معركة الشعب السوري ضدّ الإرهاب مستمرة وبشائر النصر تلوح في الأفق / نبيهة إبراهيم

 

نبيهة إبراهيم ( الأحد ) 24/1/2016 م …

إرادة الشعوب الحيّة في التحرّر والمقاومة لا تُقهر، هكذا تُخبرنا حقائق التاريخ، وهذا ما استقرّت عليه معظم النظريات السياسية الشعبية بأنّ إرادة الإنسان شكلت عبر العصور العامل الحاسم في الصمود وإحداث التغييرات الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية. وبأنّ الشعب المرجع الشرعي لأية سلطة في المجتمع، وأية سلطة لا تنبثق عن إرادة الشعب هي سلطة غير شرعية.

جذور الشعب السوري في مقاومة الظلم والاحتلال ضاربة في التاريخ، وتستند إلى موروث ثقافي يشكل جزءاً من ثقافة المشرق العربي فلسطين ولبنان وسورية والعراق ، التي ترتكز على فلسفة البطل المقاوم الاستشهادي وهي تعبّر عن ارتباط الإنسان بوطنه، حيث لحظة اتخاذ القرار بالاستشهاد هي نفسها لحظة إعلان قرار الولاء للوطن. هذه الفلسفة الموجودة في غلغامش والمسيحية وأوغاريت وملحمة الحسين ومعركة ميسلون الاستشهادية والبطل يوسف العظمة ورفاقه الذين أصرّوا على عدم دخول الفرنسيين دمشق دون مقاومة. وصولاً إلى فكر حافظ الأسد في مقاومة الكيان الإسرائيلي، وهو الذي أسّس لمدرسة المقاومة بأنواعها الثقافية والعسكرية والسياسية، انطلاقاً من إيمانه بالشعب السوري وحق هذا الشعب في حياة حرة كريمة وسيادته على أرضه وبقدرته على مقاومة مشاريع الهيمنة الاستعمارية على أمتنا العربية، مستثمراً بالعوامل الدينية الوطنية في إذكاء روح القتال لدى هذا الشعب العظيم. واعتبر أن طريق النصر يمرّ عبر دماء الشهداء، «وما النور إلا قطرات دم الشجاع، دم البطل – دم الشهيد». واحتضن المقاومة اللبنانية حتى اشتدّ عودها وحققت أولى إنجازاتها العظيمة في أيار العام 2000. كما برع الراحل الكبير حافظ الأسد في المزج بين المقاومة السياسية والعسكرية، إذ أسّس في سورية لنظام مدني أقرب لنظام الدولة الحديثة، عمادها تنمية اقتصادية أمّنت مرتكزات وعوامل المقاومة والصمود في وجه العدو «الإسرائيلي». وفي هذا الاتجاه دعا وعمل إلى حشد طاقات الأمة العربية باتجاه المعركة مع العدو الإسرائيلي، حتى باتت سورية في عهده اللاعب الأساسي في معظم قضايا المنطقة ومركز القرار العربي.

ومع بداية الألفية الثالثة واشتداد وطأة المشروع الصهيو- أميركي على منطقتنا العربية، بعد أحداث أيلول التي اتخذها ذلك المشروع منصة لغزو العراق، وجاء قرار الدولة السورية الرافض للاحتلال الأميركي للعراق وتدعيم الشعب العراقي وحقه في مقاومة الاحتلال، وتلاه موقف الدولة السورية برفض المساومة على مقاومة الشعب الفلسطيني لكيان العدو الصهيوني. ثم كان عدوان تموز على لبنان وانتصر الشعب اللبناني ومقاومته وسورية التي شكلت شريكاً أساسياً في هذا الانتصار العظيم. وقبيل بداية ما سمّي بـ»الربيع العربي» كانت انتصارات محور المقاومة كبيرة في فلسطين ولبنان والعراق.

اليوم وبعد أربع سنوات ونيّف من الحرب الظالمة التي يشنّها مشروع الهيمنة الاستعمارية بزعامة أميركا والغرب ضدّ الدولة السورية موظفة أدواتها كنظام أردوغان العثماني وحفنة من ملوك وأمراء النفط الناهبين لثروات شعوبهم ومسخّريها لتدمير البلدان العربية ولتشويه صورة العرب والإسلام وتقطيع كلّ الوشائج والروابط العربية الجامعة، وأهمّها الروابط الدينية والقومية. تلك الحرب الظالمة التي هدفت إلى ضرب النموذج الحضاري السوري في التنمية والاستقرار والعيش المشترك، والنيل من التوجه القومي لنظام الحكم الراعي لرفض مشروع الهيمنة الأميركية الهادف إلى تفتيت المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد على شكل دويلات جنينية طائفية عرقية ضعيفة، تستمدّ بقاءها واستمراريتها من الاستقواء بالأجنبي وصولاً إلى الهدف النهائي، وهو نهب خيرات شعوبها لإبقائها في حالة تراجع.

إنّ معركة الشعب السوري اليوم ضدّ الإرهاب هي معركة كلّ الحركات والقوى التحرّرية المناضلة للحفاظ على قيَمها وإنجازاتها على هويتها الحضارية، فما ارتكبته وما زالت ترتكبه العصابات الإرهابية المسلحة من قتل وتدمير وتطهير عرقي وثقافي يتشابه إلى حدّ كبير مع ما سلكه جنود الاحتلال الأميركي في العراق، فهل يختلف نهب متحف بغداد وإحراق مكتبتها عن تخريب تدمر وسرقة آثارها، وهل تختلف فظائع جريمة الجنود الأميركيين في سجن أبو غريب عن جرائم العصابات في سورية واعتداءاتها على كرامات وحرمات الشعب السوري؟

الشعب السوري يقاوم الإرهاب: استخدمت قوى الحرب الظالمة ضدّ الدولة السورية وسائل تفكيكية عدة:

أولاً: محاولة تمزيق النسيج الاجتماعي من الداخل من جراء إذكاء النعرات الطائفية والإثنية، فمنذ اليوم الأول للحرب عمل مخططوها ومنفذوها على تغذية عناصر التخلف كلّها وأنواع التعصّبات القومية والمذهبية والدينية كلّها، بهدف إضعاف ارتباط المواطن بدولته وكراهية الوطنية السورية، وصولاً إلى انهيارها، لكن وعي الشعب العربي السوري العظيم ووقوفه مسانداً لجيشه وقيادته حقق الصمود الأسطوري للدولة السورية واستمرارها وبقائها.

ثانياً: العمل من أجل عزل سورية عربياً، وقد أوكلت هذه الوظيفة لجامعة الدول العربية التي وصفها حمد القطري الجامعة العربية تشتغل سكرتارية عندنا هذا التوصيف جدّ دقيق، خصوصاً أنّ المتتبّع لأداء الجامعة عندما قام مجلسها وباقتراح من مجلس التعاون الخليجي بالطلب من مجلس الأمن التدخل العسكري في ليبيا تحت ذريعة حماية المدنيين فساهم في تدمير ليبيا وما زال.

أما بالنسبة لسورية: فقد عملت الجامعة وبمخالفة صريحة لميثاقها بتعليق عضوية سورية فيها، وتشجيع وتمويل الحركات الإرهابية وتسهيل تدميرها للدولة السورية، المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية التي تنص على أن: «تحترم كلّ دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقاً من حقوق تلك الدول وتتعهّد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها» .

وساهمت جامعة الدول العربية بفرض حصار اقتصادي عربي على الدولة السورية، وبناءً على قرار أصدرته فرضت دول عربية عقوبات على قطاعات اقتصادية رئيسية في سورية مثل السفر والتمويل والتحويلات المصرفية، وتجميد الأموال إلى جانب القطاع الاستثماري والتعاملات التجارية.

ثالثاً: إجراءات الحصار الاقتصادي وتأثيراته الاجتماعية، تلك الإجراءات التي شكلت إحدى أدوات الحرب المساعدة على استدامة الفترة الزمنية للحرب، حيث تمّ إقرار العقوبات على سورية في 27 آب 2011، والعقوبات ليست بالجديدة على السوريين بل هي مستمرة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتعود أسبابها إلى تجذّر الموقف السوري المتمسك بسيادة قراره الوطني المستقلّ ودفاعه عن الحقوق العربية. وفي العام 2004 عززت واشنطن تلك العقوبات بعد رفض الدولة السورية للاحتلال الأميركي للعراق ورفض الإملاءات الأميركية الأوروبية ودعمها لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، وكانت لتلك الإجراءات في تشديد الحصار الاقتصادي آثار مباشرة على الاقتصاد السوري كانخفاض معدلات النمو وارتفاع نسبة البطالة والانكماش الاقتصادي والتضخم والتراجع في سعر الصرف.

اليوم في سورية، يمكن أن ترى رجلاً طاعناً في السن يقف مفجوعاٌ أمام مشهد حطام بيته المدمّر، الذي دمّرته آلة الحرب القتل والإجرام المهداة من أميركا والغرب الاستعماري ونظام أردوغان القذر وآل سعود وقطر للعصابات الإرهابية المجرمة لتعيث فساداً وخراباً على الأرض السورية، ويمكن أن ترى النساء يولولن أمام جثامين أطفال مزقتها قذائف تلك العصابات المجرمة، تحت عين وبصر دعاة القيم الحضارية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان على المنابر الدولية. لكننا لا نسمع صوتاً واحداً ينادي بالخوف واليأس والخنوع، قلوبنا نحن السوريين معمّرة بالعزم والإرادة على محاربة الإرهاب وداعميه من قتلة ومجرمين مرتزقة، أعداء الحضارة والإنسانية، ومعركة الشعب السوري التي يقودها جيشه العظيم هي معركة كلّ شعوب العالم التواقة للعيش بحرية بكرامة بأمن وسلام.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.