موقفنا من 25 يناير 2016 / اليسار الثوري في مصر

 

اليسار الثوري في مصر ( الخميس ) 21/1/2016 م …

هذه الأيام نحن على مشارف الذكرى الخامسة لأهم أحداث ثورية مرت بها مصر في عام 2011، إنها إيجازاً الثورة التي لقبت بثورة 25 يناير، والتي اندفع فيها أبناء شعبنا إلى أعمال البطولة في مواجهة نظام فاسد استبدادي ولص، نظام حكم المخلوع محمد حسنى مبارك الذي نجحت الجماهير في وضع حد لنظامه في مواجهة مؤسسات دولة وجيش وفرق البطلجية والمأجورين.

أسقطت إرادة الجماهير حكم مبارك وطغمة رجال الأعمال المرتبطين بنظامه إلا أن تلك الجماهير لم تكن جاهزة أو مدركة لأهمية إقامة سلطة الجماهير الثورية، حيث لم يتوفر لديها تنظيمات سياسية ثورية، ولا نقابات قوية مسيسة، ولم يكن العمال – العدو الجذري لأي نظام رأسمالي – يفكرون سوى في مطالب محدودة وقطاعية فتركوا قيادة الأحداث في المدن والمحافظات لنخب بورجوازية صغيرة، ورجال أعمال، وأحزاب رجعية. واكتفى هؤلاء بإسقاط مبارك والمطالبة بنصيب في مؤسسات الحكم مع إجراء بعض الإصلاحات، وتلقف الجيش – العصب المسلح للنظام – الكرة من يد الجماهير وبدأ في إدارة المباراة لتحقيق عمليتين متلازمتين: 1- عزل و تسكين حركة الجماهير، 2- استعادة سيطرة النظام.

ولم يكن تحقيق هذه الأهداف أمراً سهلاً، فالجماهير كانت في حالة فوران يصعب السيطرة عليها، والاندفاعات الثورية تتدفق واحدة تلو أخرى، تطالب وتطيح بوزارات وتفرض تعديلات في مؤسسات الدولة وممثليها، وحيث احتاج تسكين الجماهير لتقديم تنازلات، وعقد سلسلة من التحالفات مع قوى مختلفة يميناً ويساراً، وسحقها بعد ذلك.

عبر سنوات من المواجهات والمعارك واستنزاف القوى تمكن النظام من الإطاحة المسلحة بأقصى يمين الرأسمالية المصرية؛ “الإخوان المسلمون“، والسيطرة القمعية في مواجهة تجمعات النخب الثورية، وفرض تحالفات مهينة على قطاعات من اليسار والليبراليين. وعبر ذلك كانت الركائز الشعبية قد أنهكت اقتصادياً واجتماعياً بدرجة كبيرة دون أن يلوح أمامها أفقا واضحاً لنهاية تردى أوضاعها، فأصبحت أكثر ميلاً لانتهاء الحالة الثورية، والعودة إلى الاستقرار بغض النظر عن المعاناة الاقتصادية التي تفاقمت، وبوجه خاص بعد خيبة أملها في حكم الإخوان المسلمين، وما صاحب انتخابات الرئاسة من وعود وآمال تبخرت جميعها ليحل محلها موجات جديدة من القمع والمناورات وتردي الأحوال المعيشية.

واستثمر العسكريون استياء الجماهير من نظام حكم الإخوان إلى أقصاه، بعد أن طمئنوا الجماهير إلى أن الجيش لن يتدخل، وأنه سيكتفي بحراسة إرادة الشعب، ولعبت أجهزة الإعلام المرتبطة بالدولة دوراً كبيراً في تعبئة وتحريض الجماهير وكشف عيوب إدارة الإخوان، هكذا سارت الأحداث بقوة دفع مركبة؛ غضب الجماهير، استياء النخب، تخطيط أجهزة الدولة، وأزمة مستحكمة مصدرها نظام لا يفكر سوى في أرباح المدى القريب وصراعات كتله.

وهكذا تداعت أحداث 30 يونيو، بطلها جماهير هائلة القوة فاقدة التنظيم، من ثم كان منطقياً جرها إلى فخ التفويض والتأييد مجدداً لجلادي الأمس، حتى دون وعد بإصلاحات أو تحسين في شروط حياتها.

وبسرعة تمكنت أجهزة الدعاية من حشد الجماهير في مواجهة النخب الثورية، بعد أن اختصرت كل قضايا الثورة إلى قضية واحدة هي محاربة الإرهاب، و بدا أن 30 يونيو كأنه بداية وليس حسماً لها، كان المطلوب إشعار الجماهير طوال الوقت بأجواء تلك المعركة، ثم مطالبتهم بالصمت ودعم النظام، ارتدى الجنرال زي الملاك الفارس، ومن خلفه تحركت الدبابات وتطاير الرصاص.

لم تفهم أغلب النخب هذا التركيب الدرامي المتناقض لمشهد الصراع، نفسية الجماهير المرهقة، تغير الاستعدادات والتكتلات والهيمنة المسلحة المستندة لقبول جماهيري، فرض الديكتاتورية باسم الثورة، وضرب الثورة على كافة الأصعدة، والصمم العام عن صرخات التعذيب والقتل، وفي مقدمة كل ذلك السيولة الغير منظمة في وضع جماهير مرهقة.

دعاية ثورية يائسة

========

أطلقت نخب ثورية عدة دعوات في مناسبات خاصة، أبرزها كان أحداث معارك محمد محمود، ولكن – وكان ذلك طبيعياً في تلك الشروط – وجدت نفسها محاصرة أمنياً ومعزولة، ويسهل هزيمتها من قبل النظام بدون جهد يذكر.

تلك النخب هي خليط من تجمعات مسيسة ونصف مسيسة أغلبها يفتقر إلى أيديولوجيا منسجمة، وجميعها تقريبا يفتقر إلى رؤية سياسية ترتكز إلى الجماهير، إنها روح المغامرة اليائسة، شعور حاد بالذنب، حنين سطحي لكرنفالات ثورية، انتشاء ساذج بالعبارات الطنانة، لكنه أيضاً عمى سياسي كامل، تلك هي حالة النخب البورجوازية الصغيرة الثورية، إنها ليست فقط تفتقر إلى فهم سياسي واجتماعي لمعطيات اللحظة، لكنها أيضاً تصمم على الرهان على قوتها الخاصة، على الشعارات الجوفاء وروح المغامرة، ولا تفكر في قوة الجماهير، إنها تسب الجماهير وتحتقرها فعلاً، ومع ذلك تزعم أنها تريد تحرير الجماهير، بماذا ؟ بتلك المغامرات الصبيانية.

في خلفية ذلك المشهد الدرامي توجد جماهير تناضل فعلاً، المئات من الإضرابات والاعتصامات العمالية، تذمرات واحتجاجات الأطباء والمدرسين والموظفين والخريجين والطلاب. كل هذه النضالات تمثل أرضاً خصبة للدعاية الثورية، وللتنظيم، لكننا معزولون عنها بشكل كبير، ولا تسعى نخب ثوريو البورجوازية الصغيرة لربط نفسها بتلك النضالات الاقتصادية والمطلبية، إنها مصممة كلياً على العمل النخبوي، وعلى المغامرات اليائسة، في انتظار أن تسير وراءها الجماهير، أو تتفاوض معها السلطة، أو حتى تلحق بركب المعتقلين والشهداء لتستريح ضمائرهم.

25 يناير 2016 … ماذا تغير؟

=================

لا شك أن معاناة الجماهير خلال حكم السيسي قد تفاقمت أضعاف ما كانت عليه، وأن غضباً مكتوماً من تردى الأوضاع يصعد تدريجياً إلى السطح، وأن هناك تصدعات محدودة في جبهة النظام، وانتقادات تبرز بين الحين والآخر.

ومن جهة أخرى تتصاعد حركة إضرابية بين العمال وقطاعات أخرى، وأن الانتخابات البرلمانية ونتائجها كانت كارثية بكل معنى الكلمة، فقد أتت الأجهزة برجالها في مقاعد الأغلبية، ولم تجرى معارك دعاية حقيقية إلا في أضيق نطاق، ويعتبر البرلمان الحالي ملحق تشريعي للسلطة التنفيذية وليس سلطة رقابة أو تشريع فعلية، وتكاد تكون مؤسسات الدولة هي حكم السيسي وحده، فضلاً عن استمرار ارتفاع الأسعار وتسليع الخدمات العامة.

كل هذا صحيح، ولكن الصحيح أيضاً هو أن النضالات الراهنة للعمال هي نضالات مطلبية متواضعة، وأغلبها يلتمس عون السيسي وليس الصدام معه، نضالات متفرقة ومجزئة بلا نقابات مناضلة أو تنسيق يجمعها، ولا تزال الجماهير غير مستعدة للدخول في صراع مع الدولة، ولا تزال مؤيدة بدرجة أكبر لسلطة الجنرال، وتتبنى الدعاية الرسمية ضد قوى المعارضة، بل حتى ترفض ما كشفت عنه أهم الأجهزة الرقابية بشأن عمليات الفساد داخل مؤسسات الحكم و الوزارات، ولم يتطور وضع النخب الثورية أي تطور ذو شأن، على العكس تماماً عانت عزلة شديدة، وتفككات وضعف سياسي وتنظيمي.

ومع ذلك تطلق الدعوات للانتفاض الطقوسي في 25 يناير، وكأنها تداركت، وعالجت أخطائها وأوجه قصورها.

ولا نستثني أنفسنا، فنحن أيضاً أصابنا كل أمراض ومشكلات حالة الجزر، العزلة والتراجع والضعف، ذلك ظرف انسحب أثره على كل أطراف وقوى الصراع الراهن. وهو ظرف يفرض مهام مختلفة كلياً عن إطلاق الدعوات الطقسية التطهرية إلى الانتفاض، فأي دعوة من هذا النوع هي في جوهرها دعوة لهزيمة مؤكدة، لاستعراض ضعفنا أمام النظام وجبهته الأمنية والسياسية، لإنزال ضربات قاصمة فوق ظهر قوانا التي لم تتعافى من ضربات الثورة المضادة حتى الآن، فرق من الهواة اليائسين في مواجهة دولة بأجهزتها دون مساندة جماهيرية ، فأي نتيجة ننتظر؟

إن الجماهير الغير منظمة في أفضل حالات انتفاضها أفضت إلى تداول جديد للسلطة بين أجنحة الطبقة الرأسمالية؛ ليبراليين وإخوان وعسكر، وأيدت أعدائها بحماس شديد، و لو تكررت أحداث 2011 مع بقاء هذه المعطيات على حالها ستتكرر النتائج بسهولة شديدة.

ولكن الوضع في 2016 بكل وضوح هو هيمنة سياسية وبوليسية للثورة المضادة، والجماهير ما بين السلبية وتأييد النظام والنخب الثورية أشد ضعفاً وعزلة.

إننا نحذر هؤلاء المغامرين أصحاب الدعوات الصبيانية من جرنا إلى معارك تسحق قوانا دون فائدة تذكر، ونحذر من نتائج أبسطها أن تغرق الجماهير في المزيد من السلبية أو المزيد من تأييد الحكم العسكري، هذه المغامرة تخدم النظام، ولا تخدم مسار الثورة.

إن علينا أولاً تجميع صفوفنا السياسية والتنظيمية، دراسة معارك وأخطاء سنوات الثورة، الاستعداد لمعارك دعائية ضد النزعات الصبيانية، وحملات دعائية دءوبة بين صفوف الجماهير لشرح طبيعة النظام وأسباب الأزمة، وتحديد الأهداف للمعارك المقبلة، ومساعدة الجماهير على تنظيم قواها في نقابات وروابط وجمعيات، وأيضاً مد جذور التنظيمات الراديكالية بينها، وخلق ركائز سياسية بين الجماهير.

هذا أو غلبة العمل العفوي وتكريس التخبط السياسي والقصور التنظيمي. ولن يحل هذه المهام الحديث المجرد عن “أزمة النظام” فلم يسقط نظام بسبب أزماته وحدها، ولن يحل محلها إطلاقاً دعوات فوقية لجماهير عفوية مفككة لكي تنتفض، وإلا كنا كمن يدعوا شخص لتكرار أخطاءه وهزائمه إلى ما لانهاية.

إن مهام الدعاية بين الجماهير، الارتباط بنضالاتها الراهنة، البدء من معاركها الصغيرة والجزئية بهدف دفع وعيها ومطالبها إلى الأمام، تنظيمها، التدرج معها في نضالاتها، النمو من خلالها ومعها، هي مهام الثوريين الماركسيين وكل من يفكر في ثورة أساسها هو حركة الجماهير، وهدفها هو تحرير تلك الجماهير.

فلنقف بوضوح ضد الدعوات الكارثية لمعارك يدفع ثمنها الجميع، معارك فوقية معزولة تحتقر الجماهير، ولنحذر حسنو النية من مغبتها ونتائجها، ولندعوهم إلى الارتباط بنضالات الجماهير بدلاً من العمل اليائس بعيداً عنها، ولنعد أيضاً عدتنا للانخراط في تنفيذ تلك المهام، ويدنا ممدودة لكل من يرغب أن يتصدى فعلاً للمهام الحقيقية التي تدفع الجماهير، وتدفعنا معها إلى الأمام، إلى طريق التحرر الثوري للجماهير.

اليسار الثوري

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.