اسعار الفائدة : اسرار تخفيها البنوك / د. مروان الزعبي
د. مروان الزعبي ( الأردن ) الأربعاء 20/1/2016 م …
اسعار الفائدة في البنوك تتاثر بعاملين رئيسيين، الاول: سياسة البنك المركزي فاذا رفع البنك اسعار الفائدة على ادواته ،على سبيل المثال ، ترتفع كافة اسعار الفاثدة تدريجيا وذلك على الرغم ان البنك المركزي لا يتدخل في اسعار البنوك. والعامل الثاني هو: سلوك الحكومة. فاذا توجهت الحكومة للاقتراض من البنوك، ترتفع اسعار الفائدة ايضا وذلك لارتفاع الطلب على الاموال. في اي اقتصاد توجد اسعار فائدة كثيرة تزيد عن 30-40 سعرا فهنالك اسعار على كافة انواع القروض و كافة انواع الودائع و لكافة الاجال و بالعملة المحلية و الاجنبية، و هنالك اسعار فوائد على السندات…الخ. لكن كل هذه الاسعار تتحرك بصورة متناغمة مع بعضها البعض، حيث ترتفع مع بعضها وتنخفض مع بعض و لكن بفترات مختلفة، وهو ما يسمى بسلوك القطيع Herding Behavior.
في القروض، هنالك طريقتين لتسمية سعر الفائدة، الاولى تمثل سعر الفائدة على الرصيد المتناقص وهذه الطريقة هي الاكثر استخداما. ولغاية هذه المقالة اسمي هذا السعر بالسعر العادي و الثانية تمثل سعر الفائدة على كامل مبلغ القرض، واسميه هنا بالسعر المقطوع. هناك فرق جوهري ومهم بين هذين السعرين. فالاول يحسب على رصيد القروض المتناقص، وهذه ميزة في هذا النوع ولكن سعر الفائدة يكون مرتفع. والثاني يحسب على كامل مبلغ القرض، وهذه سلبية، لكن السعر المقطوع يكون منخفض وهذه الطريقة هي الاكثر استخداما لدى البنوك الاسلامية خاصة في عقود المرابحة. بغض النظر عن نوعية القروض، ينبغي ان يكون القسط متساوي لنفس فترة القرض و نفس العميل. في السنوات القليلة الماضية، اتجهت البنوك بشكل واضح نحو السعر المقطوع و خاصة في مجال القروض الاستهلاكية.
في الاردن يريد المقترض ان يحصل على القرض دون ان يكترث الى تلك الاسعار لان ما يريده هو ان يجد البنك الذي يرغب بتقديم القرض له ولا يهمهه كثيرا تفاصيل و اسرار القرض. لكن في الدول التي لديها اجهزة مصرفية متطورة، يحصل ان تبحث البنوك عن المقترض و تتنافس فيما بينها لتقديم التسهيلات له. للاسف كثير من البنوك تستغل حاجة المقترض، وخاصة من فئة صغار المقترضين الذين ليس لهم دراية في الامور المصرفية.
وكما ذكرت باعلاه ان السعر المقطوع عادة ما يكون اقل من السعر العادي ولذلك ينجذب المقترض له معتقدا بانه حصل على سعر فائدة مخفض. في واقع الامر فان كلفة القرض بالسعر المقطوع في العادة تكون اكبر منها في السعر العادي. هذه خدعة تستخدمها البنوك لتشعر المواطن انه حصل على سعر ميسر في حين ان كلفته تزيد عن كلفة القرض بالسعر العادي. هذه ليست دعوة للابتعاد عن البنوك التي تستعمل السعر المقطوع و انما دعوة للبنوك ان تكون امينة مع عملائها و دعوى للمواطن ان يتاكد من طبيعة القرض وشروطه.
السؤال المطروح، هل يفترض بالمقترض ان يكون على اطلاع ودراية بالقواعد المالية والمصرفية ام ان على البنك ان يتحمل مسؤلياته المهنية والاخلاقية و يتاكد من ان العميل استوعب شروط القرض و خاصة فيما يتعلق بالتكاليف! اذا كان المواطن مضطر للقرض فعلى البنك ان لا يستغل هذه الحاجة بتمرير شروط مخفية على العميل.
ولتوضيح المشكلة، نفترض ان عميل يريد ان يقترض 50,000 دينار لمدة 5 سنوات. حصل على عرض من البنك الاول بسعر عادي مقداره 10% وعرض من البنك الثاني بسعر مقطوع مقداره 7%. من البديهي ان يتوقع المقترض ان القسط الذي سيدفعه للبنك الثاني سيكون اقل بكثير من قسط البنك الاول. لكن في الواقع الامر الذي يحصل هو العكس تماما. بحسبة بسيطة (لا داعي لاظهار المعادلات الرياضيه) يكون قسط البنك الاول الشهري 1062 دينار و قسط البنك الثاني 1125 دينار. اما مجموع ما سيدفعه للبنك الاول على مدار 60 شهرا فسيبلغ 63,720 دينار مقارنة ب 67,500 دينار للبنك الثاني اي بزيادة بحدود 4000 دينار. وكلما ارتفع السعر المقطوع عن 7%، كلما ازدادت الكلفه عليه. هذه مفارقة عجيبه و طريقة خادعة يقع ضحيتها الكثير من المقترضين.
في النظرية المالية، يجب ان يتساوى القسط لنفس المقترض، في نظام مصرفي شفاف و تسوده المنافسة، بغض النظر عن طريقة تسمية سعر الفائدة. و هذا يعني انه في هكذا نظام، يتحدد سعر الفائدة المقطوع بحيث ينتج عنه قسط يتساوى مع قسط قرض السعر العادي، اي ان كلفة سعر الفائدة المقطوع يجب ان تساوي كلفة الفرص البديلة (السعر التنافسي).
يحصل كل ذلك لانخفاض مستوى الشفافية والافصاح والمنافسة. في اقتصاد السوق الحر، تفصح البنوك عن حيثيات اسعار الفائدة وتحدد اسعارها بحيث تتساوى مع كلفة الفرص البديلة. في مقالة سابقة، كنت قد اشرت الى ان ارتفاع هامش الفوائد مرده ضعف كفاءة البنوك و ضعف المنافسة، وهنا دليل اخر على ذلك.
ادعو المواطن الى عدم الانجرار وراء اسعار الفائدة المنخفضة قبل ان يتاكد من قيمة القسط الشهري و ان يحصل على اكثر من عرض من عدة بنوك و ان يتاكد من شروط القروض. عليه ان يسأل كل بنك عن مقدار القسط الشهري بلاضافة الى عدد الاقساط. من جانب اخر، على البنوك ان تاخد مسؤوليه اكبر تجاه المقترض و ان تلتزم باصول العمل المصرفي واخلاقيات المهنة التي تقتضي ان تحدد اسعار فوائدها بحسب تكلفة الفرصة البديلة، اي بحسب الاسعار التنافسية وذلك بغض النظر عن طريقة تسمية تلك الاسعار.
– د. مروان الزعبي
– مدير معهد الدراسات المصرفية سابقا
– خبير مالي و اقتصادي صندوق النقد الدولي سابقا
– مدير تنفيذي، البنك المركزي، سسابقا
– بروفسور في الجامعات الاردنية والامريكية وغيرها
التعليقات مغلقة.