبية بالغة علينا ، إن الحالة لا تدعو لليأس ولذلك فكل شيء  بين أيدينا اليوم يجب أن نحافظ عليه – القدس القديمة والطريق إلى أريحا –  ويمكن إنجاز ذلك  بإستخدام الإحتياط المتواجد في منطقة رام الله أو بإرسال قوة من الإحتياط العام أطلب منك تنفيذ هذا الأمر بالسرعة الممكنة

18 أيار 1948                                                       التوقيع عبد الله “

الثورات الفلسطينية في عهد الإنتداب:

قبل التحدث عن الثورات الفلسطينية التي سبقت معركة القدس عام 1948 وهي مدار بحث رسالة الملك عبد الله إلى جلوب باشا لا بد لنا من أن نقدم هذا الإيجاز للأوضاع الجيو سياسية التي سادت المنطقة العربية والأسباب التي أدت إلى إندلاع الثورة الفلسطينية الأولى  وهي ثورة الإستقلال الأولى عام 1920 ثم نتدرج إلى بقية الثورات التي توالت وهي ثورة الإستقلال الثانية عام 1921 وثورة البراق عام 1929 وتداعيات المؤتمر الإسلامي  الأول عام 1931 والثورة الفلسطينية الكبرى 1936-1939 وثورة الريف 1937-1939 وما صاحب هذه الثورات من تضحيات  ونضال من أبناء الشعب الفلسطيني ومساهمة وتضحيات الشخصيات العربية القومية المناضلة من الأردن وسوريا ومصر ولبنان وكافة الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير الإستعمار البريطاني والإستعمار الفرنسي القاسيين والظالمين

مقدمة لا بد منها :

لقد بقيت ” وثيقة كامبل ” قيد السرية التامة بين كل من بريطانيا وفرنسا  وهولندا وبلجيكا  وإسبانيا وإيطاليا  والمنظمة الصهيونية العالمية  والتي أجمع من خلالها المجتمعون على إحتلال العالم العربي الممتد من الخليج الفارسي إلى المحيط الأطلسي وتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود وإبقاء هذا العالم العربي المسلم تحت نير الإستعمار والحفاظ على تخلفه وعدم السماح بنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى أرجائه والعمل على استغلال ثرواته وفي مقدمتها النفط العربي والسيطرة على كافة الممرات الإستراتيجية متمثلة بمضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق . وبعد إطلاق رصاصة الثورة العربية من بطاح مكة من أجل التحرر من الإستعمار التركي الذي جثم على صدر العرب طوال قرون طويلة قامت كل من بريطانيا وفرنسا بقلب المجن للثورة العربية  الكبرى بعد أن تمكنوا من تحقيق النصر في الحرب العالمية الأولى وأخذت قرارت وثيقة كامبل  تنفذ وتطبق على أرض الواقع والتي نجم عنها  إتفاقية سايكس بيكو وهي نتيجة  مفاوضات سرية بين كل  من الفرنسي  فرانسوا جورج بيكو والبريطاني  مارك سايكس جرت من خلال وزارة الخارجية البريطانية ووزارة الخارجية الفرنسية  لمدة عامين بدءا من شهر نوفمبر  عام 1915 وشهر مايو عام 1916  والتي تشكل تفاهما  بين بريطانيا وفرنسا  بمصادقة من الإمبراطورية الروسية  على إقتسام  الهلال الخصيب  وتحديد مناطق النفوذ  في غرب آسيا حيث حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي للهلال الخصيب  سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق  بينما امتدت السيطرة البريطانية من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالإتجاه شرقا لتضم  بغداد والبصرة   وجميع المناطق الواقعة  بين الخليج الفارسي  ( الخليج العربي كما نحب أن نسميه )  والمنطقة الفرنسية في سوريا  كما تقرر في البداية أن تقع فلسطين  تحت إدارة دولية  يتم الإتفاق عليها بين بريطانيا وفرنسا  وروسيا  ونص الإتفاق على منح مينائي حيفا وعكا لبريطانيا والسماح لفرنسا باستخدام ميناء حيفا مقابل السماح لبريطانيا استخدام ميناء الإسكندرونة. 

ولقد تم الكشف عن هذه الإتفاقية السرية  حال استيلاء الشيوعيين على الحكم في روسيا عام 1917  مما أثار الشعوب العربية صاحبة الأرض  وكانت ردة الفعل الرسمية والشعبية العربية الغاضبة قد ظهرت في مراسلات الشريف حسين ومكماهون .

وبتاريخ 2/11/1917 بدأت خيوط المؤامرة البريطانية الفرنسية والصهيونية تتضح من خلال  وعد بلفور  وهي الرسالة التي أرسلها  آرثر جيمس بلفور  إلى اللورد  ليونيل وولتر روتشيلد  يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية  إنشاء وطن  قومي  لليهود في فلسطين ولقد صدر الوعد قبل أن يحتل الجيش البريطاني فلسطين وكان تعداد اليهود لا يتجاوز 5% من مجموع السكان العرب . إن وعد بلفور هو وعد ظالم من شخص لا يملك الأرض إلى غرباء ليس لهم أي حق في الأرض الفلسطينية العربية . وأرفق بطيه نص الرسالة باللغة العربية

” وزارة الخارجية

في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم  بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود  والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته :

إن حكومة صاحب الجلالة  تنظر بعين العطف إلى إقامة  مقام قومي  في فلسطين  للشعب اليهودي  وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية  على أن يفهم جليا أنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين  ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر

وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الإتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح

المخلص

آرثر جيمي بلفور “

في عام 1917 احتلت القوات البريطانية  المتجهة من مصر  جنوبي بلاد الشام من  الدولة العثمانية  وبتاريخ 9/12/1917  دخل قائد القوات البريطانية  الجنرال إدموند اللنبي  مدينة القدس لتصبح تحت السيطرة المسيحية  لأول مرة منذ عام  1187 ولتصبح فيما بعد عاصمة  الإنتداب البريطاني

وفي عام 1919 تم عقد مؤتمر  فرساي وهو  المؤتمر الذي تم عقده في باريس من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى  فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا  من جهة  والدول الخاسرة  الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية وبلغاريا  حيث تمخض المؤتمر  عن فرض عقوبات شديدة على الدول  المهزومة .

بتاريخ 8/3/1920 اجتمع المؤتمر السوري  ليعلن استقلال سوريا بحدودها الطبيعية استقلالا تاما بما فيها فلسطين  ورفض إدعاءات الصهيونية ووعد بلفور في إنشاء  وطن قومي لليهود  في فلسطين  والمناداة بإنشاء حكومة مسؤولة  أمام المؤتمر الذي يشكل المجلس النيابي  وكان يضم  ممثلين  انتخبهم الشعب  في سوريا ولبنان وفلسطين   والإعلان عن تنصيب الأمير فيصل  ملكا على البلاد وتم تشكيل الحكومة برئاسة  علي رضا الركابي  وتشكلت لجنة لوضع الدستور برئاسة  هاشم الأتاسي ورفضت الحكومتان البريطانية والفرنسية  قرارات مؤتمر دمشق ودعت إلى عقد مؤتمر سان ريمو الذي تم عقده ما بين 19-25/4/1920 والذي نصت نتائجه على وضع سوريا ولبنان تحت الإنتداب  الفرنسي ” وقامت فرنسا إثر معركة ميسلون بتاريخ  23/7/1920 بإسقاط الحكومة العربية وإحتلال سوريا”  ووضع العراق تحت الإنتداب البريطاني  ووضع فلسطين وشرق الأردن  تحت الإنتداب البريطاني مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور  ولقد فرض الحلفاء على حكومة اسطنبول بتاريخ 10/8/1920 “معاهدة سيفر” والتي أملوا من خلالها شروطهم لتصفية الدولة العثمانية  وإقتسام بلادها  وأهم ما نصت عليه هذه المعاهدة بالنسبة إلى الأراضي العربية إعتراف تركيا بالإنتداب في سوريا والعراق وفلسطين  واستقلال الحجاز ومصر والسودان  وتنازل تركيا  عن حقوقها في قبرص والمغرب  وتونس وليبيا .

وبتاريخ 24/6/1922 أقرت عصبة الأمم  التعديلات التي تم إجراؤها على معاهدة سيفر الأولى حيث عقدت “معاهدة لوزان” بتاريخ 24/7/1923 لتعديل الحدود التي أقرت  في معاهدة سيفر من أجل إرضاء القائد التركي الجديد مصطفى كمال أتاتورك على حساب سوريا وتم الإعتراف الدولي بجمهورية تركيا  التي ورثت مكان الإمبراطورية العثمانية  وتم بموجبها التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا بالإضافة  إلى بعض المناطق التي كانت قد أعطيت لليونان

وبتاريخ 11/9/1922 أقرت عصبة الأمم  الإنتداب البريطاني  بشكل رسمي لا إنساني ولا أخلاقي وغطت منطقة الإنتداب  فلسطين بالإضافة إلى منطقة شرق الأردن  . غير أن منطقة  شرق الأردن تمتعت بحكم ذاتي  ولم تخضع لمبادىء الإنتداب أو لوعد بلفور .

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.